الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ. فَيَدْخُلُونَ، ثُمَّ أَقُولُ: أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ أَدْنَى شَيء (1).
الوجه الخامس: بيان معنى أدنى الأرض في العلوم الحديثة، وإنهاء الخلاف الذي حدث قديمًا لتحديد هذه المنطقة
.
أولًا: قال د/ زغلول النجار:
1 -
أكدت الدراسات الحديثة أن منطقة حوض البحر الميت بالإضافة إلى كونها أقرب الأراضي التي كان الروم يحتلونها إلى الجزيرة العربية - هي أيضًا أكثر أجزاء اليابسة انخفاضًا؛ حيث يصل منسوب سطح الأرض فيها إلى حوالي الأربعمائة متر تحت متوسط مستوى سطح البحر، وأن هذه المنطقة كانت من مناطق الصراع بين إمبراطوريتي الفرس والروم، وأن المعركة الحاسمة التي أظهرت جيوش الفرس على جيوش إمبراطورية روما الشرقية (الإمبراطورية البيزنطية) لا بد أنها وقعت في حوض البحر الميت، وأن الوصف بـ (أَدْنَى الأَرْضِ) هنا كما يعني أقربها للجزيرة العربية؛ يعني أيضًا أنها أكثر أجزاء اليابسة انخفاضًا، وهذه الإشارة القرآنية العابرة تعتبر من السبق العلمي في كتاب اللَّه؛ لأن أحدًا لم يكن يعلم هذه الحقيقة في زمن الوحي بالقرآن الكريم، ولا لقرون متطاولة من بعده.
2 -
ثبت علميًا بقياسات عديدة أن أكثر أجزاء اليابسة انخفاضًا هو غور البحر الميت، ويقع البحر الميت في أكثر أجزاء الغور انخفاضًا؛ حيث يصل مستوى منسوب سطحه إلى حوالي أربعمائة مترًا تحت مستوي سطح البحر، ويصل منسوب قاعه في أعمق أجزائه إلى قرابة الثمانمائة مترًا تحت مستوى سطح البحر، وهو بحيرة داخلية؛ بمعنى أن قاعها يعتبر في الحقيقة جزءًا من اليابسة، وغور البحر الميت هو جزء من خسف أرضي عظيم؛ يمتد من منطقة البحيرات في شرقي إفريقيا إلى بحيرة طبريا، فالحدود الجنوبية لتركيا مرورًا بالبحر الأحمر وخليج العقبة، ويرتبط بالخسف العميق في قاع كل من: المحيط الهندي، وبحر العرب، وخليج عدن، ويبلغ طول أغوار وادي عربة -البحر الميت- الأردن حوالي الستمائة كيلومترًا، ممتدة من خليج العقبة في الجنوب إلى بحيرة طبريا في الشمال، ويتراوح
(1) البخاري (7509).
عرضها بين العشرة والعشرين كيلومترًا.
ويعتبر منسوب سطح الأرض فيها أكثر أجزاء اليابسة انخفاضًا حيث يصل منسوب سطح الماء في البحر الميت إلى (402) مترًا تحت المستوى المتوسط لمنسوب المياه في البحرين المجاورين: الأحمر والأبيض المتوسط، وهو أخفض منسوب أرضي على سطح اليابسة كما يتضح من الأرقام التالية:
- منسوب سطح الأرض في وادي عربة = (355 - 400) مترًا تحت مستوى سطح البحر.
- منسوب أعمق نقاط قاع البحر الميت = (794) مترًا تحت مستوى سطح البحر.
- منسوب سطح الماء في البحر الميت = (402) مترًا تحت مستوى سطح البحر.
- مستوى سطح الأرض في غور الأردن = (212 - 400) مترًا تحت مستوى سطح البحر.
- منسوب سطح الماء في بحيرة طبريا = 209 م تحت مستوى سطح البحر.
- منسوب قاع بحيرة طبريا = 252 م تحت مستوى سطح البحر.
- منسوب سطح الأرض في قاع منخفض القطارة في شمال صحراء مصر الغربية = (133) مترًا تحت مستوى سطح البحر.
- منسوب سطح الأرض في قاع وادي الموت كاليفورنيا = (86) مترًا تحت مستوى سطح البحر.
- منسوب سطح الأرض في قاع منخفض الفيوم مصر = (45) مترًا تحت مستوى سطح البحر.
ويتراوح عمق الماء في الحوض الجنوبي من البحر الميت بين الستة والعشرة أمتار، وهو بذلك في طريقه إلى الجفاف، ويعتقد أنه كان جافًا إلى عهد غير بعيد من تاريخه، وكان عامرًا بالسكان، وأن منطقة الأغوار كلها من وادي عربة في الجنوب إلى بحيرة طبريا في الشمال كانت كذلك عامرة بالسكان منذ القدم حيث عرف البحر الميت في الكتابات التاريخية القديمة، ووصف بأسماء عديدة من مثل: بحر سدوم، بحيرة لوط، بحيرة زغر، البحر النتن، بحر
عربة، بحر الأسفلت، والبحر الميت؛ وذلك لأن المنطقة اشتهرت بخصوبة تربتها، ووفرة مياهها فعمرتها القبائل العربية منذ القدم، واندفعت إليها من كل من: العراق، والجزيرة العربية، وبلاد الشام، ومنهم قوم لوط عليه السلام الذين عمروا خمس مدن في أرض الحوض الجنوبي من البحر الميت هي: سدوم، وعمورة، وأدمة، وصوبييم، وزغر، وقد ازدهرت فيها الحياة إلى أواخر القرن العشرين قبل الميلاد، ودمرت بالكامل في عقاب إلهي أنزل بها، وجاء خبر عقابها في القرآن الكريم بقول الحق تبارك وتعالى:{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} (هود: 82).
والأرض في حوض البحر الميت -بصفة عامة- وفي الجزء الجنوبي منه بصفة خاصة والتي تعرف باسم الأرض المقلوبة تتميز بالحرارة الشديدة، وبتفجر كل من العيون المائية، والأبخرة الكبريتية الحارة فيها، وبتناثر كتل الأسفلت التي كثيرًا ما كانت تطفو على سطح مياه البحر الميت إلى عهد غير بعيد، وقرى قوم لوط التي كانت تشغل أرض الحوض الجنوبي من البحر الميت، والتي دمرت بالكامل بأمر من ربنا تبارك وتعالى لا علاقة لها بالحركات الأرضية التي شكلت تلك الأغوار من قبل حوالي 25 مليون سنة مضت، ولكن بعد تدميرها بالعقاب الإلهي دخلت المنطقة برحمة من اللَّه -تعالى- في دورة مطيرة غسلت مياهها ذنوب الآثمين من قوم لوط، وغمرت منطقة قراهم لتحولها إلى الحوض الجنوبي من البحر الميت، والذي يتجه اليوم إلى الجفاف مرة أخرى ليصير أرضًا يابسة.
3 -
وخلاصة القول: إن منطقة أغوار وادي عربة -البحر الميت- الأردن تحوي أخفض أجزاء اليابسة على الإطلاق، والمنطقة كانت محتلة من قبل الروم البيزنطيين في عصر البعثة النبوية الخاتمة، وكانت هذه الإمبراطورية الرومانية يقابلها ويحدها من الشرق الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وكان الصراع بين هاتين الإمبراطوريتين الكبيرتين في هذا الزمن على أشده، ولا بد أن كثيرًا من معاركهما الحاسمة قد وقعت في أرض الأغوار، وهي أخفض أجزاء اليابسة على الإطلاق، ووصف القرآن الكريم لأرض تلك المعركة
الفاصلة التي تغلب فيها الفرس على الروم - في أول الأمر بـ (أدنى الأرض) وصف معجز للغاية؛ لأن أحدًا من الناس لم يكن يدرك تلك الحقيقة في زمن الوحي ولا لقرون متطاولة من بعده، وورودها بهذا الوضوح في مطلع سورة الروم يضيف بعدًا آخر إلى الإعجاز التنبؤي في الآيات الأربع التي استهلت بها تلك السورة المباركة ألا وهو الإعجاز العلمي، فبالإضافة إلى ما جاء بتلك الآيات من إعجاز تنبؤي شمل الإخبار بالغيب، وحدد لوقوعه بضع سنين، فوقع كما وصفته وكما حددت له زمنه تلك الآيات؛ فكانت من دلائل النبوة، فإن وصف أرض المعركة بالتعبير القرآني أدنى الأرض يضيف إعجازًا علميًا جديدًا يؤكد أن القرآن الكريم هو كلام اللَّه الخالق، وأن النبي الخاتم الذي تلقاه كان موصولًا بالوحي، ومعلمًا من قبل خالق السماوات والأرض.
وكما كانت هذه الآيات الكريمة من دلائل النبوة في زمن الوحي لإخبارها بالغيب فيتحقق؛ فهي لا تزال من دلائل النبوة في زماننا بالتأكيد على أن المعركة الفاصلة قد تمت في أخفض أجزاء اليابسة على الإطلاق؛ وهي أغوار البحر الميت وما حولها من أغوار، ويأتي العلم التجريبي ليؤكد تلك الحقيقة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
4 -
وعلى كُتَّاب التاريخ الذين تأرجحوا في وضع المعركة الفاصلة في هزيمة الروم على أرض القسطنطينية، أو على الأرض بين مدينتي أذرعات وبصرى من أرض الشام، أو على أرض أنطاكية، أو على أرض دمشق، أو أرض بيت المقدس، أو أرض مصر (الإسكندرية) - أن يعيدوا النظر في استنتاجاتهم؛ لأن القرآن الكريم يقرر أن هزيمة الروم على أيدي الفرس كانت على الأرض الواقعة بين شرقي الأردن وفلسطين وهي أغوار وادي عربة -البحر الميت- الأردن التي أثبت العلم أنها أكثر أجزاء اليابسة انخفاضًا، والتي ينطبق عليها الوصف القرآني بأدنى الأرض انطباقًا تامًا ودقيقًا.
وعلى الذين قالوا: إن معنى أدنى الأرض هو أقرب الأرض من بلاد فارس، أو من بلاد العرب، أو هي أطراف بلاد الشام، أو بلاد الشام، أو إنطاكية، أو دمشق، أو بيت