الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعًا:
أن المراد: ودوا لو تسوى بهم الأرض وأنهم لم يكونوا كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم؛ عن عطاء.
خامسًا:
أن الآية على ظاهرها، فالمراد: ولا يكتمون اللَّه شيئًا لأنهم ملجؤون إلى ترك القبائح والكذب، وقولهم:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} عند أنفسنا لأنهم كانوا يظنون في الدنيا أن ذلك ليس بشرك من حيث تقربهم إلى اللَّه؛ عن البلخي.
وفي قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} يعني: يوم القيامة بين سبحانه أنه يبعث فيه من كل أمة شهيدًا وهم الأنبياء والعدول من كل عصر يشهدون على الناس بأعمالهم.
وفائدة بعث الشهداء مع علم اللَّه سبحانه بذلك أن ذلك أهول في النفس، وأعظم في تصور الحال، وأشد في الفضيحة إذا قامت الشهادة بحضرة الملأ مع جلالة الشهود وعدالتهم عند اللَّه تعالى، ولأنهم إذا علموا أن العدول عند اللَّه يشهدون عليهم بين يدي الخلائق فإن ذلك يكون زجرًا لهم عن المعاصي، وتقديره: واذكر يوم نبعث.
{ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أي: لا يؤذن لهم في الكلام والاعتذار، أو لا يؤذن لهم في الرجوع إلى الدنيا، أو لا يسمع منهم العذر، يقال: أذنت له أي: استمعت، {وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي: لا يسترضون ولا يستصلحون، لأن الآخرة ليست بدار تكليف، ومعناه: لا يسألون أن يرضوا اللَّه بالكف عن معصية يرتكبونها.
وفي قوله سبحانه: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أي: من أمثالهم من البشر، ويجوز أن يكون ذلك الشهيد نبيهم الذي أرسل إليهم، ويجوز أن يكون المؤمنون العارفون يشهدون عليهم بما فعلوه من المعاصي؛ وفي هذا دلالة على أن كل عصر لا يجوز أن يخلو ممن يكون قوله حجة على أهل عصره، وهو عدل عند اللَّه تعالى، {وَجِئْنَا بِكَ} يا محمد {شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ} يريد على قومك وأمتك.
وفي قوله تعالى: {كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} معناه: أن السمع يسأل عما سمع، والبصر عما رأى، والقلب عما عزم عليه، والمراد أن أصحابها هم المسؤولون؛ ولذلك قال:
{كُلُّ أُولَئِكَ} وقيل: بل المعنى: كل أولئك الجوارح يسأل عما فعل بها، قال الوالبي عن ابن عباس: يسأل العباد فيما استعملوها.
وفي قوله عز وجل: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)} : بين سبحانه أن ذلك العذاب يكون في يوم تشهد ألسنتهم فيه عليهم بالقذف، وسائر أعضائهم بمعاصيهم، وفي كيفية شهادة الجوارح أقوال:
أحدها: أن اللَّه يبنيها ببنيه يمكنها النطق والكلام من جهتها فتكون ناطقة.
والثاني: أن اللَّه تعالى يفعل فيها كلامًا يتضمن الشهادة فيكون المتكلم هو اللَّه تعالى دون الجوارح، وأضيف إليها الكلام على التوسع لأنها محل الكلام.
والثالث: أن اللَّه تعالى يجعل فيها علامة تقوم مقام النطق بالشهادة، ويظهر فيها أمارات دالة على كون أصحابها مستحقين للنار، فسمي ذلك شهادة مجازًا، كما يقال: عيناك تشهدان بسهرك.
وأما شهادة الأنس فبأن يشهدوا بألسنتهم إذا رأوا أنه لا ينفعهم الجحود.
وأما قوله: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} فإنه يجوز أن يخرج الألسنة ويختم على الأفواه، ويجوز أن يكون الختم على الأفواه في حال شهادة الأيدي والأرجل، {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} أي: يتمم اللَّه لهم جزاءهم الحق، فالدين بمعنى الجزاء، ويجوز أن يكون المراد جزاء دينهم الحق. وفي قوله:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} : هذا حقيقة الختم فيوضع على أفواه الكفار يوم القيامة فلا يقدرون على الكلام والنطق.
وفي قوله تعالى: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} : أي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ولا يتفرقوا {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا} أى: جاؤوا النار التي حشروا إليها {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ} بما قرعه من الدعاء إلى الحق فأعرضوا عنه {وَأَبْصَارُهُمْ} بما رأوا من الآيات الدالة على وحدانية اللَّه فلم يؤمنوا، وسائر {جُلُودُهُمْ} بما باشروه من المعاصي والأعمال القبيحة.