الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي صلى الله عليه وسلم. (1)
الوجه الثاني: أن الالتفات وجه بلاغي لا اضطراب فيه وعود الضمير على مذكورين؛ أهو يرجع إلى اللَّه تعالى أم يرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هذا من أسلوب اللف والنشر
.
وهذا الأسلوب من أعظم أبواب المحسنات البلاغية في علم البديع.
فاللف والنشر: هو ذكر متعدد على التفصيل أو الإجمال ثم ذكر ما لكلٍ من غير تعيين ثقةً بأن السامع يرده إليه نحو قوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} . (2)
والقاعدة: عود الضمير إلى الأقرب، ولكن قد يعود إلى غيره كقوله تعالى:{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} فالضمير في التعزير والتوقير راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي التسبيح عائد إلى اللَّه تعالى، وهو متقدم على ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فعاد الضمير على غير الأقرب. (3)
وعن قتادة في قوله تعالى: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} قال: أي: يعظموه.
وقال: وفي بعض الحروف: وتسبحوا اللَّه بكرةً وعشيًا. (4)
وقال الجمهور: (تعزروه وتوقروه) هما للنبي عليه السلام، (وتسبحوه) هي للَّه عز وجل؛ وهي صلاة
(1) حجة القراءات لعبد الرحمن بن محمد بن زنجلة أبي زرعة ص 671.
(2)
كتاب الكليات لأبي البقاء الكفوي ص 798، ويسمى أيضًا: التقسيم البديعي، كما قال أبو البقاء الكفوي:
ولا يقيم على ضيم يراد به
…
إلا الأذلان غير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته
…
وذا يشج فلا يرثي له أحد
كتاب الكليات ص 265، وانظر: الإتقان للسيوطي 2/ 251، وانظر: الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني صـ 332.
(3)
البرهان للزركشي 1/ 124.
(4)
تفسير الصنعاني لعبد الرزاق الصنعاني 3/ 211. وتفسير الطبري 26/ 75 بلفظ: وفي بعض الحروف: وتسبحوا اللَّه بكرة وأصيلًا. وفي الدر المنثور للسيوطي 7/ 516: وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن هارون قال: في قراءة ابن مسعود: "ويسبحوا اللَّه بكرة وأصيلًا"، وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه كان يقرأ:"ويسبحوا اللَّه بكرة وأصيلًا"، وهي قراءة شاذة نعول عليها لتفسير المعنى فحسب.
البردين، وقرأ عمر بن الخطاب:(وتسبحوا اللَّه)، وفي بعض ما حكى أبو حاتم:(وتسبحون اللَّه) بالنون، وقرأ ابن عباس:(وتسبحوا اللَّه)؛ والبكرة: الغدو، والأصيل: العشي. (1)
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة رضي الله عنه:(ويعزروه) قال: لينصروه، (ويوقروه) أي: ليعظموه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله:(وتعزروه) يعني: الإِجلال: (وتوقروه) يعني: التعظيم؛ يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، والضياء في المختارة (2)؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله:(وتعزروه) قال: تضربوا بين يديه بالسيف.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر؛ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله:(وتعزروه) قال: تقاتلوا معه بالسيف.
وأخرج ابن عدي، وابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر في تاريخه عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: لما نزلت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (وتعزروه) قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ما ذاك؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قال:(لتنصروه). (3)
{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} أي: تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقروه أي: تعظموه وتجلُّوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم، {وَتُسَبِّحُوهُ} أي: تسبحوا للَّه {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} أول النهار وآخره. (4)
التعزير والتوقير للرسول صلى الله عليه وسلم، فتوقيره أن يُدعى بالنبوة والرسالة دون الاسم والكنية،
(1) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 5/ 114.
(2)
الأحاديث المختارة للضياء المقدسي 88.
(3)
الدر المنثور للسيوطي 13/ 472، 473.
(4)
تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن للسعدي ص 792.
أو تُسَوِّدوه، والتعزير: المنع وها هنا: الطاعة، أو التعظيم، أو النصر. (1)
{وَتُعَزِّرُوهُ} أي: تعظموه وتفخموه؛ قاله الحسن والكلبي، والتعزير: التعظيم والتوقير، وقال قتادة: تنصروه وتمنعوا منه. ومنه التعزير في الحد؛ لأنه مانع، قال القطامي:
ألا بكرت مي بغير سفاهة
…
تعاتب والمودود ينفعه العزر
وقال ابن عباس وعكرمة: تقاتلون معه بالسيف، وقال بعض أهل اللغة: تطيعوه (2). (وَتُوَقِّرُوهُ) أي: تسودوه؛ قاله السدي، وقيل: تعظموه، والتوقير: التعظيم والترزين أيضًا. والهاء فيهما للنبي صلى الله عليه وسلم، وهنا وقف تام، ثم تبتدئ:(وَتُسَبِّحُوهُ) أي: تسبحوا اللَّه (بُكْرَةً وَأَصِيلًا) أي: غدوةً وعشيًا. (3)
قال: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ} أي: تعينوه وتنصروه، {وَتُوَقِّرُوهُ} أي: تُعظموه وتُفخموه، هذه الكنايات راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وههنا وقف، ثم قال:{وَتُسَبِّحُوهُ} أي: تسبحوا اللَّه؛ يريد يصلوا له بكرةً وَأصيلًا: بالغَدَاةِ والعشيِّ. (4)
وقد تجمع العرب شيئين في كلام فيرد كل واحد منهما إلى ما يليق به وفي القرآن: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)} (سورة البقرة: 214) والمعنى: يقول المؤمنون: متى نصر اللَّه فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ألا إن نصر اللَّه قريب. (5)
ومن الأمثلة أيضًا على أسلوب اللف والنشر:
أ- على ترتيب اللف: قوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} أي: في الليل، {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} أي: في النهار بالسعي في المكاسب، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وأي:
(1) تفسير العز بن عبد السلام 1/ 110.
(2)
انظر النكت والعيون للماوردي 5/ 313.
(3)
تفسير القرطبي؛ الفتح: 9.
(4)
اللباب في علوم الكتاب لابن عادل؛ الفتح: 9، 17/ 486.
(5)
المدهش لابن الجوزي ص 38.