الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سيتدحرج بعيدًا، ولما استطاعت جمعه لحضنه، وما أمنت عليه من الأعين، وعاديات الزمان والمكان.
2 -
كيف وإن كانت النعامة تضع بيضها بالطول؛ وذلك حتى يتوزع دفء الحَضْن على أكبر مساحة من بيضتها الأكبر بين البيوض - كل هذه الاعتبارات تقتضي أن لا يكون عش النعامة سوى حفرة في الأرض، أي: نصف كرة سفلي.
3 -
ومن هنا يتبين أن النعامة تدحي (تهيء) الأرض الصلبة لاستقبال البيض فلا يتكسر عند وضعه، وتكون ملائمة لحفظه عن العيون وحَضنِهِ وعدم تدحرجه، وما يكون ذلك إلا بضرب رجلها على الأرض الصلبة وتقعيرها إلى الداخل صانعةً العشَ؛ ذلك العش الذي يبدو للناظر - غير المدقق أنه مستوٍ وهو في الحقيقة متقعر نحو الأسفل، وهنا وجه الشبه بين الأرض والدحية.
4 -
ووجه شبه آخر أن الأرض أيضًا قد دحاها (هيأها) اللَّه للخليفة على الأرض، فهي حاضنته الرؤوم، التي لولا تلك التهيئة لما استطاع العيش عليها.
إذًا فلو كان عش النعامة مستوٍ لما استطاعت حضن البيض، ولو باضت على الأرض الصلبة قبل ضربها برجلها جاعلةً منها ترابًا ناعمًا لتكسر البيض، كما لو كانت الأرض كلها مستوية مسطحة لما أمكن للأرض أن تحتضن الماء على سطحها بأي شكل (بحار وأنهار وسيول. . .) ولو كانت الأرض صلدة بلا تراب لما أنبتت المرعى (1).
الوجه الثاني عشر: الرد على قول القائل: لو كان القرآن قد علم بكروية الأرض لأعطى حينذاك حلولا مسبقة للمشاكل التي سيتعرض لها مسلموا القطب مثلا
.
1 -
النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو مبيِّن لما في القرآن: فلقد وضَّح أن الإنسان ربما يمر بفترات لا يعلم فيها مواقيت الصلاة سواءً كان ذلك بسبب الأمور الكونية الطبيعية كما هو الحال
(1) انظر: مباهج الفكر ومناهج العبر لمحمد بن إبراهيم الوطواط، تحقيق: د/ عبد الرزاق الحربي، (ص 287)، وانظر موقع: www.hedweb.com/animimag/osteggs.jpg
انظر: موسوعة الإعجاز العلمي ليوسف الحاج أحمد (ص 206 - 209). مفاتيح الغيب للرازي (19/ 1).
عند سكان القطبين الشمالي والجنوبي، أو بسبب الأمور الكونية الغير عادية كما هو الحال في فترة وجود المسيح الدجال في آخر الزمان، أو بسبب أن الإنسان كان حبيسًا في مكان مظلم لا يعلم عن المواقيت شيئًا.
فعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ:"مَا شَأْنُكُمْ"؟ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّه، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ! قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّه، وَمَا لَبْثُهُ فِي الأرض؟ قَالَ:"أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّه، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِى كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ:"لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ"(1).
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين: أما المكان الذي لا يتخلله الليل والنهار في أربع وعشرون ساعة فلا يخلو؛ إما أن يكون ذلك مطردًا في سائر العام، أو في أيام قليلة منه، فإن كان في أيام قليلة منه مثل أن يكون المكان يتخلله الليل والنهار في أربع عشرون ساعة طيلة فصول السنة؛ لكن في بعض الفصول يكون فيه أربعٌ وعشرون ساعة أو أكثر والنهار كذلك، ففي هذه الحالة إما أن يكون في الأفق ظاهرة حية يمكن بها تحديد الوقت كابتداء زيادة النور مثلًا أو انطماسه بالكلية فيعلق الحكم بتلك الظاهرة، وإما أن لا يكون فيه ذلك فتقدر أوقات الصلاة بقدرها في آخر يوم قبل استمرار الليل في الأربع والعشرين ساعة أو النهار، فإذا قدرنا أن الليل كان قبل أن يستمر عشرين ساعة، والنهار فيما بقي من الأربع والعشرين؛ جعلنا الليل المستمر عشرين ساعة فقط والباقي نهارًا واتبعنا فيه ما سبق في تحدي أوقات الصلوات، أما إذا كان المكان لا يتخلله الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة طيلة العام في الفصول كلها فإنه يحدد لأوقات الصلاة بقدرها؛ لما رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال الذي يكون في آخر
(1) رواه مسلم (7560) في الفتن وأشراط الساعة، باب ذِكْرِ الدَّجَّالِ وَصِفَتِهِ وَمَا مَعَهُ.
الزمان، فسألوه عن لبثه في الأرض فقال:"أربعون يومًا؛ يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم" قالوا: يا رسول اللَّه، فذلك اليوم كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال:"لا، اقدروا له قدره".
فإذا ثبت أن المكان الذي لا يتخلله الليل والنهار يقدر له قدره فبماذا نقدره؟
يرى بعض العلماء أنه يقدر بالزمن المعتدل، فيقدر الليل باثنتي عشرة ساعة، وكذلك النهار؛ لأنه لما تعذر اعتبار هذا المكان بنفسه اعتبر بالمكان المتوسط، كالمستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز، ويرى آخرون أنه يقدر بأقرب البلاد إلى هذا المكان مما يحدث فيه ليل ونهار في أثناء العام؛ لأنه لما تعذر اعتباره بنفس اعتبر بأقرب الأماكن شبهًا به وهو أقرب البلاد إليه التي يتخللها الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة، وهذا القول أرجح؛ لأنه أقوى تعليلًا وأقرب إلى الواقع، واللَّه أعلم (1).
2 -
قول اللَّه تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} عام وشامل لكل من ألمت به الضرورة والعذر:
قال السرخسي: اعلم أن مِن شرط وجوب أداء المأمور به القدرة التي بها يتمكن المأمور من الأداء لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ، ولأن الواجب أداء ما هو عبادة، وذلك عبارة عن فعل يكتسبه العبد عن اختيار ليكون معظمًا فيه ربه فينال الثواب وذلك لا يتحقق بدون هذه القدرة، غير أنه لا يشترط وجودها وقت الأمر لصحة الأمر؛ لأنه لا يتأدى المأمور بالقدرة الموجودة وقت الأمر بحال (2).
فهذا الحديث ليس خاصًا بالفترة التي فيها المسيح الدجال؛ بل في جميع الفترات التي لا يستطيع الإنسان التعرف فيها على المواقيت لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286)، فكل ما لا يستطيع الإنسان فعله من أمر الشرع فإنه يفعل ما يقدر عليه.
(1) رسالة مواقيت الصلاة، وفي مجموع فتاواه، المجلد الثاني عشر.
(2)
أصول السرخسي (1/ 65).