الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 -
وخلاصة الكلام في كل راوٍ إنْ كان من رجال "التقريب" فمنه، مع التعقيب عليه عند الضرورة، وإن كان من غير رجال "التقريب" فعلى غِرَارِه.
15 -
مؤلفاتُه المطبوعة والمخطوطة: وتُستقى هذه المعلومات من كتب الرجال التي أُلّفتْ إلى عصر الحافظ ابن حجر، وقد بلغتْ قائمة كتب الرجال عندي أكثر من ثلاثمائة وخمسين كتابًا بين مطبوع ومخطوط، كما تُستقى هذه المعلومات من بطون كتب الحديث من أثناء الأسانيد، فإن بعض الرواة يَصِفُون شيوخهم بالصدق والصلاح، ويُفرّغُ لهذا العمل عددٌ من الباحثين المتخصصين في علوم الحديث، وحسب تقديري ينتهي هذا العمل خلال خمس سنوات -إن شاء اللَّه- في أكثر من مائة مجلد.
وأرى أن يَتبنّى هذا المشروعَ المهمَّ إحدى المُؤسسة العلمية المعنيّة بخدمة السنة النبوية الشريفة لأهميته في دراسة الحديث، ليستفيدَ منه الباحثون إلى يوم القيامة، وتكون صدقةً جاريةً -إنْ شاء اللَّه- لمن تَبنّى هذا المشروع، لوجه اللَّه تعالى ولحبّه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإني مُسْتَعِدٌّ للإشراف على هذا المشروع إنْ شاء اللَّه.
عِظَمُ المسؤولية لتصحيح الحديث وتضعيفه
ثم أقول -وباللَّه التوفيق-: إن تصحيحَ الحديث وتضعيفَه مسؤولية كبيرة، قلّما يسلم أحد من الخطط والوهم، فإن اجتهد وأصاب فله أجران، وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد، لأن علم التخريج علم واسع، لا يمكن لأحدٍ أن يُحَدِّدَ جزئياته بخلاف القواعد الأساسية التي قد لا يختلف فيها جمهور المحدثين.
ولكن يجب على من يشتغل بالتخريج أن يتجرد عن الأهواء، فلا يحرّف النصوص، ولا يُحمّلها على غير مرادها، كما لا يفسّر ألفاظ الجرح والتعديل حسب اتجاهه، أو يذكر الجرح ويسكت عن التعديل، أو العكس، لغرض في نفسه، بل يجب عليه أن يخاف اللَّه فيما يقول، ويتبع منهج المحدثين الذين هم القدوةُ في هذا الفن، ولا ينحرف عنهم، ويسأل اللَّه دائما التوفيق والسداد.
يقول الحافظ ابن حجر: في نزهة النظر
(1)
: "وَلْيَحْذَرْ المتكلمُ في هذا الفنِّ من التساهلِ في الجرحِ والتعديلِ، فإنه إنْ عدّلَ أحدًا بغير تثبّتٍ كان المُثْبِتُ حُكْمًا ليس
(1)
نزهة النظر (ص 192 - 193).
ثابتٍ، فيُخشَى عليه أن يدخلَ في زمرة "مَنْ روَى حديثًا وهو يظنّ أنه كذب. . . " وإنْ جَرَّحَ بغيرِ تحرّزٍ، فإنه أقدمَ على الطعنِ في مسلمٍ بريءٍ من ذلك، ووَسمَه بميسمِ سوءٍ يبقى عليه عارُه أبدًا، والآفةُ تَدْخلُ في هذا تارةً مِن الهوى، والغرضِ الفاسدِ، وكلامُ المُتَقَدِّمِينَ سالِمٌ مِنْ هذا غالبًا، وتارةً مِن المخالفةِ في العقائدِ". انتهى.
وإنَّ من عادةِ المبتدعة كما حثّهم بِشْر المريسي: "إذا احتجّوا عليكم بالقرآن فغالطوهم بالتأويل، وإذا احتجّوا بالأخبار فادفعوها بالتكذيبِ".
وهنا أُحِبُّ أن أشير إلى أمر مهمّ وهو أن بعضَ الناس يأخذونَ تصحيحَ بعضِ العلماء بدون النظرِ إلى أسبابِ تصحيحهم؛ فإنه قد يكون إسنادُ الحديثِ الواردُ عند أصحابِ الكتبِ، مثل: أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم ضعيفًا، ولكن في الحكم العام يكون حسنا، نظرًا لوجود الشواهد، فالأولى أن يقال في مثل هذا: هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف، ولكن للحديث شواهد تُقوّيه.
وأمر آخر: قد يحكم الأئمةُ النقادُ مثل ابن المديني، وأحمد، والبخاري، وأبي حاتم، وأبي زرعة، والذهبي وابن حجر وغيرهم على الحديث بالضعف، ولكن تساهل بعضُ الأئمة الآخرين مثل الترمذي وابن حبان والحاكم والمنذري والهيثمي وغيرهم، فصحّحوا الحديثَ أو حسّنوه، فينقل بعضُ الناس حكمَ هؤلاء المتساهلين، ويَغُضُّ الطرفَ عن حكم جهابذة هذا الفن، وهو منهج مخالف للمحدثين المحققين.
وبهذا عسى أنْ أكون قد حقّقتُ ما أردتُ من تأليف هذا "الجامع" الذي يجمع الأحاديث الصّحيحةَ والحسنةَ في جميع مجالات الحياة، لقوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، في ديوانٍ واحدٍ بعد ألفٍ وأربعمائة وست وثلاثين سنة، بعد أن كانت مفرقةً في كتب الحديث والفقه والتفسير وغيرها، وأُقدِّمُه هديّةً للمسلمين، لأنه لا مجدَ ولا عزّةَ لهذه الأمة إلا بتمسّكها بالكتاب والسنة، وفهمهما على فهم الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين من الفقهاء والمحدثين، ومن سلك مسلكهم إلى يومنا هذا، وإلى يوم الدين.
و"الجامع الكامل" هو امتداد للعمل بالسنة النبوية، والثروةُ الهائلة من كلام أهل العلم، هو شرح وتوضيح وتبسيط وتلخيص للسنة المطهرة، فلا غنى منها إذا
استُخدمت استخدامًا صحيحًا.
وإني بذلتُ قُصارى جهدي في هذا الجامع ليكون وجودُ الحديث فيه دِلالةً على صحته، والكمال للَّه وحده، وإني لا أدعي العصمة من الخطأ والنسيان، إنما هذا اجتهادي، وإنْ فاتَني شيءٌ من أحاديث الصحيحين فذاك سهوًا، فسأستدركها في الطبعات القادمة إن شاء اللَّه تعالى، وكذا إنْ فاتَني شيءٌ من الأحاديث الصحيحة، فإنَّ المقصود من تأليف هذا الكتاب هو الوصولُ إلى الحقّ والصواب. إن شاء اللَّه.
كما لا آمن من وُقوع الأخطاءِ المطبعيّةِ والإملائيةِ لقلّةِ الوسائلِ مثل وجود المراجعين والمدققين، ولكن سأبذل مزيدًا من الجهد في تصحيح هذه الأخطاء في الطبعات القادمة إن شاء اللَّه تعالى، إذا أمدّنا اللَّه بالعمر.
ولنا أسوة لعمل الإمام البخاري رحمه اللَّه تعالى الذي استمرَّ في إدخالِ التحسيناتِ في جامعه "الصحيح" إلى آخرِ حياتِه، وهذا هو الفرقُ بين كلامِ اللَّهِ تعالى وبينَ كلامِ البَشَر، فإنَّ اللَّهَ أبى أن يكونَ كتابٌ صحيحًا غير كتابه.
وأخيرا أسأل اللَّه سبحانه وتعالى أن يُلْهِمني الرشدَ والصوابَ فيما اختلفوا فيه، ويتم علي نعمته، ويجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وزادًا لي في الآخرة، وسببًا للنجاة يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى اللَّه بقلب سليم، وأن يحشرنا مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصّالحين، وحسن أولئك رفيقًا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى اللَّه على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المؤلف عفا اللَّه عنه أبو أحمد محمد عبد اللَّه الأعظمي
المملكة العربية السعودية، حي الأزهري، المدينة النبوية
عام 1436 هـ -2015 م