الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد أرشدنا كتاب اللَّه على أهمية الرضاعة الطبيعية في الحولين، وحث اللَّه تعالى الأمهات على إرضاع الأبناء، وحدّد مدة الرضاع بعامين كاملين؛ لأن هذه المدة يستغني بها الطفل عن ثدي أمه، ويبدأ بالتغذي بعدها عن طريق تناول الطعام والشراب (1).
يقول اللَّه تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (البقرة: 233)، فهل من ذلك من حكمةٍ أو علةٍ طبيةٍ؟ ولنقرأ حول الحكمة من ذلك ووجه الإعجاز في بحث بمجلة الإعجاز العلمي جاء فيه تحت عنوان:
العلم الحديث يجلي الحكمة في الرضاعة الطبيعية حولين كاملين:
ذكر كتاب (نلسون) وهو أحد المراجع المشهورة في طب الأطفال في طبعته عام 1994 م أن الأبحاث الحديثة أظهرت وجود علاقة ارتباطية قوية بين عدد ومدة الرضاعة من ثدي الأم وبين ظهور مرض السكري من النوع الأول في عدد من الدراسات على الأطفال في كلٍّ من النرويج، والسويد، والدنمارك، وعلل الباحثون ذلك بأن لبن الأم يمد الطفل بحمايةٍ ضد عوامل بيئيةٍ تؤدي إلى تدمير خلايا (بيتا البنكرياسية) في الأطفال الذين لديهم استعداد وراثي لذلك، وأن مكونات الألبان الصناعية، وأطعمة الرضع تحتوي على مواد كيميائية سامة لخلايا بيتا البنكرياسية، وأن ألبان البقر تحتوي على بروتينات يمكن أن تكون ضارة لهذه الخلايا، كما لوحظ أيضًا في بعض البلدان الأخرى أن مدة الرضاعة من الثدي تتناسب عكسيًا مع حدوث مرض السكري؛ لذلك ينصح الباحثون الآن بإطالة مدة الرضاعة من ثدي الأم للوقاية من هذا المرض الخطير وللحفاظ على صحة الأطفال في المستقبل، وبِناءً على هذه الحقائق برزت في السنوات الأخيرة نظرية مفادها أن بروتين لبن البقر يمكن أن يحدث تفاعلًا حيويًا مناعيًا يؤدي إلى تحطيم خلايا (بيتا البنكرياسية) التي تفرز الأنسولين، ويعضد هذه النظرية وجود أجسام مضادة بنسب مرتفعة لبروتين لبن البقر في مصل الأطفال المصابين بداء السكري بالمقارنة مع الأطفال غير المصابين
(1) تفسير آيات الأحكام للصابوني 1/ 357، 358.
بالمرض كمجموعة مقارنة، وفي دراسةٍ حديثةٍ منشورةٍ في مجلة السكري في (يناير 1998 م) استخلص الباحثون أن البروتين الموجود في لبن الأبقار يعتبر عاملًا مستقلًا في إصابة بعض الأطفال بمرض السكري بغضِّ النظر عن الاستعداد الوراثي، وفي دراسةٍ حديثةٍ منشورةٍ في (فبراير 1998 م) في جريدة المناعة أشار المؤلفون إلى أن تناول لبن البقر وبعض الألبان الصناعية كبديلٍ للبن الأم يؤدي إلى زيادة نسبة الإصابة بمرض السكّري في هؤلاء الأطفال، وقد أُجرِيَت هذه الدراسة على أطفالٍ صغار السن حتى الشهر التاسع من العمر؟ ولهذا نصح المؤلفون بإطالة مدة الرضاعة الطبيعية، وفي دراسةٍ مشابهةٍ منشورةٍ في مجلة السكري يناير 1994 م أوضح الباحثون وجودَ ارتباطٍ قوي بين تناول منتجات الألبان الصناعية (خاصة لبن الأبقار) في السن المبكر حتى العام الأول من العمر وازدياد نسبة الإصابة بمرض السكري وفي دراسة أُجرِيَت بقسم الباطنة (سنة 1995 م) تحت إشرافي وجدنا أن الأجسام المناعية المضادة للبن الأبقار وجدت في مصل الأطفال الذين تناولوا لبن الأبقار حتى نهاية العام الثاني، أما الأطفال الذين تناولوا لبن الأبقار بعد عامين من العمر فلم يتضح فيهم وجود هذه الأجسام المناعية؛ مما يُظهِر جليًا حكمة تحديد القرآن الكريم للرضاعة بعامين كاملين.
لكن لماذا يسبب لبن الأبقار هذا الضرر قبل العام الثاني، بينما يزول الأثر السيئ للبن الأبقار بعد هذه المدة؟
في دراسةٍ أُجرِيَتْ بفنلندا (عام 1994 م) منشورةٍ في مجلة المناعة الذاتية يقول المؤلفون: إن بروتين لبن الأبقار يمر بحالته الطبيعية من الغشاء المبطن للجهاز الهضمي نتيجة عدم اكتمال نمو هذا الغشاء من خلال ممراتٍ موجودةٍ فيه؛ حيث إن إنزيمات الجهاز الهضمي لا تستطيع تكسير البروتين إلى أحماضٍ أمينيةٍ؛ ولذلك يدخل بروتين لبن الأبقار كبروتين مركبٍ مما يحفز على تكوين أجسام مناعية داخل جسم الطفل، وتشير المراجع الحديثة إلى أن الإنزيمات والغشاء المبطن للجهاز الهضمي وحركية هذا الجهاز وديناميكية الهضم
والامتصاص - لا يكتمل عملها بصورةٍ طبيعيةٍ في الأشهر الأولى بعد الولادة وتكتمل تدريجيًا حتى نهاية العام الثاني.
ومجموع هذه الأبحاث يشير إلى أنه كلما اقتربت مدة الرضاعة الطبيعية من عامين قل تركيز الأجسام المناعية الضارة بخلايا (بيتا البنكرياسية) التي تفرز الإنسولين، وكلما بدأت الرضاعة البديلة وخاصةً لبنَ الأبقار في فترةٍ مبكرةٍ بعد الولادة ازداد تركيز الأجسام المناعية الضارة في مصل الأطفال.
وفي إشارةٍ علميةٍ دقيقةٍ أخرى للقرآن الكريم نراه يحدد مدة الرضاعة بما يقرب من الحولين، كما جاء في الآية (14) من سورة (لقمان):{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} ، والآية (15) من سورة (الأحقاف):{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} ، ويُفهم من هذا أن إرضاع الحولين ليس حتمًا، بل هو التمام، ويجوز الاقتصار على ما دونه، كما أشارت الأحكام الإِسلامية الخاصة بالرضاعة إلى ذلك، اعتمادًا على قوله تعالى:{فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} (البقرة: 233).
يقول ابن كثير (1): أي فإن اتفق والدَا الطفل على فطامه قبل الحولين، ورأيَا في ذلك مصلحة له وتشاورَا في ذلك وأجمعا عليه، فلا جناح عليهما في ذلك، فيؤخذ منه أنَّ انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي، ولا يجوز لواحدٍ منهما أن يستبدّ بذلك من غير مشاورة الآخر؛ قاله الثوري وغيره. وهذا فيه احتياطٌ للطفل، والتزامٌ للنظر في أمره، وهو من رحمة اللَّه بعباده، حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما، وأرشدهما إلى ما يصلحهما ويصلحه (2).
(1) تفسير ابن كثير (البقرة/ 233).
(2)
انظر: حكمة تحديد مدة الرضاعة بحولين كاملين من منظور علمي العدد الرابع مجلة الإعجاز العلمي أ. د. مجاهد محمد أبو المجد.