الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النِّكَاحِ أَقْوَى وَأَسْرَعُ ثُبُوتًا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ بِخِلَافِهِ فِي الْأَمَةِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ.
وَلَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لَهَا إلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ انْتَفَى عَنْهُ بِلَا لِعَانٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ لَكِنْ إنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ حَصَلَ تَجْدِيدُ فِرَاشٍ يُرْجِعُهُ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ، فَأَنْكَرَهُ أَوْ اعْتَرَفَ بِهِ وَأَنْكَرَ الْوِلَادَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّجْدِيدِ وَالْوِلَادَةِ، فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَتْهُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَحَلَفَتْ ثَبَتَ النَّسَبُ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ بِمَا يَقْتَضِيهِ، وَلَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ، وَإِنْ نَكَلَتْ عَنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ حَلَفَ الْوَلَدُ إذَا بَلَغَ كَنَظَائِرهِ وَأَمَّا عِدَّتُهَا فَتَنْقَضِي بِهِ أَيْ بِوِلَادَتِهِ وَإِنْ حَلَفَ الزَّوْجُ عَلَى النَّفْي وَلَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَتْ؛ لِأَنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ، فَكَانَ كَمَا لَوْ نَفَى حَمْلَهَا بِاللِّعَانِ فَإِنَّهُ وَإِنْ انْتَفَى الْوَلَدُ عَنْهُ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوِلَادَتِهِ لِزَعْمِهَا أَنَّهُ مِنْهُ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ ادَّعَتْ وَطْءَ شُبْهَةٍ مِنْهُ قَبْلَ النِّكَاحِ بِأَنَّ عِدَّةَ النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ عِدَّةِ غَيرِهِ، وَالْأَقْوَى لَا يَسْتَتْبِعُهُ الْأَضْعَفُ؛ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ عَلَى دَعْوَاهَا فَيَلْزَمُهُ مُقْتَضَى تَصْدِيقِهِ مِنْ مَهْرٍ وَنَفَقَةٍ وَسُكْنَى وَلُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ ثُمَّ دَعْوَى التَّجْدِيدِ لِلْفِرَاشِ عَلَى وَارِثهِ أَيْ الزَّوْجِ كَالدَّعْوَى عَلَيْهِ لَكِنْ يَحْلِفُ يَمِينَ نَفْي الْعُلُوِّ وَلَا يَنْفِيهِ بِاللِّعَانِ إذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ بِاللِّعَانِ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجِ وَإِنْ أَقَرَّ الْوَارِثُ بِمَا ادَّعَتْهُ فَإِنْ كَانَ حَائِزًا لِلْإِرْثِ، وَالْوَلَدُ لَا يَحْجُبُهُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَالْإِرْثُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَائِزًا كَأَحَدِ الْبَنِينَ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ حَتَّى تُنْفِقَ الْوَرَثَةُ عَلَيْهِ وَيَثْبُتَ لَهَا فِي دَعْوَى التَّجْدِيدِ بِرَجْعَةٍ أَوْ نِكَاحٍ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ مِنْ حِصَّةِ المُقِرِّ بِحِصَّتِهِ لَا إرْثُهَا ظَاهِرًا بِحِصَّتِهِ، وَأَمَّا إرْثُ الْوَلَدِ وَعَدَمُهُ فَتَقَدَّمَ فِي الْإِقْرَارِ (1).
وفي الفتاوى الهندية: (لا تحديد في أكثر مدة الحمل)
.
قوله: وأكثر مدة الحمل أربع سنين، لأنها أكثر ما وجد. هذا تعليل هذا التحديد،
(1) أسنى المطالب (كتاب العدد والاستبراء)(17/ 410)، وانظر كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار لتقي الدين أبي بكر بن محمد الحسيني الحصني الدمشقي الشافعي (1/ 77)، وانظر حاشية الجمل على المنهج لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري - المؤلف: العلامة الشيخ سليمان الجمل.
وأصحاب هذا القول، وكذلك مَنْ يحدد بأقل وبأكثر من ذلك هم لا يقولون: إن المتجاوز لما حددناه مقطوع في نفس الأمر أنه ليس لاحقًا له، يقولون: من الممكن أن يكون له، لكن نحن محتاجون أن نحد حدًا لئلا يضطرب علينا فنرتكب مفسدة ترك النادر مخافة الوقوع في أعداد كثيرة. هذا معنى ما يقولون، أو يقولوه لكنه هو لازم لهم وإن لم يلفظوا به.
والمسألة مسألة خلاف: منهم من يحدد بأربع، ومنهم من يحدد بسنتين، ومنهم من لا يحدد بحد بل يعتبر الأصل ولاسيما إذا لم يرد عليه ما ينفيه. وقد ذكر ابن القيم طرفًا في المسألة في كتابه (تحفة الودود)، وإلا فموجود مواليد تجاوزا أربع سنين علم وتحقق نسبتهم إلى من نسبوا إليه وذلك بتحقق الحمل ثم يتأخر، ووجد مولود أخذ أربعة عشر سنة. . . وُجِدَ تامة أسنانه (1).
وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما يأتي: المُطلّقة طلاقًا بائنًا والمُتوفّى عنها زوجها إذا جاءت كل منهما بولد لسنتين فأقل ثبت نسبه اتفاقًا (2)، لأن الوضع تم ضمن أقصى مدة الحمل عند الجميع، أما إذا جاءت بولد لأكثر من ذلك إلى أربع سنين فالجمهور على أنه يثبت نسبه وانقضت عدتها بناءً على أن الوضع ضمن أقصى مدة الحمل عندهم، ولا يثبت عند الحنفية أنها وضعت بعد أقصى مدة الحمل.
وفي المطلقة الرجعية ذكر الحنفية أنه يثبت نسب ولدها وإن جاءت به لأكثر من سنتين، ما لم تقر بانقضاء العدة لاحتمال الوطء والعلوق في العدة لجواز أن تكون ممتدة الطهر (3).
قال الشنقيطي:
قال المصنف: أو دون أربع سنين منذ أبانها. هنا تحتاج إلى معرفة أقل مدة الحمل وأكثر مدة الحمل، فقد يطلق الزوج المرأة، ثم بعد شهر أو شهرين يتبين أنها حامل، وقد يتبين أنها
(1) الفتاوى الهندية (11/ 133).
(2)
إلا عند الظاهرية وابن عبد الحكم كما سيأتي، فالمقصود بالاتفاق هنا اتفاق أصحاب المذاهب الأربعة إلا ما شذ منهم.
(3)
الموسوعة الفقهية (2/ 6302).
حامل بعد سنة، وقد يتبين بعد سنتين، وقد يتبين بعد ثلاث سنوات، وقد تضع بعد ثلاث سنوات، فهنا مشكلة، إذا طلق الرجل المرأة وبانت منه وانفصلت عنه، ثم تبين حملها في المدد المعروفة فلا إشكال؛ لأنه إذا طلقها وبان أنها حامل بقيت على حالها حتى تضع، والولد ولده، لكن الإشكال إذا لم يقع هذا الحمل، ولم تلد على المعتاد، بل تأخرت في وضعها إلى أربع سنوات، فهل هناك مدة تبين آخر الحمل؟
اختلف العلماء رحمهم الله: بعضهم يقول: لا أقبل فوق تسعة أشهر؛ وهذا قول ابن عبد الحكم من فقهاء المالكية، وما بعد التسعة الأشهر لو طلقها وأبانها ثم ظهر فيها حمل فهو لغيره وليس له، وهذا إذا لم تكن تزوجت؛ لأنه إذا تزوجت ينسب للثاني ولا إشكال. نحن نتكلم في امرأة طلقت وبقيت خالية من الأزواج حتى وضعت ما في بطنها، فهل ينسب إلى الزوج الذي طلقها أو ينسب إليها، ويكون هناك شبهة أنها زنت أو استكرهت على الزنا؟ هنا الإشكال، فما هي أقصى مدة يمكن أن ينسب فيها الولد للفراش؟ من أهل العلم من قال: تسعة أشهر -كما ذكرنا- وهو من أضعف الأقوال، ومن أهل العلم من قال: أربع سنوات، وهو مذهب الشافعية والحنابلة في المشهور، وبعض أصحاب الإمام مالك يقولون بهذا القول؛ قالوا: إن أقصى ما وجدناه من الحمل أربع سنوات، فاذا وضعت الولد لأربع سنين؛ يعني: لم يتجاوز أربع سنوات منذ طلاقه وفراقه لها نسب الولد إليه، وقال الحنفية: خمس سنين؛ وهو رواية عن الإمام أحمد -رحمة اللَّه على الجميع-، والحقيقة أن الأربع سنوات هي التي حكيت كأقصى حد وجد، وذكر بعض العلماء أن أمه بقيت في حملها أربع سنين، واللَّه عز وجل على كل شيء قدير، هذا أمر اللَّه فيه حكمة، وقد تضعف المرأة ويكمل الجنين، وحدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن امرأة صالحة معروفة بالخير والصلاح غاب عنها زوجها، ثم قتل واستشهد، فحزنت عليه حزنًا عظيمًا، ثم تزوجت برجل من بعده، وبعد زواجها بأقل من ستة أشهر بان الحمل فيها، وهم عمر رضي الله عنه أن يرجمها لأنها محصنة، والحمل عند عمر رضي الله عنه دليل إثبات الزنا، كما في خطبته المشهورة في الصحيح، فكان يرى أن الحمل يدل على الزنا، وأن المرأة إذا كانت لا