الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وطعن بعضهم من جهة أخرى فقال: زعمتم أنّ اللَّه تبارك وتعالى قال: {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} وقال على سَنَنِ الكلام: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} ، قال: فكيف تكون الخطفة من المكان الممنوع؟
قيل له: ليس بممنوعٍ من الخطفة؛ إذ كان لا محالة مرمِيًّا بالشِّهاب، ومقْتُولًا، على أنّه لو كان سلِمَ بالخطْفة لما كان استفاد شيئًا للتكاذيب والرِّياسة، وليس كلُّ من كذب على اللَّه وادَّعى النبوَّة كان على اللَّه تعالى أنْ يُظهر تكذيبه؛ بِأن يخسِفَ به الأرْض، أو ينطِقَ بتكذيبه في تلك السَّاعة، وإذا وجبت في العُقول السّليمة إلا يصدق في الأخبار لم يكن معه بُرهان، فكفي بذلك.
ولو كان ذلك لكانَ جائزًا، ولكنَّه ليس بالواجب، وعلى أنَّ ناسًا من النحويِّين لم يُدخلوا قوله تعالى:{إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} في الاستثناء، وقال: إنّما هو كقوله:
إلا كخارجة المكلّفِ نفسَه
…
وابنَي قبيصة أن أغيبَ ويشْهدَا
وقوله أيضًا:
إلا كناشرة الذي كَلّفتمُ
…
كالغُصنِ في غلوائه المتَنبّتِ
قلت: يقصد الجاحظ أن الذي يصيب بدن الشيطان هو أثر حرارة النار الناتجة عن احتكاك الجرم السماوي بالغلاف الجوي للأرض، ونراه على صورة ضياء لا عين الجرم الموجود في مركزه.
الوجه الثاني: عالم الشياطين غيب، فلا يجوز قياس الغيب بأدوات البحث العلمي المستخدمة للمحسوسات
.
أولًا: أقول لصاحب هذه الشبهة: أرني الشياطين أريك كيف يرجمها اللَّه بالنجوم؟ ! إن من يلقي تلك الشبهة هو غالبًا نصراني. . . أي: أنه يؤمن بالشياطين وبعالم الغيب، فكيف يطلب منا أن نشرح له شيئًا هو في علم الغيب؟ إنه يؤمن بأن هناك عالمًا كاملًا مختفيًا اسمه عالم الشياطين، ولا دليل علمي محسوس عليه، ولا يستطيع أكبر نصراني في العالم أن يرينا ولو دليل واحد عليه، فلماذا يسخر إذن من شيء هو في علم الغيب الذي عند اللَّه؟ قد أفهم
هذا السؤال من رجل ملحد، لا يؤمن بالغيب أصلًا، لكن كيف يجرؤ النصراني على قول هذا السؤال وهو يؤمن بأن هناك غيب وشياطين؟ !
ففي المعارف الكتابية:
يصور لنا العهد الجديد الشيطان بأنه شخصية خبيثة غير بشرية، ولكن الكثيرين لا يقبلون مفهوم وجود كائن اسمه الشيطان، وحجتهم في ذلك أن وجود شيطان حقيقي لا يمكن إثباته علميًا، ونحن نعترف أن الحقائق الروحية لا يمكن إثباتها بوسائل علمية طبيعية، وبناء عليه يمكن أيضًا رفض الإعلان الكتابي عن وجود اللَّه.
ثانيًا: إن اللَّه في هذه الآيات يخبرك بحقيقة غيبية لا بحقيقة علمية، والمتفحص في آيات اللَّه سيظهر له جليًا الفارق بين آية تتحدث عن حقيقة علمية وآية أخرى تتحدث عن حقيقة غيبية، فمثلًا عندما يقول اللَّه:{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)} ، لاحظ أن اللَّه سبحانه وتعالى جاء بفعل غيبي هنا. . . فالسجود هو للَّه سبحانه وتعالى، فإن طلب النصراني أن نريه كيف يسجد النجم والشجر للَّه، طلبنا منه أن يرينا اللَّه أصلًا فليست كل آية يجئ اللَّه فيها بشيء مادي محسوس هي آية إعجاز علمي، ويمكن لأي أحد معرفة ذلك بسهوله شديدة من ملاحظة مجرى الآية.
ثالثًا: آيات الإعجاز العلمي تلاحظ أنها تصف حقيقة واقعة لا تأتي بشيء غيبي. . . مثل قوله تعالى في سورة (يس: 40): {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)} ، هل هناك أي غيب في الآية؟ هل هناك ذكر لملائكة، أو شياطين، أو سجود للَّه تعالى، أو نار، أو جنة، أو يوم قيامة، أو ما إلى ذلك من علم الغيب؟ لا. . . إن الآية واضحة للغاية في أنها تورد حقيقة واقعة جاء العلم الحديث ليفاجئ بصحتها، بل يفاجئ بدقتها الشديدة أيضًا، فلا يوجد وصف أدق لحركة الكواكب والنجوم والشمس والقمر في الفضاء إلا بالسباحة في مسارات محددة لها توصف بالأفلاك.
وأيضًا كما في الآية الكريمة في سورة (الحج: 5): {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ