الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و (أُمَمًا) بدل من اثنتي عشرة بمعنى: وقطعناهم أممًا؛ لأنّ كل أسباط كانت أمة عظيمة وجماعة كثيفة العدد، وكل واحدة كانت تؤم خلاف ما تؤمّه الأخرى، لا تكاد تأتلف. (1)
ويكون المعنى: وقطعناهم اثنتي عشرة فرقةً أممًا. (2)
ونظيرُ وصف التمييز المفرد بالجمع مراعاةً للمعنى قولُ الشاعر:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة
…
سودًا كخافِيةِ الغراب الأسحم. (3)
ولم يقل: سوداء. (4)
فوصف (حلوبة) وهي مفردةٌ لفظًا بـ (سُوْدًا) وهو جمع مراعاةً لمعناها، إذ المرادُ الجمع. (5)
الوجه الثاني: يوجد تقديم وتأخير في الآية
.
وقيل: فيه تقديم وتأخير، تقديرها: وقطعناهم أسباطًا أممًا اثنتي عشرة، والأسباط: القبائل واحدها: سبط. (6)
الوجه الثالث: (أسباطًا) بدل لا تميز
.
المعنى: قطعناهم اثنتي عشرة فرقة، أسباطًا من نعت فرقة، كأنه قال: جعلناهم أسباطًا وفرقناهم أسباطًا، فيكون أسباطًا بدلًا من اثنتي عشرة؛ وهو الوجه.
(1) الكشاف للزمخشري 2/ 168.
(2)
تفسير البغوي 2/ 207، والمحرر الوجيز 2/ 465، وتفسير الرازي 15/ 33، روح المعاني للآلوسي 9/ 87.
(3)
البيت لعنترة؛ ذكره الفراء في معاني القرآن 1/ 130. قال البغدادي: يجوز وصف المميز المفرد بالجمع باعتبار المعنى كما في البيت، فإن حلوبة مميز مفرد للعدد، وقد وصف بالجمع وهو سود: جمع سوداء.
خزانة الأدب: الشاهد السادس والأربعون بعد الخمسمائة، وقد عزاه إلى ابن السراج؛ انظر الأصول في النحو لابن السراج 1/ 325.
(4)
البحر المحيط لأبي حيان 4/ 405.
(5)
الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي 5/ 350.
(6)
تفسير البغوي 2/ 207، والبحر المحيط 4/ 406.
وقوله: (أممًا) من نعت أسباطًا. (1)
فقوله: "أممًا" إمَّا نعتٌ لـ "أسْبَاطًا"، وإما بدل منها بعد بدلٍ على قولنا: إنَّ "أسباطًا" بدلٌ من ذلك التَّمييز المقدَّر. (2)
(قَطَّعْنَاهُمْ): صيَّرْناهم قطعًا متميزًا بعضهم عن بعض.
(اثْنَتَي عَشْرَةَ) مفعول ثان لقطع؛ فإنه متضمن معنى صير أو حال، وتأنيثه للحمل على الأمة أو القطعة، أسباطًا بدل منه ولذلك جمع، أو تمييز له على أن كل واحد من اثنتي عشرة أسباط فكأنه قيل: اثنتي عشرة قبيلة. (3)
وقال الزجاج: المعنى: (وقطعناهم اثنتي عَشْرَةَ) فرقة (أَسْبَاطًا) فقوله: (أَسْبَاطًا) نعت لموصوف محذوف، وهو الفرقة.
وقال أبو علي الفارسي: ليس قوله: (أَسْبَاطًا) تمييزًا، ولكنه بدل من قوله:(اثنتي عَشْرَةَ). (4)
ويجوز أن يكون تمييزًا؛ لأنه مفرد تأويلًا، فقد ذكروا أن السبط مفردًا ولد الولد، أو ولد البنت، أو الولد، أو القطعة من الشيء؛ أقوال ذكرها ابن الأثير، ثم استعمل في كل جماعة من بني إسرائيل كالقبيلة في العرب، ولعله تسمية لهم باسم أصلهم كتميم، وقد يطلق على كل قبيلة منهم أسباطًا أيضًا كما غلب الأنصار على جمع مخصوص، فهو حينئذ بمعنى: الحي والقبيلة؛ فلهذا وقع موقع المفرد في التمييز. (5)
وأيضًا إذا أردت أن تجمع جماعات مختلفة جاز أن تفسر العشرين ونحوها بجماعة، فتكون عشرون كل واحد منهما جماعة، ومثل ذلك قولك: قد التقى الخيلان فكل واحد
(1) معاني القرآن للزجاج 2/ 383.
(2)
تفسير الدر المصون للسمين الحلبي 5/ 487، وانظر تفسير اللباب لابن عادل 9/ 349.
(3)
التبيان في إعراب القرآن للعكبري 1/ 599 وانظر: تفسير البيضاوي 3/ 66.
(4)
التفسير الكبير للرازي 15/ 388.
(5)
روح المعاني للآلوسي 9/ 87.
منهما جماعة خيل، فعلى هذا تقول: التقى عشرون خيلًا على أن كل واحد من العشرين خيل؛ قال الشاعر:
تبقلت من أول التبقل
…
بين رماحي مالك ونهشل
لأن مالكًا ونهشلًا قبيلتان، وكل واحدة منهما لها رماح، فلو جمعت على هذا لقلت:
عشرون رماحًا قد التقت تريد عشرين قبيلة لكل منها رماح، ولو قلت: عشرون رُمْحًا كان لكل واحد منها رمح. (1)
ومثل آية سورة الأعراف في القرآن قولُه تعالى في سورة الكهف الآية 25: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} (الكهف: 25) بدلًا من ثلاثمائة سنة في التركيب المعتاد، والمعنى: ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائة، وكلاهما صحيح على ما سبق توجيهه.
وبعدُ، فهذا التعبير القرآني لم يخالف اللغة العربية التي نزل بلسانها مخاطبًا أهلها، فالإعراب على المعنى يُجيز أن يذهب تأنيثُ (اثنتي عشرة) إلى ما يُفهم من معنى الكلام؛ وهو فرقة أو أمة. . أو غيرهما، ودليل ذلك (أممًا) التي جاءت بعد ذلك، كما جاء في بيت النواح الكلابي:(وإن كلابًا هذه عشر أبطن. . .).
وأما أسباطًا؛ فإن كانت تمييزًا فهي بمعنى المفرد للدلالة على جمع مخصوص كدلالة الأنصار على قبيلة أو جماعة أو فرقة ما، أو هي وصف لتمييز محذوف؛ وإن كان هذا التمييز مفردًا فيجوز وصفه بالجمع كما في بيت عنترة:(فيها اثنتان وأربعون حلوبة. . سودًا. . .)، وقد تكون (أسباطًا) بدلًا من (اثنتي عشرة)، أو يكون هناك تقديم وتأخير والتقدير: وقطعناهم أسباطًا أممًا اثنتي عشرة.
وقريب من ذلك ما جاء في سفر العدد 29/ 13 من كتابهم: (أربعة عشر حملًا حوليًا صحاح) بجمع صحاح على أساس أنها تابعة لأربعة عشر لا لحملًا حوليًا، وإلا لقال:
(1) العدد في اللغة لابن سيده اللغوي 12.
أربعة عشر حملًا حولًا صحيحًا، مثلما فعل في سائر المواضع الأخرى من نفس الفصل.
ومثله ما جاء في سفر الأيام الثاني 13/ 17 من أنه قد: (سقط قتلى من بني إسرائيل خمسمائة ألف رجل منتخبون) بدلًا من: خمسمائة ألف رجل منتخب بالإفراد والجر لا بصيغة جمع المذكر السالم.
ومثل الآية القرآنية بالضبط ما جاء قبل ذلك في الفقرة الثالثة من نفس الفصل من أن يربعام قد صاف أبيًا (بثمانمائة ألف منتخبين من جبابرة البأس، وما جاء في 11/ 17 من السفر نفسه من أنه كان مع ألياداع (مائتا ألف مسلحون بالقسي والتروس ومع يوزاباد (مائة وثمانون ألفًا متجردون للحرب. .) إلخ.
* * *