الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحرق الآدمي النار الحقيقية بمجرد المس (1).
وبهذا يعلم أنه كما يتأذى الإنسان من ضربه بالطين والحجر، مع أنه خلق من طين، فإن الجن يتأذون ويحترقون بالنار مع أنهم خلقوا منها.
وفي الكتاب المقدس أن الشيطان يُحرق بالنار:
فتقول المعارف الكتابية: (مصير الشيطان) يعلن لنا الكتاب النهاية الأكيدة للصراع بين الخير والشر، والمصير المحتوم للشيطان وملائكته، وقد رأى المسيح صورة لهذه الهزيمة النهائية في انتصار السبعين على قوات الشر (لو 10: 18) كما أكد المسيح أن النار الأبدية معدة (لإبليس وملائكته)(مت 25: 41).
ويخبرنا سفر الرؤيا عن الدينونة النهائية للشيطان، فعند مجيء المسيح في مجده سيطرح الشيطان في بئر الهاوية لمدة ألف سنة، تخلوالأرض فيها من خداعه وإغراءاته (رؤ 20: 1 - 3)، وفي نهاية الألف سنة يحل الشيطان من سجنه ويستأنف خداعه لسكان الأرض، وينجح في ذلك نجاحًا هائلًا، ولكن هذا التمرد الأخير سيقضي عليه بعمل إلهي، وسيطرح الشيطان في (بحيرة النار والكبريت حيث الوحش النبي الكذاب وسيعذبون نهارًا وليلًا إلى أبد الآبدين) (رؤ 20: 7 - 10)، وكل الذين خدعهم سيقاسمونه نفس المصير والعذاب (20: 12 - 14). (لفظ إبليس = الشيطان).
الوجه الخامس: الاختلاق في أمر الجن، ومم هو
؟
انقسم الناس في أمر الجن؛ فمن الناس من أنكره، ومنهم من أثبته، والمثبتون لوجود الجن، منهم من قال إنه روح، ومنهم من قال إنه جسم لكن ليس بجسم كثيف.
قال الرازي: واعلم أنه لا بدَّ أولًا من البحث عن ماهية الجن والشياطين، فنقول: أطبق الكلُّ على أنه ليس الجن والشياطين عبارة عن أشخاص جسمانية كثيفة تجيء وتذهب مثل الناس والبهائم، بل القول المحصل فيه قولان:
(1) آكام المرجان في أحكام الجان 1/ 15، 14.
الأول: أنها أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة، ولها عقول وأفهام وقدرة على أعمال صعبة شاقة.
والقول الثاني: أن كثيرًا من الناس أثبتوا أنها موجودات غير متحيزة ولا حالة في المتحيز، وزعموا أنها موجودات مجردة عن الجسمية، ثم هذه الموجودات قد تكون عالية مقدسة عن تدبير الأجسام بالكلية؛ وهي الملائكة المقربون؛ كما قال اللَّه تعالى:{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)} (الأنبياء: 19) ويليها مرتبة الأرواح المتعلقة بتدبير الأجسام، وأشرفها حملة العرش؛ كما قال تعالى:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)} (الحاقة: 17). والمرتبة الثانية: الحافون حول العرش؛ كما قال تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} (الزمر: 75). والمرتبة الثالثة: ملائكة الكرسي. والمرتبة الرابعة: ملائكة السموات طبقة طبقة. والمرتبة الخامسة: ملائكة كرة الأثير. والمرتبة السادسة: ملائكة كرة الهواء الذي هو في طبع النسيم. والمرتبة السابعة: ملائكة كرة الزمهرير. والمرتبة الثامنة: مرتبة الأرواح المتعلقة بالبحار. والمرتبة التاسعة: مرتبة الأرواح المتعلقة بالجبال. والمرتبة العاشرة: مرتبة الأرواح السفلية المتصرفة في هذه الأجسام النباتية والحيوانية الموجودة في هذا العالم.
واعلم أنه على كلا القولين فهذه الأرواح قد تكون مشرقة إلهية خيرة سعيدة، وهي المسماة بالصالحين من الجن، وقد تكون كدرة سفلية شرير شقية، وهي المسماة بالشياطين.
وردًا على كلا القولين السابقين قال الرازي: وأما الذين زعموا أن الجن أجسام هوائية أو نارية؛ فقالوا: الأجسام متساوية في الحجمية والمقدار، وهذان المعنيان أعراض، فالأجسام متساوية في قبول هذه الأعراض، والأشياء المختلفة بالماهية لا يمتنع اشتراكها في بعض اللوازم، فلم لا يجوز أن يقال: الأجسام مختلفة بحسب ذواتها المخصوصة وماهياتها المعينة، وإن كانت مشتركة في قبول الحجمية والمقدار؟ وإذا ثبت هذا فنقول: لِمَ لا يجوز أن يقال: أحد أنواع الأجسام أجسام لطيفة نفاذة حية لذواتها عاقلة لذواتها، قادرة
على الأعمال الشاقة لذواتها، وهي غير قابلة للتفرق والتمزق؟ وإذا كان الأمر كذلك فتلك الأجسام تكون قادرة على تشكيل أنفسها بأشكال مختلفة، ثم إن الرياح العاصفة لا تمزقها، والأجسام الكثيفة لا تفرقها، اليس الفلاسفةُ قالوا: إن النار التي تنفصل عن الصواعق تنفذ في اللحظة اللطيفة في بواطن الأحجار والحديد، وتخرج من الجانب الآخر؟ فلم لا يعقل مثله في هذه الصورة، وعلى هذا التقدير فإن الجن تكون قادرة على النفوذ في بواطن الناس وعلى التصرف فيها، وأنها تبقى حية فعالة مصونة عن الفساد إلى الأجل المعين والوقت المعلوم، فكل هذه الأحوال احتمالات ظاهرة، والدليل لم يقم على إبطالها، فلم يجز المصير إلى القول بإبطالها.
وقال: بيان أن الجن مخلوق من النار، والدليل عليه قوله تعالى:{وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)} (الحجر: 27)، وقال تعالى حاكيًا عن إبليس -لَعَنَهُ اللَّهُ- أنه قال:{خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)} (ص: 76)، واعلم أن حصول الحياة في النار غير مستبعد، الا ترى أن الأطباء قالوا: المتعلق الأول للنفس هو القلب والروح، وهما في غاية السخونة، وقال جالينوس: إني بقرت مرة بطن قرد فأدخلت يدي في بطنه، وأدخلت أصبعي في قلبه فوجدته في غاية السخونة بل تزيد، ونقول: أطبق الأطباء على أن الحياة لا تحصل إلا بسبب الحرارة الغريزية، وقال بعضهم: الأغلب على الظن أن كرة النار تكون مملوءة من الروحانيات.
وقال: المشهور أن الجن لهم قدرة على النفوذ في بواطن البشر، وأنكر أكثر المعتزلة ذلك، فإن كان عبارة عن حيوان هوائي لطيف نفاذ كما وصفناه كان نفاذه في باطن بني آدم أيضًا غير ممتنع قياسًا على النفس وغيره. الثاني: قوله تعالى: {لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (البقرة: 275) الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان ليجري من