الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَيْشًا ضَيّقًا بعد سَعَةٍ، والأَدْنَى: السَّفِلُ (1).
ولكننا نجد هؤلاء القوم يأخذون من المعاني ما يتفق مع حججهم الواهية، ويتركون المعاني التي لا تروق لهم (2).
الوجه الثالث: هل القرآن تابع للمعاجم اللغوية
؟
قال عبد الدائم الكحيل:
وهنا نود أن نقول: هل نحن ملزمون بأن نفهم القرآن كله على ضوء المعاجم؟ ولو كان هذا صحيحًا إذن لأمكن تفسير القرآن بالكامل ولم يعد هنالك حاجة للمفسرين والمجتهدين! ولنفرض أننا لم نعثر على معنى كلمة ما في المعاجم، فهل هذا يعني أن القرآن غير صحيح؟ مثلًا كلمة:(آلم)، و (آلر)، و (كهيعص)، هذه الكلمات غير موجودة في المعاجم، فهل هذا يعني أنها غير صحيحة؟
كلام اللَّه تعالى هو الأساس الذي يجب أن ننطلق منه وليس المعاجم اللغوية؛ وذلك لأن هذه المعاجم تم وضعها بعد نزول القرآن بمئات السنين، وكذلك التفاسير، وتجدر الإشارة إلى أن معظم الانتقادات التي يوجهها هؤلاء لكتاب اللَّه يعتمدون فيها على الفهم القديم للآية وعلى فهم المفسرين لها، وينسون أن هنالك معجزة متجددة للقرآن تتجلى في كل عصر من العصور بما يتناسب مع علوم العصر.
فمثلًا عندما فِهِمَ (بعضُ) المفسرين من قوله تعالى: {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (الغاشية: 20) أن الأرض ليست كروية بل مسطحة، وذلك حسب معطيات عصرهم، فهل نتابعهم على هذا الفهم ونخالف حقائق العلم؟ أم أننا نتدبر القرآن لنجد أنه لا تناقض بين القرآن والعلم؛ لأن كلمة (سُطِحَتْ) تعني: أن اللَّه قد مهَّدها وجعلها صالحة للحياة، بعكس القمر الذي نجد سطحه مليئًا بالمرتفعات والوديان مما يجعله غير مسطح
(1) انظر لسان العرب في معنى كلمة (دنا). وانظر كتاب موريس بوكاي: دراسة الكتب المقدسة.
(2)
[الردّ على منكري الإعجاز في سورة الروم] المفصل في الرد على شبهات أعداء الإسلام (6/ 77).
وغير قابل للحياة، وهذا يعني أن اللَّه تعالى قد جعل للكرة الأرضية سطحًا ممهدًا.
فمثلًا إذا قلنا: انظر إلى هذه القبة كيف أن الذي صمَّمها وصنعها جعل لها سطحًا رائعًا فلا يعني هذا الكلام أن القبة أصبحت مستوية، بل جميع الأجسام تملك سطحًا.
إن هذه الدقة العلمية في استخدام الكلمات القرآنية هي ما نجده في قول الحق تبارك وتعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (النساء: 82).
إن هذه الآية تقرر أننا إذا ما تدبرنا القرآن فلن نعثر فيه على آية تناقضات، وهذا دليل كافٍ على أنه كتاب اللَّه تعالى، إن كتب البشر نجدها تتحدث عن نظرية علمية، ثم يأتي عصر يثبتُ فيه خطأ هذه النظرية ورفضها تمامًا، بينما نجد القرآن صالحًا لكل زمان ومكان وميسَّر الفهم.
إنهم دائمًا يعترضون على الإعجاز العلمي للقرآن، لأنه يخاطبهم بلغة قوية هي لغة العلم، ولذلك فإنهم يلجئون إلى الكتب القديمة حيث كان متعذرًا وقتها فهم هذه الآيات كما نفهمها في ضوء المعارف الحديثة، ونقول لهم: لماذا تلزموننا بفهم القرآن كما فهمه المفسرون قبل مئات السنين، ولا تلزمون أنفسكم بفهم الكتاب المقدس كما فهمه القسيسون قبل عشرات السنين فقط عندما حددوا عمر الكون بسبعة آلاف سنة، ثم ثبت يقينًا أن عمره بلايين السنوات؟ !
إن ميزة القرآن الكريم أن البدوي في الصحراء كان لا يجد مشكلة في فهمه والتعامل مع كلماته ومعانيه، وعالم الذرة يفهمه أيضًا ولا يجد مشكلة في تدبره مهما تطور العلم، وعالم اللغة يفهم منه أشياء قد لا يفهمها غيره، وعالم الفلك قد يرى فيه حقائق لم يرها أحد من قبله، وهكذا هو كتاب شامل كامل لجميع البشر ولجميع العصور.
ونقول لكل من يظن أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هو من وضع القرآن - أن يعود للكتب السماوية السابقة والصحيحة ليجد فيها الحقيقة الإلهية المتمثلة بدعوة الحق تعالى لهؤلاء ليؤمنوا برسالة الإسلام، يقول عز وجل: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ