الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19 - شبهة: توضيح الواضح
.
نص الشبهة:
جاء في سورة البقرة: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (البقرة: 196)، فلماذا لم يقل: تلك عشرة مع حذف كلمة كاملة تلافيًا لإيضاح الواضح؟ فمن يظن العشرة تسعة؟ !
والرد من وجوه:
الوجه الأول: العرب تؤكد الشيء وقد فُرغ منه فتعيده بلفظِ غيره تفهيمًا وتوكيدًا
. (1)
وهو توكيد، كما تقول: كتبت بيدي، ومنه قول الشاعر (وهو الفرزدق):
ثلاث واثنتان فهن خمس
…
وسادسة تميل إلى شمامي
فقوله: (خمس) تأكيد، ومثله قول الآخر (وهو الأعشى):
ثلاث بالغداة فذاك حسبي
…
وست حين يدركني العشاء
فذلك تسعة في اليوم ربي
…
وشرب المرء فوق الري داء
وقوله: (كاملة) تأكيد آخر، فيه زيادة توصية بصيامها وألا ينقص من عددها، كما تقول لمن تأمره بأمر ذي بال: اللَّه اللَّه لا تقصر. (2)
وهذا كقول العرب: رأيت بعيني، وسمعت بأذني وكتبت بيدي، وقال اللَّه تعالى:{وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} (الأنعام: 38)، وقال:{وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} (العنكبوت: 48)، وقال:{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} (الأعراف: 142). (3)
الوجه الثاني: قد تأتي الواو بمعنى أو في لغة العرب
.
وقد تخرج (الواو) عن إفادة (مطلق الجمع) فتأتي بمعنى: (أو)، وذلك على ثلاثة
(1) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1/ 70.
(2)
تفسير القرطبي 2/ 395.
(3)
تفسير ابن كثير 1/ 400.
أقسام:
أحدها: أن تكون بمعنى: (أو) في التقسيم: وأجاز بعضهم أن تكون الواو في قولهم: الكلمة اسم وفعل وحرف بمعنى: أو، لأنه قد يقال: اسم أو فعل أو حرف. . قال ابن مالك: استعمال الواو فيما هو تقسيم أجود من استعمال أو (1).
نحو قول عمرو بن براقة:
وننصر مولانا ونعلم أنه
…
كما الناس مجرومٌ، عليه، وجارمِ (2)
(فالواو) في الشطر الثاني بمعنى: (أو).
وكقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} .
وعليه ففي الآية جاءت كلمة كاملة حتى لا يظن أن الواو بمعنى (أو).
الثاني: أن كون (الواو) بمعنى: (أو) في إفادة الإباحة، وعلى ذلك الزمخشري، وزعم أنه يقال: جالس الحسن وابن سيرين أي: جالس أحدهما، وأنه لهذا قيل:{تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (البقرة: 196)، بعد ذكر ثلاثة وسبعة لئلا يتوهم إرادة الإباحة (3).
الثالث: أن كون (الواو) بمعنى: (أو) في إفادة التخيير، واستدلوا بقول كُثِّير عزة:
وقالوا: نأت فاختر لها الصبر والبكا
…
فقلت: البكا أشفى إذن لغليلي. (4)
أي: فاختر لها الصبر أو البكاء أي أحدَهما، إذ لا يجتمع البكاء مع الصبر. (5)
(1) الجنى الداني في حروف المعاني لابن أُمّ قَاسِم المرادي 166، وذهب ابن هشام إلى أن الواو جاءت على أصلها لمطلق الجمع.
(2)
مغني اللبيب 68، 193، 346 وشرح شواهده 500 وشرح القصائد السبع 264.
(3)
الكشاف للزمخشري 1/ 405. وهو يريد من الإباحة أنها للتخيير الذي يجوز معه الجمع ولا يتعين.
(4)
الديوان 180، شرح البغدادي 6/ 104.
(5)
مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري 4/ 369 - 371. وكذلك بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي 5/ 148.