الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال محمد بن عبد العزيز المسند: فنعتقد أن اللَّه تعالى خلقها -أي: الحيوانات والطيور- وجعلها من آيات قدرته وكمال ربوبيته؛ فقال تعالى: {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} (البقرة: 164)، وقال تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} (هود: 6) أي: يعلم أماكنها وآجالها، وقال تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (الأنعام: 38)، وقال تعالى:{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} (لقمان: 10)(1).
الوجه الثامن عشر: معنى الآية: أن لكل من الحيوان والطير لغة يتصل بها بغيره كما أن لكم لغات وألسنة تتحدثون بها:
1 -
قال ابن عباس: أمثالكم في كون بعضها يفقه عن بعض (2).
فلذلك رُكبت الأفهام في المشركين ليتدبروا الحجج (3).
2 -
قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} (النمل: 18)، ويحكي اللَّهُ قولَ الهدهد لسليمان عليه السلام:{إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} (النمل: 23).
قال ابن الأنباري: وموضع الاحتجاج من هذه الآية أن اللَّه تعالى ركب في المشركين عقولًا، وجعل لهم أفهامًا ألزمهم بها أن يتدبروا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ويتمسكوا بطاعته كما جعل للطير أفهامًا يعرف بها بعضها إشارة بعض، وهدى الذَّكر منها لإتيان الأنثى وفي كل ذلك دليل على نفاذ قدرة المركب ذلك فيه (4).
3 -
قال عبد المحسن المطيري: فقد أصبح من المقطوع به الآن عند العلماء الذين
(1) فتاوى إسلامية 1/ 193.
(2)
زاد المسير 3/ 34؛ (الأنعام: 37).
(3)
تذكرة الأريب 1/ 158؛ (الأنعام: 37).
(4)
زاد المسير 3/ 43؛ (الأنعام: 38).
يدرسون سلوك أنواع الطير والحيوان والحشرات أن لكل منها لغة تقوم مقام اللغة المعهودة عند البشر في التعبير ونقل الأحاسيس والمعارف؛ على نحو ما ما تزال تفاصيله مجهولة من البشر، لكن المقطوع به من شواهد كثيرة جدًا أن لكل منها نوعًا من اللغة يتم به الاتصال بين أفراده، وقد سجَّل بعض العلماء تسجيلات صوتية لأنواع من الطيور في حالة الفزع نقلت إليهم -في غاية من الوضوح- هذه المشاعر والمعاني، وقد استخدم هذا تجريبيًا في زجر الطير لاقط الحب عن أماكن هذه الحبوب بإذاعة تسجيلات التحذير والفزع، والعلماء الآن يحاولون التعرف على منطق بعض الطير، فلم يعد يُشك الآن في أن كل نوع من الأحياء له لغة خاصة بأفراده، وهذا أمر واضح لكل من يراقب سلوك الطيور والحشرات، بل إن بعض العلماء يذهبون إلى أن أنواع النبات هي الأخرى تملك لغة واتصالًا فيما بينها، على نحو ما مما لا يتسع المجال لتقرير القول فيه، ولا يتطلبه.
فما العجب بعد هذا من أن تتكلم النملة، ويتكلم الهدهد بكلام يفهمه سليمان عليه السلام لأنه -كما ورد في القرآن الكريم- عُلَّم منطق الطير وأُوتي من كل شيء، أما أنهم تكلموا بكلام يدل على شيء من العقل فإن من يراقب سلوك الطير والحشرات، فسوف يدرك بغاية من الوضوح أن سلوكهم يجري على نظم من الوعي والتدبير والعمل من أجل غايات تهديهم إليها غرائزهم وفطرهم، وعلى المعاند في هذا أن يقرأ شيئًا عن سلوك الحشرات والطيور في كتب العلم التجريبي، وسوف يذهله ما يقرأ، وعليه أن يراقب العمل والنطام في (مملكة النحل) أو في (عالم النمل وقراه التي ينشئها). . وليس ذلك كله إلا مصدقًا لقوله تعالى:{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} (طه: 55)، وقوله:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} (الأنعام: 38)، وهو الذي تدل عليه بحق كافة مشاهدات