الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصمة الإصبع يوافق أحدهما.
قال ابن الجوزي: في قوله تعالى: {عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} أنه فيه قولان:
أحدهما: أن نجعل أصابع يديه ورجليه شيئًا واحدًا كخُفّ البعير، وحافر الحمار، فيعدم الارتفاق بالأعمال اللطيفة، كالكتابة والخياطة، هذا قول الجمهور.
والثاني: نقدر على أن نسوي بنانه كما كانت، وإن صغرت عظامها، ومن قدر على جمع صغار العظام، كان على جمع كبارها أقدر، هذا قول ابن قتيبة، والزجاج (1).
فهذان القولان معتبران، ولا يمكن الإنكار على أحدهما، فإذا وافق الإعجاز العلمي أحدهما فلا ننكر على مَنْ قال بالإعجاز العلمي في الآية ظنًا منا أنه يخالف القول الآخر. فقد وافق الإعجاز العلمي في إثبات البصمة الوراثية للقول الثاني.
الوجه الثالث: توضيح كيفية موافقة القول بالإعجاز العلمي لأحد قولي المفسرين
.
1 -
كلا قولي المفسرين: فيه توضيح لطيف لبيان قدرة اللَّه في خلق بنان الإنسان واختلافه عن بنان الحيوان، والسؤال هو: لماذا اختص اللَّه بنان الإنسان بالذكر في هذه الآية ولم يختص أي عضو آخر من أعضاء الإنسان؟ أليس هذا لإثبات أن في البنان عجائب وأسرار. فليس بشرط أن يذكر اللَّه البصمة الوراثية مع ذكر البنان في الآية.
قال الأستاذ زغلول النجار:
ومن عادة القرآن الكريم أنه يشير إلى الحقائق الكونية بصياغة ضمنية يفهم منها أهل كل عصر معنًى محددًا تحكمه كمية المعارف المتاحة لأهل هذا العصر، وتظل هذه المعاني للآية الواحدة تتسع باتساع دائرة المعرفة الإنسانية في تكامل لا يعرف التضاد، وهذا من أبلغ آيات الإعجاز العلمي في كتاب اللَّه.
خذ مثلًا موضوع الجبال وحركتها ودلالة هذه الحركة على حركة الأرض كما وردت في سورة النمل: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} (النمل: 88)
(1) زاد المسير 6/ 97 (القيامة: 4).
فسر بعض الأقدمين هذه الآية على أنها تشير إلى الحركة التي تقع على الجبال يوم القيامة، بينما فسرها آخرون بأنها تتحرك الآن لكننا لا ندرك حركتها لضخامتها، حاليًا يمكننا تفسير الآية المذكورة على أنها تشير إلى الحركات التي تقوم بها الأرض حول نفسها وحول الشمس (1).
2 -
فإن قول قول ابن قتيبة والزجاج لتفسير الآية فيه توضيح الإعجاز في خلق بنان الإنسان.
يقول النيسابوري:
وإنما خص البنان؛ وهو الأنملة وجمعها (أنامل) بالذكر؛ لأنه آخر ما يتم به خلقه فذكره يدل على إتمام الإصبع وتمام الإصبع يدل على سائر الأعضاء التي هي أطرافها (2).
3 -
وقد اختص اللَّه البنان بالتصريح والتوضيح لما فيه من صورة الخلق معجزة، لم يتوصل العلم الحديث إلى معرفة تفاصيلها إلا في القرن التاسع عشر، وقد كانت هذه الآية المعجزة سببًا في إسلام بعض العلماء بعد أن تأكدوا ما تحويه هذه الآية (الأنامل) من خصائص ومميزات، فالبنان (أو الأنملة) هو أطراف الأصابع وتدعمه عظمة صغيرة من العظام الغضروفية ولها شكل خاص، وهى الهيكل الأساسي للبنان، حيث يغطيها جلد خارجي تظهر فيه التضاريس أو الأخاديد التي تميز بخطوط معينة تسمى البصمة، وتترك هذه الخطوط والأخاديد في الإصبع آثارًا عند لمس أي شيء خصوصًا الأشياء الملساء.
4 -
والعلم الحديث يعلم ما فيها من خطوط البصمات التي لا يتشابه بها اثنان في العالم كله، حيث إنها تختلف من شخص لآخر لدرجة أنها لا تتشابه حتى في الإخوة التوائم، هذا بالرغم تشابه التوائم في كثير من الصفات والخصائص، لكنها تختلف في بصمات الأصابع.
لقد كانت البصمة ولا تزال سرًا من أسرار عظمة اللَّه عز وجل في خلقه، والبصمة هي تلك العلامة التي خلقها اللَّه في الإنسان والتي تميز كل إنسان عن غيره بما تحيط بها من خطوط تأخذ أشكالًا مختلفة على جلد أطراف الأصابع، وتبدأ البصمة في التكوين منذ الأسبوع
(1) www.akeem.net
(2)
(غرائب القرآن 7/ 250).
السادس للحمل، وتنتهي تسويتها في الأسبوع التاسع عشر بطريقة لم يطلع العلماء على سرها حتى الآن برغم التقدم العلمي، وبالتالي فهي من أدق عمليات التخلق الجنيني، وهذه البصمة تبقى طوال حياة الإنسان حتى مماته لا تتغير ولا تتبدل، ومهما حاول الإنسان تغير هذه البصمة بإزالة الجلد أو كشطه، فإن هذه الطبقة تنمو مرة أخرى، وتتشكل بنفس الشكل الذي كانت عليه من قبل.
وعن طريق البنان اكتشف علم جديد؛ هو علم تحقيق الشخصية في عصرنا الحالي، ولم يكن معروفًا في العصور السابقة مطلقًا، وهو أدق وأبدع شيء خلقه اللَّه في بناء جسم الإنسان تسوية البنان، بحيث إنه لا يمكن أن نجد بنانًا لأحد يشبه بنان آخر بحال من الأحوال، وعن طريق هذا البنان اكتشفوا كثيرًا من القضايا والحوادث الجنائية.
قدرة اللَّه في خلقه وصلت إلى مرحلة خلق الإنسان بأحسن تقويم، وهو وجه الإنسان وصوته، لقد خلق اللَّه ملايين البشر واستطاع في هذه المساحة الصغيرة التي هي الوجه أن يتميز به كل إنسان.
5 -
وقد اهتم بدراسة البصمات الباحث الالماني ج. س. مايو عام 1856 عندما أعلن أن الخطوط البارزة في بنان الإنسان تبقى ثابتة لا تتغير ولا تتبدل منذ ولادته حتى وفاته، وكان الاستخدام العلمي للبصمات تم عام 1852 م بواسطة الحاكم الإنجليزي (وليم هرتشل) عندما أمر بأن يطبع أشكال أكفهم في نهاية العقود حتى يضمن عدم إنكار أطراف التعاقد في المقاضاة. إلا أنه لم يكن تعريف البصمات معتبرًا حتى عام 1880 عندما قامت المجلة العلمية (الطبيعة) بنشر مقالات لهنري فولدز، ووليم هوشل يشرحان فيها وحدانية وثبوت البصمات، ثم أثبتت ملاحظتهم على يد العالم الإنكليزي فرانسيس غالتون وجاء نظامه خدمة لمن جاء بعده من العلماء، إذ كان الأساس الذي ينبني عليه نظام تصنيف البصمات الذي طوره إدوارد هنري، وقد قام العالم غالتون عام 1886 م بتقسيم البصمات إلى أربعة أنواع وأصدرها في كتابه (بصمات الأصابع) الذي يعتبر مرجعًا أساسيًا