الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي صلى الله عليه وسلم: "نزل القرآن بسبع لغات كلها كاف شاف". (1)
هذا حكم اللغتين إذا كانتا فيش الاستعمال والقياس متدانيتين متراسلتين، أو كالمتراسلتين. (2)
الاحتجاج اللغوي:
قال ابن سلام الجمحي: وكان الشعر في الجاهلية عند العرب ديوان علمهم، ومنتهى حكمهم، به يأخذون، وإليه يصيرون. . . وقد كان عند النعمان بن المنذر منه ديوان فيه أشعار الفحول. (3)
قال عبد القادر البغدادي في "خزانة الأدب": في الكلام الذي يصح الاستشهاد به في اللغة والنحو والصرف:
قال الأندلسي: علوم الأدب ستة: اللغة والصرف والنحو، والمعاني والبيان والبديع؛ والثلاثة الأول لا يستشهد عليها إلا بكلام العرب، دون الثلاثة الأخرى فإنه يستشهد فيها بكلام غيرهم من المولَّدين؛ لأنها راجعة إلى المعاني، ولا فرق في ذلك بين العرب وغيرهم؛ إذ هو أمر راجع إلى العقل، ولذلك قُبل من أهل هذا الفن الاستشهاد بكلام البحتري، وأبي تمام، وأبي الطيب وهلم جرا.
وأقول (عبد القادر البغدادي): الكلام الذي يستشهد به نوعان: شعر وغيره.
والشعراء قسمهم العلماء على طبقات أربع:
الطبقة الأولى: الشعراء الجاهليون، وهم مَن قبل الإسلام، كامرئ القيس والأعشى.
الثانية: المخضرمون، وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، كلبيد وحسان.
الثالثة: المتقدمون، ويقال لهم الإسلاميون، وهم الذين كانوا في صدر الإسلام، كجرير والفرزدق.
(1) أخرجه البخاري (4992)، ومسلم (819) ولفظ البخاري "إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ".
(2)
الخصائص لابن جني 1/ 398، والمزهر في علوم اللغة للسيوطي 1/ 255، والصحابي في فقه اللغة لابن فارس 1/ 6.
(3)
طبقات فحول الشعراء، لابن سلام الجمحي 1/ 38 والخصائص، لابن جني 1/ 381.
الرابعة: المولَّدون، ويقال لهم المحدَثون، وهم مَنْ بعدهم إلى زماننا، كبشّار بن برد وأبي نُواس.
فالطبقتان الأوليان: يستشهد بشعرهما إجماعًا. وأما الثالثة: فالصحيح صحة الاستشهاد بكلامها.
وقد كان أبو عمرو بن العلاء، وعبد اللَّه بن أبي إسحاق، والحسن البصري، وعبد اللَّه بن شبرمة، يُلحَنون الفرزدق والكميت وذا الرُمَّة وأضرابهم، . . .، في عدة أبيات أخذت عليهم ظاهرًا؛ وكانوا يعدونهم من المولَّدين؛ لأنهم كانوا في عصرهم، والمعاصرة حجاب.
وقال ابن رشيق في العمدة: كل قديم من الشعراء فهو محدَث في زمانه بالإضافة إلى من كان قبله. وكان أبو عمرو يقول: لقد أحسن هذا المولَّد حتى لقد هممت أن آمر صبياننا برواية شعره -يعني بذلك شعر جرير والفرزدق- فجعله مولّدًا بالإضافة إلى شعر الجاهلية والمخضرمين. وكان لا يعدّ الشعر إلا ما كان للمتقدمين، قال الأصمعي: جلست إليه عشر حجج، فما سمعته يحتج ببيت إسلامي.
وأما الرابعة: فالصحيح أنه لا يستشهد بكلامها مطلقًا؛ وقيل يستشهد بكلام من يوثق به منهم، واختاره الزمخشري.
واستشهد الزمخشري أيضًا في تفسير أوائل البقرة ببيت من شعره، وقال (1): وهو إن كان محدثًا لا يستشهد بشعره في اللغة فهو من علماء العربية، فأجعل ما يقوله بمنزل ما يرويه. ألا ترى إلى قول العلماء: الدليل عليه بيت الحماسة، فيقنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه. اهـ
واعتُرِض عليه بأن قبول الرواية مبني على الضبط والوثوق، واعتبار القول مبنيٌّ على معرفة أوضاع اللغة العربية والإحاطة بقوانينها، ومن البيّن أن إتقان الرواية لا يستلزم إتقان الدراية. وفي الكشف أن القول رواية خاصة، فهي كنقل الحديث بالمعنى.
وقال التفتازاني في القول بأنه بمنزلة نقل الحديث بالمعنى: ليس بسديد؛ بل هو بعمل
(1) الكشاف للزمخشري 1/ 87.
الراوي أشبه، وهو لا يوجب السماع، إلا ممَّن كان من علماء العربية الموثوق بهم، فالظاهر أنه لا يخالف مقتضاها، فإن استؤنس به ولم يُجعل دليلًا، لم يَرد عليه ما ذكر ولا ما قيل، من أنه لو فتح هذا الباب لزم الاستدلال بكل ما وقع في كلام علماء المحدثين كالحريري وأضرابه، والحجة فيما رووه لا فيما رأوه. وقد خطئوا المتنبي وأبا تمام والبحتري في أشياء كثيرة كما هو مسطور في شروح تلك الدواوين.
وقال السيوطي: أجمعوا على أنه لا يحتج بكلام المولدين والمحدَثين في اللغة والعربية.
وأول الشعراء المحدثين بشار بن برد، . . .، ونقل ثعلب عن الأصمعي أنه قال: خُتم الشعر بإبراهيم بن هَرْمة وهو آخر الحجج.
وكذا عدّ ابن رشيق في العمدة طبقات الشعراء أربعًا، قال: هم جاهلي قديم، ومخضرم، وإسلامي، ومحدث. قال: ثم صار المحدثون طبقات أولى وثانية على التدريج هكذا في الهبوط إلى وقتنا هذا.
وأما قائل الثاني (1) فهو إما ربنا تبارك وتعالى، فكلامه -عز اسمه- أفصح كلام وأبلغه، ويجوز الاستشهاد بمتواتره وشاذه، كما بينه ابن جني في أول كتابه "المحتسب" وأجاد القول فيه.
وأما الاستدلال بحديث النبي صلى الله عليه وسلم فقد جوَّزه ابن مالك، . . .، وقد منعه ابن الضائع وأبو حيان، وسندهما أمران:
أحدهما: أن الأحاديث لم تنقل كما سُمعت من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما رويت بالمعنى.
وثانيهما: أن أئمة النحو المتقدمين من المِصْرَين لم يحتجوا بشيء منه.
ورُدَّ الأول -على تقدير تسليمه- بأنَّ النقل بالمعنى إنما كان في الصدر الأول قبل تدوينه في الكتب، وقبل فساد اللغة، وغايته تبديل لفظ بلفظ يصح الاحتجاج به، فلا فرق. على أن اليقين غير شرط، بل الظن كاف.
(1) أي النوع الثاني من الكلام، وهو ما كان غير شعر.