الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
13 - شبهة: أتى باسم الفاعل بدلًا من المصدر
(1)
نص الشبهة:
جاء في سورة البقرة الآية 177: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} والصواب -زعموا- أن يُقال: ولكن البرَّ أن تؤمنوا؛ لأن البر هو الإيمان لا المؤمن.
والرد من وجوه:
الوجه الأول: هناك حذف في الآية، ومن البلاغةِ الإيجازُ بالحذف
.
تبعًا للقاعدة النحوية التي لا تجيز أن يُخبر عن اسم (جثة) بفعل (حدث أو معنى)(2) فإن العلماء من اللغويين والنحاة والمفسرين قدَّروا محذوفًا؛ إما في الأول: ولكن ذا البرّ مَنْ. . .، أو في الثاني: ولكن البرَّ برُّ مَنْ. . .، وحذف المضاف شائع في اللغة.
قال ابن مالك:
وما يلي المضاف يأتي خلفا
…
عنه في الإعراب إذا ما حذفا
والمعنى: يحذف المضاف لقيام قرينة تدل عليه ويقام المضاف إليه مقامه فيعرب بإعرابه. (3)
قال ابن جني: قول اللَّه سبحانه: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} أي: برُّ من اتقى، وإن شئت كان تقديره: ولكن ذا البر من اتقى، والأَول أَجود؛ لأَن حذف المضاف ضَرْبٌ من
(1) ليس في هذا الآية اسم فاعل على الإطلاق؛ فلا البر اسم فاعل، ولا مَنْ اسم فاعل، ولا آمن اسم فاعل، ولا لفظ الجلالة اللَّه اسم فاعل، ويمكن أن نطلق على هذه الشبهة: الإتيان بالموصول بدل المصدر، وللعلماء في توجيه وقوع من آمن خبرًا عن البر -وهو ظاهرًا خلافُ الأصل- عدةُ توجيهات، لأن البر معنًى ذهنيٌّ ومن آمن ذات، والذوات لا يخبر بها عن المعاني الذهنية.
(2)
قال ابن مالك: ولا يكون اسم زمان خبرا
…
عن جثة وإن يُفِدْ فأخبرا
والمبتدأ على ضربين: جثة وحدث؛ فالجثة: ما كان عبارة عن شخص نحو: زيد وعمرو، والحدث: هو المصدر نحو: القيام والقعود. الإخبار بالظرف؛ اللمع في العربية لابن جني 1/ 28.
(3)
شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 2/ 72.
الاتساع، والخبر أَولى من المبتدأ؛ لأَن الاتساع بالأَعجاز أَولى منه بالصدور. (1)
{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} البرُّ معنًى من المعاني؛ فلا يكون خبره الذوات إلَّا مجازًا، فإمّا أن يُجعل البرُّ هو نفس من امن على طريق المبالغة؛ قاله أبو عبيدة، والمعنى: ولكنّ البارَّ، وإمّا أن يكون على حذف من الأول؛ أي: ولكنّ ذا البر؛ قاله الزجاج، أو من الثاني أي: برُّ من آمن؛ قاله قطرب، وعلى هذا خرَّجه سيبويه؛ قال في كتابه: وإنما هو: ولكن البرَّ برُّ من آمن باللَّه.
وإنما اختار هذا سيبويه لأن السابق إنما هو نفي كون البر هو تولية الوجه قِبلَ المشرقِ والمغرِب، فالذي يستدرك إنما هو من جنس ما ينفى، ونظير ذلك: ليس الكرم أن تبذل درهمًا ولكنَّ الكرم بذل الآلاف، فلا يناسب: ولكنّ الكريم من يبذل الآلاف إلَّا إن كان قبله: ليس الكريم بباذل درهم.
وقال المبرد: لو كنت ممن يقرأ القرآن لقرأت: ولكن البَرَّ -بفتح الباء-، وإنما قال ذلك لأنه يكون اسم فاعل، تقول: بررت أبرّ فأنا بَرّ وبارّ، قيل: فبنى تارة على فَعْلٍ نحو: كهل وصعب، وتارة على فاعل، والأولى ادِّعاء حذف الألف من (البرّ)، ومثله: سرٌّ، وقرّ، ورَبّ؛ أي: سارٌّ، وقارّ، وبارّ، ورابّ. (2)
وهذا مثل قوله تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ} (آل عمران: 163) أي: ذوو درجات. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وفرضت الفرائض وصرفت القبلة إلى الكعبة وحدت الحدود - أنزل اللَّه هذه الآيةَ، فقال: ليس البر كله أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك، ولكن البر -أي: ذا البر- من آمن باللَّه، إلى آخرها؛ قاله ابنُ عباس، ومجاهد، والضحاك، وعطاء، وسفيان، والزجاج أيضًا. (3)
(1) الخصائص 2/ 362.
(2)
البحر المحيط لأبي حيان 2/ 4.
(3)
تفسير القرطبي 2/ 243.