الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقرب، وقد أنكر بعض مَنْ قرأ البحث هذه النتيجة مؤكدًا أن كلمة (أدنى) تعني من الوجهة اللغوية: أقرب، وليس ثمة رأي آخر يدل على أنها قد تأتي بمعنى: أخفض.
وإذا كان معنى كلمة (دنا) مقتصرًا -من الناحية اللغوية- على ما ذكرناه، فماذا نقول إذن في قوله تعالى في الآية (7) من سورة المجادلة:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} ، وكذلك في قوله تعالى في الآية (20) من سورة المزمل:{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} ، نلاحظ أن كلمة (أدنى) في الآيتين السابقتين جاءت بمعنى: أقل، ولا يستقيم المعنى إذا نحن أوَّلناها على أنها:(أقرب) نزولًا عند معطيات المعاجم اللغوية.
في سورة المجادلة جاءت (أدنى) بمعنى: (أقل) مرتبطة بدلالة عددية؛ فالأدنى من العدد ثلاثة هو العدد اثنان.
وفي سورة المزمل جاءت كلمة (أدنى) بمعنى: (أقل) مقترنة بدلالة زمنية (أدنى من ثلثي الليل)، والأدنى من ذلك: نصفه أو ثلثه أو ربعه أو. . .
إذن جاءت كلمة (أدنى) التي بمعنى: أقل ذات دلالة عددية في سورة المجادلة، وذات دلالة زمنية في سورة المزمل، وفي الدلالات العددية أو الزمنية هنالك ما هو أدنى:(أقل) وما هو (أكثر)، ولكن في الحديث عن الأرض ما هي دلالة كلمة (أدنى) إن كانت بمعنى (أقل)(1)؟
بيان أن معنى أدنى في الآية: أخفض
.
قال عبد الدائم الكحيل: أولًا: يحدثنا القرآن في عصر لم يكن باستطاعة أحد أن يقيس أخفض نقطة على سطح اليابسة من الأرض، يحدثنا عن هذه المنطقة بالذات، وأن معركة وقعت فيها وكانت نتيجتها انتصار الفرس على الروم.
لقد حدَّدت هذه الآيات (الروم: 1 - 7) موقع المعركة في (أدنى الأرض) فما هو معنى
(1) المفصل في الرد على شبهات أعداء الإسلام (6/ 77)، شبهات حول القرآن الكريم (2).
هذه العبارة؟ وهل يمكن أن نفهمها بأنها تعني فقط: (أقرب الأرض) كما فسَّرها المفسِّرون الأوائل رحمهم اللَّه تعالى أم أن هنالك معانٍ أخرى؟ وهل هنالك معجزة في هذه الآية الكريمة؟
ثانيًا: لقد تأملت هذا النص الكريم طويلًا واطلعتُ على تفاسيره فوجدتُ أن المفسرين يفسرون قوله تعالى: {أَدْنَى الْأَرْضِ} بأقرب الأرض؛ أي: أقرب أرض الروم إلى أرض العرب وهي أغوار البحر الميت؛ أي: المنطقة المحيطة بهذا البحر، انظر مثلًا تفسير الطبري أو تفسير ابن كثير لقوله تعالى:{غُلِبَتِ الرُّومُ} .
ولكن الذي لَفَتَ انتباهي هو أن عبارة: (أدنى الأرض) عامة وليست خاصة بأرض العرب؛ أي: أن القرآن في هذه الآية يطلق صفة (أدنى) على الأرض دون تحديد أرض معينة، ولذلك فقد فهم المفسرون أن الأدنى هو الأقرب بسبب أنهم لم يتصوّروا أن هذه المعركة قد وقعت في أخفض منطقة على وجه اليابسة.
وهذه هي عظمة القرآن؛ أن المعجزة تبقى مختفية قرونًا طويلة على الرغم من المحاولات الكبيرة لفهمها، إلا أن اللَّه تعالى يُظهرها في الوقت المناسب لتبقى آيات اللَّه مستمرة وقائمة إلى يوم القيامة، ولو أن المفسرين استطاعوا تفسير القرآن كله إذن سوف تتوقف المعجزة، واللَّه تعالى قد تعهّد بأنه سيرينا آياته وينبغي علينا ألا ننكرها، يقول تعالى:{وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ} (غافر: 81).
ثالثًا: تأملتُ قوله تعالى عن المسجد الأقصى وهو مسجد يقع في مدينة القدس التي لا تبعد سوى عشرين كيلو مترًا عن منطقة البحر الميت حيث دارت المعركة؛ يقول تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} (الإسراء: 1)، وبدأت التساؤلات: كيف يصِف اللَّه تعالى منطقة البحر الميت بأنها (أقرب الأرض)، ثم يعود ويصِف المسجد الموجود هناك بأنه (المسجد الأقصى) أي: الأبعد؟ !
ثم تأملتُ في الخرائط الجغرافية فوجدتُ بأن المنطقة التي وقعت فيها المعركة وهي التي
سماها القرآن بـ (أدنى الأرض) تبعد عن مكة أكثر من ألف ومئتي كيلو مترًا، فكيف تكون هذه الأرض هي (الأقرب) وهي تقع على هذه المسافة الكبيرة؟ وكيف يكون المسجد الأقصى هو (الأبعد) وهو يقع على نفس المسافة من مكة المكرمة حيث نزلت هذه الآيات؟
ثم تساءلتُ: لو أن اللَّه تعالى يقصد كلمة (أقرب) فلماذا لم يستخدم هذه الكلمة؟
إذن كلمة (أدنى) هي المقصودة، وهي الكلمة التي تعطي المعنى الدقيق والمطلوب، وهذا ما سنراه يقينًا.
رابعًا: معاني متعددة للكلمة:
نعلم أن اللَّه تعالى قد خلق سبع سماوات طباقًا، وسمى السماء السفلى أي: أخفض سماء سمَّاها (السماء الدنيا)؛ فقال: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)} (فصلت: 12) وهنا كلمة (الدنيا) جاءت بمعنى: الأقرب من الأرض، ولكن تتضمن معنى آخر وهو الطبقة السفلى بين طبقات السماء السبعة؛ وسُمِّيت بالدنيا لدنوِّها من الأرض.
ويقول أيضًا: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (السجدة: 21)، ويفسر المفسرون كلمة (الأدنى) هنا بمصائب الدنيا وأمراضها، وهنا لا يمكن أن تكون (الأدنى) بمعنى: الأقرب بل (الأصغر)؛ لأن اللَّه تعالى يقارن في هذه الآية بين نوعين من أنواع العذاب:
1 -
(الْعَذَابِ الْأَدْنَى)
2 -
(الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ)
إذن في هذه الآية نحن أمام مقياسين هما: (الأدنى) و (الأكبر)؛ أي: الأصغر والأكبر، كما نعبر عنه في مصطلحاتنا اليوم بالحدِّ الأدنى والحد الأعلى؛ ونقصد الأصغر والأكبر.
يقول تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (المجادلة: 7)، وهنا جاءت كلمة (أدنى) بمعنى: أقلَّ؛