الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (الزخرف: 32).
قال سيد قطب: إن الناس ليسوا وحدهم في هذا الكون حتى يكون وجودهم مصادفة، وحتى تكون حياتهم سدى؛ إن حولهم أحياء أخرى كلها ذات أمر منتظم يوحي بالقصد والتدبير والحكمة، ويوحي كذلك بوحدة الخالق، ووحدة التدبير الذي يأخذ به خلقه كله. إنه ما من دابة تدب على الأرض -وهذا يشمل كل الأحياء من حشرات، وهوام، وزواحف، وفقاريات- وما من طائر يطير بجناحيه في الهواء -وهذا يشمل كل طائر من طير أو حشرة غير ذلك من الكائنات الطائرة- ما من خلق حي في هذه الأرض كلها إلا وهو ينتظم في أمة ذات خصائص واحدة، وذات طريقة في الحياة واحدة كذلك؛ شأنها في هذا شأن أمة الناس، ما ترك اللَّه شيئًا من خلقه بدون تدبير يشمله، وعلم يحصيه، وفي النهاية تحشر الخلائق إلى ربها فيقضي في أمرها بما يشاء. إن هذه الآية القصيرة -فوق تقريرها الحاسم في حقيقة الحياة والأحياء- لتهز القلب بما ترسم من آفاق الإشراف الشامل، والتدبير الواسع، والعلم المحيط، والقدرة القادرة للَّه ذي الجلال (1).
الوجه الثالث عشر: الآية تشير إلى علم الأحياء، وأن هناك علاقة بين الكائنات الحية لا يمكن أن ينكرها عاقل
.
عن مجاهد في قوله: {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} قال: أصنافًا مصنفة تعرف بأسمائها (2).
قال الواحدي: {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} أصناف مصنفة تعرف بأسمائها فكل جنس من البهائم أمة كالطير، والظباء، والذباب، والأسود، وكل صنف من الحيوان أمة مثل بني آدم يعرفون بالإنس (3).
قال ابن حزم: بضرورة العقل والحس علمنا أن كلَّ واقعين تحت جنس فإن ذلك
(1) تفسير الظلال 3/ 21.
(2)
الوجيز 1/ 352؛ (الأنعام: 38).
(3)
المصدر السابق.
الجنس يعطيهما اسمه وحده عطاءً مستويًا، فلما كان جنس الحي يجمعنا مع سائر الحيوان استوينا معها كلها استواء لا تفاضل فيه فيما اقتضاه اسم الحياة من الحس والحركة الإرادية، وهذان المعنيان هما الحياة لا حياة غيرهما أصلًا، وعلمنا ذلك بالمشاهدة؛ لأننا رأينا الحيوان يألم بالضرب والنخس، ويحدث لهما من الصوت والقلق ما يحقق ألمًا كما نفعل نحن ولا فرق؛ ولذلك لما شاركنا والحيوان جميع الشجر والنبات في النماء استوى جميع الحيوان فيما اقتضاه اسم النمو من طلب الغذاء واستمالته في المتغذى به إلى نوعه، ومن طلب بقاء النوع مع جميع الشجر والنبات استواءً واحدًا لا تفاضل فيه، ولما شاركنا جميع الحيوان، والشجر، والنبات، وسائر الجمادات في أن كل ذلك أجسام طويلة عريضة عميقة جميع الأجرام استوى كل ذلك فيما اقتضاه له اسم الجسمية في ذلك استواء لا تفاضل فيه، ولم يدخل ما لم يشارك شيئًا مما ذكرنا في الصفة التي انفرد بها عنه هذا كله يعلمه ضرورة من وقف عليه ممن له حس سليم (1).
قال د/ علي بن حسن علي القرني:
يشير القرآن إلى حقيقة تتعلق بعلم الأحياء أو ما يعرف بالتاريخ الطبيعي، وذلك الذي يقرر اشتمال الحيوانات على الأجهزة العضوية الموجودة في الإنسان من مثل الجهاز العصبي والجهاز التنفسي (2).
فكل عاقل الآن يعلم أن هناك عناصر كيميائية مشتركة بين الكائنات ولكن تختلف نسبتها، بل وهناك تشابه في بعض العمليات الحيوية، ويتضح ذلك من خلال مسألة نقل الأعضاء من حيوان لإنسان، ومسألة التركيب العضوي لمخ الإنسان ومخ القرد، ولنتساءل عن نظرية (داروون) وافتخار البعض بها، مع أن (داروون) قالها صراحة: إن الإنسان كان قردًا ثم تطور! فلماذا لم ينكر هؤلاء عليه؟ !
(1)(الفصل في الملل 1/ 69 - الكلام على من قال أن في البهائم رسلا).
(2)
(المجلة جامعة أم القرى (العدد 21 - موضوع: من مفاهيم ثقافتنا الإسلامية).