الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التاسع، وهو المتعلق بنمو الجنين ويستمر إلى نهاية الحمل، وبناء عليه فلا يكون الغيض المطابق للازدياد في الآية الكريمة إلا في مرحلة التخليق (الأسابيع الثمانية الأولى).
الدليل الثاني:
لا تغور الأجنة ولا تنضب إلا في مرحلة التخليق حيث وجد أن الأجنة الهالكة لا تغيب آثارها وتختفي من داخل الرحم إلا في خلال مرحلة التخليق. يقول مرجع طبي: إنه من اللافت للنظر أن موت الأجنة وإتباعها بغور وارتشاف ونضوب وامتصاص كامل لها لا يكون إلا في الأشهر الثلاثة الأولى وحتى نهايتها كحد أقصى (أي شهرين ونصف بعد حدوث التلقيح)، ويقول مرجع طبي آخر: عندما يكون هناك توقف في نمو الجنين أثناء الأشهر الثلاثة الأولى يحدث غور ونضوب وامتصاص لهذا الحمل (جانيكوس 1988)، أما عندما يموت الجنين في الأشهر الثلاثة التالية فلا يندثر ويغيب من الرحم بل يضغط وينكمش حتى يصير رقيقًا كالورقة ويسمى الجنين الورقي، وبما أن الغيض يراد به السقط الملفوظ من الرحم أو المتحلل الذي غار ونضب فيه لذا؛ فلا يمكن أن يكون الغيض مرادا به مطلق السقط في أي فترة زمنية ولكنه السقط الحادث في مرحلة التخليق فقط بناء على هذه الحقائق يثبت لنا أن الإسقاط التلقائي المبكر يشمل كلًا من الأجنة الهالكة الملفوظة من الرحم والمتحللة الغائرة فيه.
ثالثًا: توافق معنى الغيض مع السقط التلقائي المبكر:
إن دلالات الغيض اللغوية تتوافق وظاهرة الإسقاط التلقائي المبكر بحالتيها حسب الاصطلاح الطبي: الأجنة التي تلفظها الأرحام، والأجنة المندثرة فيها. دلالة الغيض على الغور والذهاب والنضوب تتوافق مع ما يحدث لبعض الأجنة من التحلل والاختفاء تمامًا من أو مع حويصلة الحمل، حيث لا يبقى للجنين أي أثر داخل الرحم كما في الحالات التالية:
1 -
حالات البيضة المعيبة (blighted oval) أو كيس الحمل الفارغ حيث يتخلل الجنين وتمتص مكوناته ولا يكون له أثر داخل كيس الحمل، وتمثل هذه الحالات حوالي نصف حالات السقط التلقائي المبكر، وفي دراسة قام بها هيرتج وشيلدون (herting&Sheldon) عام 1943 على ألف سقط تلقائي وجد أن الجنين يكون متحللًا
ومختفيًا تمامًا في 49 % من حالات تلك الدراسة وبعد اكتشاف جهاز الأشعة فوق الصوتية واستخدامه في تشخيص الحمل ومتابعته تأكدت حالات غور الأجنة واختفائها من داخل الأرحام وسميت بكيس الحمل الفارغ.
2 -
حالات التوائم المتلاشية: أكدت عدة دراسات حديثة شيوع هذه الظاهرة إذ بلغت نسبتها حوالي 50 % من حمل التوائم، ويقول أحد المراجع الطبية: يغور وينضب ويختفي أحد التوأمين تمامًا داخل الرحم في الفترة المبكرة من الحمل، وقد شخصت هذه الحالات بجهاز الأشعة فوق الصوتية (ultrasound)، فبعد رؤية جنين في الرحم بهذا الجهاز أصبح لا يرى إلا جنين واحد منفرد وبجواره كيس صغير يحتوي على مادة كثيفة تدل على موت جنين سابق، وفي خلال 4 - 6 أسابيع يمكن أن يختفي هذا الكيس تمامًا ويزول معه الدليل على وجود حمل لجنين سابق آخر، كما يمكن أن يشخص حمل عديد الأجنة بأكياس حمل وأجنة حية - ثم عند الوضع لا يولد إلا جنين واحد تام مكتمل (أما بقية الأجنة فقد غارت وابتلعتها الأرحام) وقد أجرى كل من روبنسون وجانيس (1977 م) متابعة بجهاز الأشعة فوق الصوتية لثلاثين امرأة تحمل كل منهن توأمين في خلال الأشهر الثلاثة الأولى، وكانت النتائج كالتالي: أربع عشرة منهن ولدن توأمين، وإحدى عشرة منهن ولدت كل واحدة منهن ولدًا واحدًا والآخر كان كيس حمل فارغ (حيث غار الجنين واختفت آثاره)، وأربع منهن لم يلدن شيئًا (حيث غارت الأجنة كلها وابتلعتها الأرحام)، وواحدة لم تلد شيئًا أيضًا لكن وجد عندها إجهاض مخفي مع كيس حمل فارغ. وفي عام 1979 حصل فارما وآخرون على نفس النتائج.
3 -
الإجهاض المخفي: يحدث في بعض صور الإجهاض المخفي أن يغور الجنين ويرتشف ولا يكون له أي أثر داخل كيس الحمل، فيصير الجنين مع الرحم كالماء الذي حبسته الأرض وابتلعته؛ وهي إحدى دلالات الغيض اللغوية، لذا فإنه لا يوجد في مثل هذه الحالات أي إسقاط مشاهد ولا يمكن وصفه بدقة وشمول إلا بمسمى الغيض الذي
يعني الغور والنضوب والذهاب بالكلية.
2 -
كما أن دلالة الغيض على النضوب والذهاب تتوافق أيضًا مع ما يحدث في التجاويف العديدة الممتلئة بالسوائل والدماء التي تحيط بالجنين كتجويف السلي، والتجويف الكربوني، والتجمعات الدموية في المسافات البينية للزغابات، والتي تجعل الجنين يحيا في محيط مائي أشبه بالبرك أو البحيرات المقفلة، حيث يحدث عند هلاك الجنين توقف التحكم الهرموني لبطانة الرحم وما فيه من أوعية دموية وغدد وأنسجة؛ فتنضب إفرازات الغدد وتقفل الأوعية الدموية للأم وتتخثر الدماء في الفجوات وبين الزغابات؛ فتجف وتذهب وتنضب هذه البحيرات داخل بطانة الرحم وفي تجويفه حول الجنين، وبهذا يكون إسناد الغيض للأرحام إسنادًا حقيقيًا.
3 -
دلالة الغيض على الاحتباس مع النقص: تتوافق مع ما يحدث لبعض الأجنة حين تهلك ولا تسقط بل تحبس داخل بطانة الرحم، وقد تمكث فترة طويلة ينكمش فيها الجنين ويتهتك مع جفاف معظم السوائل الداخلية والخارجية حوله فينكمش الرحم ويقل وزنه وحجمه؛ كما يحدث هذا في بعض صور الإجهاض المخفي، وبهذا يكون تعبير الغيض أشمل وأدق دلالة من معنى السقط إذا يشمل الدلالة على الجنين الذي يغور وتختفي آثاره من داخل الرحم، والدلالة على سقوط الجنين الذي يلفظه الرحم وعلى الأحداث التي تصاحبه مما يؤكد أيضًا أن إسناد الغيض للأرحام إسناد حقيقي.
علماء الإسلام يقرون هذه الحقيقة قبل اكتشاف الأجهزة الحديثة:
لقد أشار ابن عطية الأندلسي منذ عدة قرون إلى الأجنة المتلاشية في الأرحام فقال مفسرًا الغيض: بأنه زوال شيء من الرحم وذهابه، كما أن صاحب كتاب المفردات في غريب القرآن وصفه بوضوح في قوله الذي تفسده الأرحام فتجعله كالماء الذي تبتلعه الأرض، وللَّه در الشيخ السعدي الذي فسر الغيض بالسقط بصورتيه، وكأنه طالع أحوال الأجنة الهالكة في أحدث المراجع العلمية قال:(وما تغيض الأرحام) أي: تنقص مما فيها