الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مؤسس الحركة العصرية للأرض المسطحة ومثل (ويلبور جلن فوليفا Glenn Wilbur Voliva) أحد أشهر الأمريكين المنادين بالأرض المسطحة.
الوجه الخامس عشر: إثبات كروية الأرض عند المتقدمين بطريقة عقلية
.
وأشار كذلك الإمام الفخر الرازي إلى كروية الأرض بطريقة عقلية فقال:
ومما يتعلق بأحوال الأرض أنها كرة، وقد عرفت أن امتداد الأرض فيما بين المشرق والمغرب يسمى: طولًا، وامتدادها بين الشمال والجنوب يسمى: عرضًا، فنقول: طول الأرض إما أن يكون مستقيمًا، أو مقعرًا، أو محدبًا.
والأول باطل؛ وإلا لصار جميع وجه الأرض مضيئًا دفعة واحدة عند طلوع الشمس، ولصار جميعه مظلمًا دفعة واحدة عند غيبتها، لكن ليس الأمر كذلك؛ لأنا لما اعتبرنا من القمر خسوفًا واحدًا بعينه، واعتبرنا معه حالًا مضبوطًا من أحواله الأربعة التي هي أول الكسوف وتمامه، وأول انجلائه وتمامه - لم يوجد ذلك في البلاد المختلفة الطول في وقت واحد، ووجد الماضي من الليل في البلد الشرقي منها أكثر مما في البلد الغربي.
والثاني أيضًا باطل؛ وإلا لوجد الماضي من الليل في البلد الغربي أكثر منه في البلد الشرقي؛ لأن الأول يحصل في غرب المقعر أولًا ثم في شرقه ثانيًا.
ولما بطل القسمان ثبت أن طول الأرض محدب، ثم هذا المحدب إما أن يكون كريًا أو عدسيًا، والثاني باطل؛ لأنا نجد التفاوت بين أزمنة الخسوف الواحد بحسب التفاوت في أجزاء الدائرة حتى إن الخسوف الذي يتفق في أقصى عمارة المشرق في أول الليل يوجد في أقصى عمارة المغرب في أول النهار فثبت أنها كرة في الطول.
فأما عرض الأرض فإما أن يكون مسطحًا، أو مقعرًا، أو محدبًا، والأول باطل؛ وإلا لكان السالك من الجنوب على سمت القطب لا يزداد ارتفاع القطب عليه، ولا يظهر له من الكواكب الأبدية الظهور ما لم يكن كذلك، لكنا بينا أن أحوالها مختلفة بحسب اختلاف عروضها.
والثاني أيضًا باطل؛ وإلا لصارت الأبدية الظهور خفية عنه على دوام توغله في ذلك المقعر ولا ننقص ارتفاع القطب والتوالي - كاذبة على ما قطعنا في بيان المراتب السبعة
الحاصلة بحسب اختلاف عروض البلدان، وهذه الحجة على حسن تقريرها إقناعية.
الحجة الثانية: ظل الأرض مستدير فوجب كون الأرض مستديرة.
بيان الأول: أن انخساف القمر نفس ظل الأرض؛ لأنه لا معنى لانخسافه إلا زوال النور عن جوهره عند توسط الأرض بينه وبين الشمس، ثم نقول: وانخساف القمر مستدير؛ لأنا نحس بالمقدار المنخسف منه مستديرًا، وإذا ثبت ذلك وجب أن تكون الأرض مستديرة؛ لأن امتداد الظل يكون على شكل الفصل المشترك بين القطعة المستضيئة بإشراق الشمس عليها، وبين القطعة المظلمة منها، فإذا كان الظل مستديرًا وجب أن يكون ذلك الفصل المشترك الذي شكل كل الظل مثل شكله مستديرًا فثبت أن الأرض مستديرة، ثم إن هذا الكلام غير مختص بجانب واحد من جوانب الأرض؛ لأن المناظر الموجبة للكسوف تتفق في جميع أجزاء فلك البروج مع أن شكل الخسوف أبدًا على الاستدارة فإذن الأرض مستديرة الشكل من كل الجوانب.
الحجة الثالثة: أن الأرض طالبة للبعد من الفلك ومتى كان حال جميع أجزائها كذلك وجب أن تكون الأرض مستديرة، لأن امتداد الظل كرة، واحتج من قدح في كرية الأرض بأمرين: أحدهما: أن الأرض لو كانت كرة لكان مركزها متطبقًا على مركز العالم، ولو كان كذلك لكان الماء محيطًا بها من كل الجوانب؛ لأن طبيعة الماء تقتضي طلب المركز فيلزم كون الماء محيطًا بكل الأرض. الثاني: ما نشاهد في الأرض من التلال والجبال العظيمة والأغوار المقعرة جدًّا.
أجابوا عن الأول بأن العناية الإلهية اقتضت إخراج جانب من الأرض عن الماء بمنزلة جزيرة في البحر لتكون مستقرًا للحيوانات، وأيضًا لا يبعد سيلان الماء من بعض جوانب الأرض إلى المواضع الغائرة منها؛ وحينئذ يخرج بعض جوانب الأرض من الماء.
وعن الثاني أن هذه التضاريس لا تخرج الأرض عن كونها كرة؛ قالوا: لو اتخذنا كرة من خشب قطرها ذراع مثلًا، ثم أثبتنا فيها أشياء بمنزلة جاروسات أو شعيرات، وقورنا فيها كأمثالها فإنها لا تخرجها عن الكرية ونسبة الجبال، والغيران إلى الأرض دون نسبة
تلك الثابتات إلى الكرة الصغيرة. اهـ. (1).
وقال الرازي: إن مد الأرض هو بسطها إلى ما لا يدرك منتهاه، وقد جعل اللَّه حجم الأرض عظيمًا لا يقع البصر على منتهاه، والكرة إذا كانت في غاية الكبير كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح المستوي الامتداد.
قال الرازي: المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه، فقوله:{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ} يشعر بأنه تعالى جعل حجم الأرض حجمًا عظيمًا لا يقع البصر على منتهاه؛ لأن الأرض لو كانت أصغر حجما مما هي الآن عليه لما كمل الانتفاع به، والكرة إذا كانت في غاية الكبر كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)} (الرعد: 41)، وقوله:{أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} (الأنبياء: 44)، وهذا ظاهر للذي يسير من وسط الأرض إلى أيٍّ من أطرافها، ولا يكون إلا في الشكل الكروي.
قال الغزالي في كتاب تهافت الفلاسفة: خسوف القمر عبارة عن انمحاء ضوئه بتوسط الأرض بينه وبين الشمس من حيث أنه يقتبس نوره من الشمس، والأرض كرة والسماء محيطة بها من الجوانب، فإذا وقع القمر في ظل الأرض انقطع عنه نور الشمس، كقولهم: إن كسوف الشمس معناه: وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس وذلك عند اجتماعهما.
* * *
(1) الفخر الرازي (2/ 491 - البقرة: 164).