الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمثلته في القرآن قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا} ، وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا} ، وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ} (الأنفال: 20)، ونظيره من كلام العرب قول نابغة ذبيان:
وَقَدْ أَرَانِي وَنُعْمًا لَاهِيَيْنِ بها
…
وَالدَّهْرُ والعَيْشُ لَمْ يَهْمُمْ بِإِمْرارِ. (1)
الوجه الثاني: هناك حذف في الآية، والحذف من الإيجاز والبلاغة
.
وقوله: {أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} ولم يقل: يرضوهما؛ لأن المعنى يدل عليه فحذف تخفيفًا، والمعنى: واللَّه أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه.
قال الفراء: وإن شئت أردت: يرضوهما فاكتفيت بواحد؛ كقوله:
نحن بما عندنا وأنت بما
…
عندك راضٍ والرأي مختلف
ولم يقل: راضون. (2)
قال الرضي: ويجوز: زيد وعمرو قام؛ على حذف الخبر من الأول اكتفاء بخبر الثاني، وكذا يجوز: زيد قام وعمرو على حذف الخبر من الثاني اكتفاء بخبر الأول أي: وعمرو كذلك، وفي الموضعين: ليس المبتدأ وحده عطفًا على المبتدأ إذ لو كان كذلك لقلت: قاما. (3)
وقد يكون في الكلام حذف؛ قال ابن عطية: مذهب سيبويه أنهما جملتان، حذفت الأولى لدلالة الثانية عليها، والتقدير عنده: واللَّه أحق أن يرضوه، ورسوله أحق أن يرضوه. (4)
إذا دار الأمر بين كون المحذوف أولًا أو ثانيًا فكونه ثانيًا أولى، ومن ثم رجح أن
(1) البيت في ديوانه ص 31. وانظر: دفع إيهام الاضطراب للشنقيطي 238؛ سورة الجمعة، زاد المسير لابن الجوزي 3/ 429.
(2)
معاني القرآن للفراء 1/ 445.
(3)
شرح رضي الدين الأستراباذي على كافية ابن الحاجب 2/ 351.
(4)
إعراب القرآن لابن سيده 5/ 290، وانظر المحرر الوجيز لابن عطية 3/ 53.
المحذوف في نحو: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} أن المحذوف خبر الثاني لا الأول.
قال سيبويه: فوضع في موضع الخبر لفظ الواحد؛ لأنه قد علم أن المخاطب سيستدل به على أن الآخرين في هذه الصفة. (1)
وكان الوجه أن يجيء: يرضوهما، ولكنه أفرد على تقدير: واللَّه أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه، فحذف الخبر من الأول لدلالة الثاني عليه، وهو أولى من أن يجعل المحذوف خبر الثاني لما فيه من التفريق بين المبتدأ وخبره، ولأن في ذلك التقدير جعل الخبر للأقرب إليه.
وإضمار الخبر على أنواع: منها أن يضمر الخبر لتقدم ذكره؛ كقوله: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} ، والتقدير: واللَّه أحق أن ترضوه ورسوله أحق أن يرضوه، وقوله:{أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (التوبة: 3)، أي: ورسوله برئ من المشركين. (2)
قال ابن عاشور: أفرد الضمير في قوله: (أَن يُرْضُوهُ) مع أن المعاد اثنان لأنه أريد عود الضمير إلى أول الاسمين، واعتبار العطف من عطف الجمل بتقدير: واللَّه أحق أن يرضوه ورسوله كذلك، فيكون الكلام جملتين ثانيتهما كالاحتراس، وحذف الخبر إيجاز، ومن نكتة ذلك الإشارة إلى التفرقة بين الإرضاءين. (3)
(1) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 2/ 162، وانظر: الكتاب 1/ 74.
(2)
إعراب القرآن المنسوب للزجاج ص 68. قال تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}.
استغنى بذكر خبر الأول عن ذكر خبر الثاني لعلم المخاطب أن الثاني قد دخل في ذلك، قال ضابئ البرجمي:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله
…
فإني وقيارًا بها لغريب
فاستغنى بذكر خبر الآخر عن ذكر خبر الأول، وقال الفرزدق:
إني ضمنت لمن أتاني ما جنى
…
وأبي فكنت وكان غير غدور
فاستغنى بخبر الثاني عن الأول والشواهد على هذا النحو كثيرة؛ الإنصاف في مسائل الخلاف للأنباري 1/ 95 وما بعدها.
(3)
التحرير والتنوير لابن عاشور 10/ 245.