الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حال بينكم وبين خبر السماء؟ فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له؛ فقالوا: هذا واللَّه الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا:{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)} ؛ فأنزل اللَّه على نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} وإنما أوحي إليه قول الجن (1).
الوجه السابع: الشيطان له طبيعة مادية
.
فمن قال بأن الشياطين روح، والشهاب مادة، وكيف تصرع المادة الروح؟
نقول له: ورد في الكتاب المقدس أن الشيطان: يتكلم، ويعترض، ويقف، ويشم، ويسقط، ويؤسر، ويضر، ويصرع، ويقتل؛ فكل هذه أفعال لا يتصور إلا أنها تتم من خلال جسم مادي (العرض)، ولا يتم بالروح فقط (الجوهر).
فكما أنه لايستطيع الجسد أن يقوم بأعمال بدون روح فكذلك لا تستطيع الروح أن تقوم بأعمال بدون جسد، فإذا أثبتنا أن مخلوقًا ما يقوم بأعمال فلابد أن يشترط فيه الجسدية والروحية معًا، فالادعاء بأن الجن والشياطين أرواح مجردة ليس عليه دليل علمي ولا عقلي.
1 - الشيطان يغوي، ويقف ضد شعب كامل:
ففي سفر أخبار الأيام الأول: (21: 1)(ووقف الشيطان ضد إسرائيل وأغوي داود ليحصي إسرائيل).
فكيف بروح تقف ضد شعب، فإذا قلنا بأن الشيطان روح شريرة مجردة عن الجسد، فالعقل يقول: إن الإنسان له ميزة عن الشيطان، فالإنسان روح وجسد، أما الشيطان روح مجردة -على قولكم-، فكيف بالروح المجردة تغلب الروح والجسد معًا؟ هل لأن الشيطان روحه قوية بدرجة لا تُتصور؟ مع أن روح المؤمن أقوى لأنها في معية اللَّه ورعايته!
وحتى لو افترضنا أن روح الشيطان هي الأقوى؛ فلابد للشيطان من محل أو شيء يَحِل
(1) رواه البخاري (773)، ومسلم (1034).
فيه، حتى يؤثر في العالم الخارجي، فإذا حلَّ في كلب مثلًا، كانت قوته مقيدة بما حلَّ فيه.
ففي المعارف الكتابية: فإبليس محدود لا يوجد في كل مكان، ولكنه عن طريق أتباعه الكثيرين يمارس تأثيره في كل العالم.
فإذا وصف الكتاب المقدس الشيطان بأنه روح شريرة؛ فلا يعني ذلك بأنه روح مجردة:
1 -
لأن الجسد هو منقاد بالروح، فإذا كانت الروح خبيثة فإنها تهلك ويهلك الجسد بهلاكها، فهو تابع لها.
2 -
أو أنه أطلق الجزء وأراد الكل.
وفي المعارف الكتابية: ويوصف إبليس بأنه (رئيس هذا العالم)(يو 12: 31)، والعالم الذي يحكمه هو النظام العالمي الراهن القائم على مباديء إبليس وأساليبه وأهدافه (2 كو 4: 3 و 4، أف 2: 2، كوا: 13، 1 يو 2: 15 - 17).
فجشع الأمم، وأطماعها الأنانية، والأساليب الدبلوماسية الماكرة في عالم السياسة، والبغضاء المرة، والمنافسة المريرة في عالم التجارة، والقيم الشريرة في المجتمع البشري؛ كل هذه من عمل الشيطان، (الروح الذي يعمل في أبناء المعصية) (أف 2: 2). وعبارة: (العالم كله وضع في الشرير)(1 يو 5: 19) تعني: أن عالم البشر غير المتجددين، موضوع في قبضة إبليس ومستسلم تمامًا لسلطانه، وقد حصل إبليس على سلطانه على الجنس البشري بالدهاء.
والاغتصاب، فبتحريضه الإنسان على الخطية -التي قصاصها الموت- حصل إبليس على (سلطان الموت)، ويستخدم الرهبة من الموت وسيلة للاحتفاظ بالناس تحت سيادته (عب 2: 14 و 15). وعبارة أنه: (كان قتَّالًا للناس من البدء)(يو 8: 44) لا تعني أنه يستطيع أن يقتل حسبما يشاء، بل تعني أنه بسبب سقوط آدم وحواء، جلب الموت على الجنس البشري، وقد كسر المسيح بموته قوة الشيطان وأنقذ أسرى الشيطان (انظر رؤ 1: 18، 12: 29).
وفي التجربة في البرية استعرض إبليس أمام يسوع كل ممالك العالم؛ مؤكدًا بذلك أنها كلها قد دفعت ليده، وأن في إمكانه أن يعطيها لمن يشاء (لو 4: 5 و 6). والجدير بالملاحظة
أن يسوع لم يعترض على دعوى الشيطان بسيادته على هذا العالم، ولكن سيأتي الوقت، في نهاية الأزمنة، فيه يقبل (إنسان الخطية)، (الأثيم) هذا الملكوت من يد الشيطان (2 تس 2: 3 - 9، رؤ 13: 4). وفي جهاد الشيطان لإثبات إرادته، فإنه يعمل بلا كلل لإحباط عمل اللَّه (أع 13: 10) وتتملكه رغبة عارمة في أن يكون موضع العبادة مثل اللَّه عز وجل، وقد بدت هذه الرغبة الطاغية في عرضه على المسيح أن يعطيه السلطة على كل ممالك العالم إن سجد له، وستتحقق للشيطان هذه الرغبة في أن يكون موضوع العبادة عن طريق (إنسان الخطية) (2 تس 2: 9 - 11 رؤ 13: 4)، والدافع إلى الوثنية بانحرافها عن عبادة اللَّه الحقيقي، إنما هي قوى شيطانية (1 كو 10: 20، مز 106: 34 - 38).
ويشغل الشيطان مركز قوة وسيادة في العالم الروحى، فنقرأ في أيوب (1، 2) أنه جاء وسط (بنى اللَّه) مع أنه بطبيعته الأدبية ليس واحدًا منهم، كان له أن يمثل في محضر اللَّه، وهو امتياز سيحرم منه في يوم قادم (رؤ 12: 9)، وكان في مركز عظيم حتى إن ميخائيل رئيس الملائكة وجد فيه عدوًا جبارًا (فلم يجسر أن يورد حكم افتراء)(يهوذا 9).
ويكشف لنا العهد الجديد عن أن الشيطان يحكم مملكة الشر القوية بكل ذكاء وحنكة، فنرى الرب يسوع في دحضه للاتهام بأنه يخرج الشياطين بقوة، يبين سخف الاتهام لأنه يعني أن الشيطان قد (انقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته؟ (مت 12: 26)، فالشيطان لا يعمل بمفرده ولكنه يرأس مملكة منظمة جيدًا يقوم جنوده فيها بمسئولياتهم بتوجيه منه، فهو قائد هيئة ضخمة متضامنة من الكائنات الروحية هم (ملائكته) (مت 25: 41، رؤ 12: 7)، و (كرئيس سلطان الهواء) (أف 2: 2) يوجه بمهارة جيشًا منظمًا من الأرواح الشريرة في السماويات يأتمرون بأمره (أف 6: 12). فالملائكة الساقطون الموالون للشيطان (رؤ 12: 4 و 7 و 9) يحتفظون برتبهم وألقابهم ومراكزهم التي سمح لهم بها اللَّه.
ومهما كان أصل الأرواح الشريرة (أي: الشياطين) فمن الواضح أنهم يخضعون في ولاء كامل لحكم الشيطان (مت 12: 28 و 29)، ونرى في سفر الأعمال (10: 38) أن انطلاق