الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذين الشيئين، فعندما يأتي اللَّه ويقول:{وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} أي أنه ينفى كلية أن النهار يسبق الليل، أو أن الليل يسبق النهار؛ حيث إنهما لا يسبق أحدهما الآخر منذ متى؟ منذ بداية خلق الأرض، أو منذ خلق اللَّه الأرض، ولا يتأتى هذا في عالم الأحجام أبدًا إلا إذا كانت الأرض مكورة. فحين خلق اللَّه الشمس والأرض وجد الليل والنهار معًا، فنصف الأرض المواجهة للشمس صار نهارًا، والنصف الآخر صار ليلًا، ثم دارت الأرض، فأصبح الليل نهارًا، والنهار ليلًا وهكذا، إذن فالآية الكريمة {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} تعطيني أن الأرض مخلوقة على هذه الصورة الكروية (1).
الوجه السابع: قوله تعالى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} يفيد كروية الأرض
.
قال ابن تيمية: قَالُوا: و (التَّكْوِيرُ) التَّدْوِيرُ، يُقَالُ: كَوَّرْت الْعِمَامَةَ وَكَوَّرْتهَا إذَا دَوَّرْتهَا، وَيُقَالُ: لِلْمُسْتَدِيرِ كَارَةٌ، وَأَصْلُهُ (كورة) تحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا، وَيُقَالُ أَيْضًا:(كُرَةٌ)، وَأَصْلُهُ كُورَةٌ؛ وَإِنَّمَا حُذِفَتْ عَيْنُ الْكَلِمَةِ كَمَا قِيلَ فِي: ثُبَةٍ، وَقُلَةٍ.
وَاللَّيْلُ، وَالنَّهَارُ، وَسَائِرُ أَحْوَالِ الزَّمَانِ تَابِعَةٌ لِلْحَرَكَةِ؛ فَإِنَّ الزَّمَانَ مِقْدَارُ الحَرَكَةِ، وَالْحَرَكَةُ قَائِمَةٌ بِالجِسْمِ المُتَحَرِّكِ، فَإِذَا كَانَ الزَّمَانُ التَّابعُ لِلْحَرَكَةِ التَّابِعَةِ لِلْجِسْمِ مَوْصُوفًا بِالاسْتِدَارَةِ كَانَ الْجِسْمُ أَوْلَى بِالِاسْتِدَارَةِ.
وَقَالَ تعالى: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} (الملك: 3) وَلَيْسَ فِي السَّمَاءِ إلا أَجْسَامُ مَا هُوَ مُتَشَابِهٌ (يقصد كروي الشكل كالنجوم والكواكب) أَمَّا التَّثْلِيثُ، وَالتَّرْبِيعُ، وَالتَّخْمِيسُ، والتَّسْدِيسُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ؛ فَفِيهَا تَفَاوُتٌ وَاخْتِلافٌ بِالزَّوَايَا وَالأَضْلاعِ لا خِلافَ فِيهِ ولا تَفَاوُتَ (2).
قال ابن حزم: وهذا أوضح بيان في تكوير بعضها على بعض مأخوذ من كور العمامة
(1) في كتابه معجزة القرآن (1/ 48، 49).
(2)
في مجموع الفتاوى (6/ 587) وما بعدها.
وهو إدارتها وهذا نص على تكوير الأرض (1).
قال يوسف الحاج أحمد: فإن اللَّه يكور الليل على النهار فيخفيه، ويكور النهار على الليل فيخفيه، وبين تكورهما على بعضهما نرى جرمًا كرويًا يتدحرج بينهما فيجمعهما يكوران على بعضهما، هذا الجرم هو الأرض، لنتصور أننا في منطقة النهار، وبعد ساعات سيغشى الليل هذه المنطقة، لكنه لا يغشاها بشكل عادي بل يكور تكويرًا، أي: ينحني بشكل كروي، ومن البديهي أن المنطقة يجب أن تكون كروية ليمكن فهم الكلام.
كانت الإنسانية تجهل هذا إلا بعض الخرافات التي كانت سائدة! فكيف عرفه محمد صلى الله عليه وسلم وأقره؟ !
تبين الآية الكريمة أن الليل والنهار خُلقا على هيئة التكوير، وبما أن الليل والنهار وَجَدَا على سطح الأرض معًا، فلا يمكن أن يكونا على هيئة التكوير، إلا إذا كانت الأرض نفسها كروية، فلو أن البقعة التي يغطيها النهار لا تساوي في المساحة القطعة التي يغطيها الليل لما شكلا معًا شكل كرة؛ بل الشرط الرفيع الفاصل بينهما سيكون على شكل هندسي آخر -بحسب مساحته على سطح الأرض- وهنا التعبير المعجز الدقيق:{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} أي: نصف الكرة الأرضية نهار، والنصف الآخر ليل (2).
قال الشعراوي: ثم نتأمل قول اللَّه تعالى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} لماذا استخدم اللَّه سبحانه وتعالى كلمة: (يكور)؟ لماذا استخدم اللَّه لفظ: (يكور)؟ ولم يقل: يبسط الليل والنهار ما دامت الأرض منبسطة؟ أو بغير الليل والنهار. . أو أي لفظ آخر؟
إنك لو جئت بشيء ولففته حول كرة فتقول: إنك كورت هذا القماش مثلًا أي: جعلته يأخذ شكل الكرة الملفوف حولها، وإذا أردت من إنسان أن يصنع لك شيئًا على شكل كرة فتقول له: خذ هذا وكوره؛ أي: اصنعه على شكل كرة.
(1) في الفصل (2/ 78 - مطلب بيان كروية الأرض).
(2)
انظر: موسوعة الإعجاز العلمي ليوسف الحاج أحمد (ص 230 - 233).
ومعنى قول اللَّه تعالى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} أي: يجعلهما يحيطان بالكرة الأرضية.
ومن إعجاز القرآن أن الليل والنهار مكوران حول الكرة الأرضية في كل وقت؛ أي: أن اللَّه لم يقل: يكور الليل ثم يكور النهار، ولكنه قال: يكور الليل على النهار، واستخدام كلمة:(على) هنا تستحق وقفة لتتصور مدى انطباقها على كروية الأرض، فلم يقل:(يكور الليل والنهار) ومعناه: أنهما موجودان في نفس الوقت حول الكرة الأرضية، وهذا ما نبأ به القرآن منذ أربعة عشر قرنًا، ولم يصل إلى علم البشر إلا في الفترة الأخيرة، وقضية كروية الأرض مسها القرآن في أكثر من مكان. . لماذا؟ لأنها حقيقة كونية كبرى (1).
وقال أيضًا:
1 -
وهكذا يصف الحق سبحانه وتعالى أن الليل والنهار خلقا على هيئة التكوير، وبما أن الليل والنهار وُجدا على سطح الأرض معًا فلا يمكن أن يكونا على هيئة التكوير إلا إذا كانت الأرض نفسها كروية بحيث يكون نصف الكرة مظلمًا والنصف الآخر مضيئًا، وهذه حقيقة قرآنية أخرى تذكر لنا أن نصف الأرض يكون مضيئًا والنصف الآخر مظلمًا، فلو أن الليل والنهار وُجدا على سطح الأرض غير متساويين في المساحة بحيث كان أحدهما يبدو شريطًا رفيعًا في حين يغطي الآخر معظم المساحة لما كان الاثنان معًا على هيئة كرة؛ لأن الشريط الرفيع في هذه الحالة سيكون في شكل مستطيل، أو مثلث، أو مربع. . أو أي شكل هندسي آخر حشما المساحة التي يحتلها فوق سطح الأرض، وكان من الممكن أن يكون الوضع كذلك باختلاف مساحة الليل والنهار. . ولكن قوله تعالى:{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} دليل على أن نصف الكرة الأرضية يكون ليلًا والنصف الآخر نهارًا.
2 -
وعندما تقدم العلم وصعد الإنسان إلى الفضاء ورأى الأرض وصورها وجدنا
(1) معجزة القرآن (1/ 48، 49).