الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا بالضبط ما نراه في ظل الشيء على الأرض، وقدرة اللَّه تعالى على تحريك هذا الظل تستطيع أن تجعله ساكنًا، فاللَّه تعالى حرَّك الظل ولو شاء لجعله ساكنًا عديم الحركة، ولكن هل تستمر الحياة؟ ! ستكون الحالة هذه إما ليل دائم أو نهار دائم ولا تستقيم الحياة على الأرض في هذه الحالة، ثم أكد البيان الإلهي على أن مركز دوران الأرض هو الشمس بقوله:{ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} ونحن نعلم بأن الدليل هو الشيء الذي تقاس الأشياء بالنسبة إليه، إذن الشمس في مركز الدوران والأرض تدور من حولها (1).
الوجه الحادي عشر: الظل له مسببات مختلفة، ليس فقط دوران الأرض بل الشمس في الأصل هي المسئولة عن ذلك
.
قال الشهرستاني: حركة الشمس مع الظل، فإن الشمس تتحرك عن فلكها أقدامًا كثيرة حتى يظهر في الظل قدم واحد، فلو قدرنا حركتها بمقدار جزء واحد فيجب أن يتحرك الظل بمقدار ألف جزء من جزء فيتجزىء الجزء المفروض (2).
قال أبو حيان: لما طلعت الشمس دلَّت على زوال الظل وبدا فيه النقصان، فبطلوع الشمس يبدو النقصان في الظل، وبغروبها تبدو الزيادة في الظل فبالشمس استدل أهل الأرض على الظل وزيادته ونقصه، وكلما علت الشمس نقص الظل، وكلما دنت للغروب زاد وهو قوله:{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} يعني: في وقت علوِّ الشمس بالنهار ينقص الظل نقصانًا يسيرًا بعد يسير، وكذلك زيادته بعد نصف النهار يزيد يسيرًا بعد يسير حتى يعم الأرض كلها، فأما زوال الظل كله فإنما يكون في البلدان المتوسطة في وقت، وقبضه إليه أن ينسخه بظل الشمس {يَسِيرًا}: على مهل، وفي هذا القبض اليسير شيئًا بعد شيء من المنافع ما لا يعد ولا يحصى، ولو قبض دفعة لتعطلت أكثر مرافق الناس بالظل والشمس جميعًا، {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} مستقرًا على تلك الحالة، ثم خلق الشمس وجعله على ذلك الظل سلطها عليه وجعلها دليلًا متبوعًا لهم كما يتبع الدليل في الطريق،
(1) انظر موقعه الخاص http://www.kaheel 7.com في مقاله: دوران الأرض حول الشمس.
(2)
نهاية الإقدام في علم الكلام (1/ 178 - القاعدة الأولى: مسألة في إثبات الجوهر الفرد).
فهو يزيد بها وينقص ويمتد ويقلص، ثم نسخه بها قبضه قبضًا سهلًا يسيرًا غير عسير، ويحتمل أن يريد قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه وهي الأجرام التي تُلقي الظل فيكون قد ذكر إعدامه بإعدام أسبابه، كما ذكر إنشاءه بإنشاء أسبابه (1).
وقال الرازي: أكثر الناس في تأويل هذه الآية، ويُرفع الكلام فيها إلى وجهين:
الأول: أن الظل لا ضوء خالص ولا ظلمة خالصة، وهو ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، وكذلك الكيفيات الحاصلة داخل السقف وأبنية الجدارات، وهي أطيب الأحوال؛ لأن الظلمة الخالصة يكرهها الطبع وينفر عنها الحس، والضوء الخالص يحير الحس البصري، ويحدث السخونة القوية وهي مؤذية، ولهذا قيل في الجنة:{وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} ، والناظر إلى الجسم الملون كأنه يشاهد بالظل شيئًا سوى الجسم وسوى اللون، والظل ليس أمرًا ثالثًا؛ ولا معرفة به إلا إذا طلعت الشمس ووقع ضوؤها على الجسم ثم مال عرف للظل وجود وماهية، ولولاها ما عرف؛ لأن الأشياء تدرك بأضدادها، فظهر للعقل أن الظل كيفية زائدة على الجسم واللون ولذلك قال:{ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} أي: جعلنا الظل أولًا بما فيه من المنافع واللذات، ثم هدينا العقول إلى معرفة وجوده بأن أطلعنا الشمس فكانت دليلًا على وجود الظل، {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ} أي: أزلناه لا دفعة بل {يَسِيرًا} يسيرًا؛ كلما ازداد ارتفاع الشمس ازداد نقصان الظل من جانب المغرب، ولما كانت الحركات المكانية لا توجد دفعة بل يسيرًا يسيرًا كان زوال الأظلال كذلك.
والثاني: أنه لما خلق السماء والأرض، وقع السماء على الأرض فجعل الشمس دليلًا؛ لأنه بحسب حركات الأضواء تتحرك الأظلال، فهما متعاقبان متلازمان لا واسطة بينهما، فبمقدار ما يزداد أحدهما ينقص الآخر، فكما أن المهتدي يقتدي بالهادي والدليل ويلازمه فكذلك الأظلال ملازمة للأضواء؛ ولذلك جعل الشمس دليلًا عليه (اهـ. وهو مأخوذ من كلام الزمخشري).
(1) البحر المحيط 8/ 369 (الفرقان: 45).