الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن قال الحافظ ابن حجر في "التقريب": "وأنا أحسب أنه ابن أبي مريم".
قلت: إن كان ابنُ أبي مريم وهو أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي مريم الغسّانيّ الشّاميّ فهو أضعف منه؛ تكلّم فيه الإمام أحمد وأبو داود. وقال أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وغيرهم: ضعيف الحديث.
قال ابن حبان: "كان من خيار أهل الشّام، لكن كان رديء الحفظ، يحدّث بالشّيء فيهم، فكثر ذلك منه حتّى استحقّ التّرك".
3 - باب لا شيء يسبق القدر
• عن ابن عباس، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"العين حقّ، ولو كان شيءٌ سابق القدر سبقتْه العين، وإذا استُغسلْتُم فأغسلوا".
صحيح: رواه مسلم في كتاب السلام (2188) من طرق عن مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا وُهيب، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، فذكر مثله.
• عن أسماء بنت عُميس، قالت: يا رسول اللَّه، إنّ بني جعفر تُصيبُهم العين، فأسترقي لهم؟ قال:"نعم، فلو كان شيءٌ سابقَ القدر، سبقتْه العين".
حسن: رواه الترمذيّ (2059)، وابن ماجه (3510) كلاهما من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عروة بن عامر، عن عبيد بن رفاعة الزُّرقيّ، قال: قالت أسماء، فذكرته.
ومن هذا الوجه رواه أيضًا الإمام أحمد (27470).
قال الترمذيّ: "حسن صحيح".
قلت: هو حسن فقط، فإنّ عروة بن عامر، وشيخه عبيد بن رفاعة "صدوقان" لا غير.
ثم إن قول عبيد بن رفاعة الزرقي قال: قالت أسماء، ظاهره الإرسال، ولكن قال الترمذيّ بعده:"وقد رُوي هذا عن أيوب، عن عمرو بن دينار، عن عروة بن عامر، عن عبيد بن رفاعة، عن أسماء بنت عُميس، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: حدّثنا بذلك الحسن بن علي الخلال، حدّثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، بهذا".
قلت: وهذا إسناد متصل وهو الأصح كما قال الدّارقطني في "العلل"(15/ 304).
وقوله: "ولو كان شيءٌ سابق القدر" أي أنّ الأشياء كلّها بقدر اللَّه تعالى، ولا تقع إلّا على حسب ما قدرها اللَّه تعالى، وسبق بها علمه، فلا يقع ضررُ العين ولا غيره من الخير والشر إلّا بقدر اللَّه تعالى.
4 - باب أنّ أوّل ما خلق اللَّهُ القلم وأمره أن يكتب مقادير كلِّ شيء حتّى تقوم السّاعة
• عن عُبادة بن الصّامت أنّه قال لابنه: يا بني إنّك لن تجد طعم حقيقة الإيمان
حتى تعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليُخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"إنّ أول ما خلق اللَّه القلمَ، فقال له: اكتبْ. قال: ربِّ، ماذا أكتب؟ قال: اكتبْ مقادير كلِّ شيءٍ حتّى تقوم السّاعة". يا بني إنّي سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات على غير هذا فليس مني".
حسن: رواه أبو داود (4700) عن جعفر بن مسافر الهذليّ، حدّثنا يحيى بن حسّان، حدّثنا الوليد بن رباح، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن أبي حفصة، قال: قال عبادة بن الصّامت لابنه، فذكر الحديث.
وإسناده حسن من أجل الكلام في جعفر بن مسافر شيخ أبي داود غير أنّه حسن الحديث، وقد توبع، وأبو حفصة هو حبيش بن شريح الحبشي، ويقال: أبو حفص الشّاميّ.
قال عبد الرحمن بن إبراهيم: أدرك عبادة، وحفظ عنه.
ذكره البخاريّ، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وغيرهم من التابعين.
وذكره أبو نعيم من الصحابة وهو وهم منه، وثّقه ابن حبان، وروى عنه إبراهيم بن أبي عبلة، وعلي بن أبي حملة، قال فيه الحافظ في التقريب:"مقبول".
قلت: وهو كذلك لكنه توبع، رواه الترمذيّ (2155، 3319) عن يحيى بن موسى، حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ (577)، حدّثنا عبد الواحد بن سليم، قال: قدمت مكة فلقيت عطاء بن أبي رباح، فقلت له: يا أبا محمد إنّ أهل البصرة يقولون في القدر، قال: يا بني أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم. قال: فاقرأ الزخرف. قال: فقرأت: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [سورة الزخرف: 1 - 4] فقال: أتدري ما أمُّ الكتاب؟ قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قال: فإنّه كتاب كتبه اللَّه قبل أن يخلق السماوات، وقبل أن يخلق الأرض، فيه إنّ فرعون من أهل النّار، وفيه تبَّتْ يدا أبي لهب وتبّ.
قال عطاء: فلقيتُ الوليد بن عبادة بن الصّامت صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فسألته ما كان وصية أبيك عند الموت؟ قال: دعاني أبي فقال لي: يا بني، اتقِ اللَّه، واعلمْ أنّك لن تتقي اللَّه حتى تؤمن باللَّه، ونؤمن بالقدر كلّه خيره وشرّه، فإن متَّ على غير ذلك دخلت النّار. إنّي سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"إنّ أوّل ما خلق اللَّه القلم. فقال: اكتب. فقال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد".
قال الترمذيّ في الموضع الأول: "حديث غريب من هذا الوجه".
وقال في الموضع الثاني بعد ذكره الجزء المرفوع بدون القصّة: "حسن غريب، وفيه عن ابن عباس".
قلت: فيه عبد الواحد بن سليم وهو ضعيف كما في التقريب، إلّا أنّ لهذا الحديث طرقًا أخرى منها ما رواه الإمام أحمد (22705) عن أبي العلاء الحسن بن سوّار، حدّثنا ليث، عن معاوية، عن
أيوب بن زياد، حدّثني عبادة بن الوليد بن عبادة، قال: حدّثني أبي، قال: دخلت على عبادة وهو مريض، فذكر الحديث مع القصّة.
واللّيث هو ابن سعد، وأيوب بن زياد هو أبو زيد الحمصيّ، وثقه ابن حبان، وروى له جماعة فيكون في مرتبة "مقبول" عند الحافظ، وهو من رجال التعجيل. وله أسانيد أخرى أخرج منها ابن أبي عاصم في كتاب السنة، فصحّ قول الترمذيّ بأنه حسن كما صحّ قوله أيضًا بأنه غريب، لأنّ جميع أسانيده تدور على الوليد بن عبادة بن الصّامت وهو ثقة.
• عن ابن عباس، أنه كان يحدّث أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"إنّ أوّل ما خلق اللَّهُ القلم، وأمره أن يكتبَ كلَّ شيء يكون".
صحيح: رواه أبو يعلى (2329) عن أحمد بن جميل المروزيّ، حدّثنا عبد اللَّه بن المبارك، عن رباح بن زيد، عن عمر بن حبيب المكيّ، عن القاسم بن أبي بزة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فذكر مثله.
ومن هذا الوجه أخرجه عبد اللَّه بن أحمد في "السنة"(854).
ورواه أيضّا البزّار - قال الهيثميّ في "المجمع"(7/ 190): "رجاله رجال ثقات".
وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة"(108) من طريق ابن المبارك.
قال البيهقيّ في القضاء والقدر (1/ 192): قال أبو علي: لم يسنده عن القاسم غير عمر بن حبيب، وهو مكي يجمع حديثه".
قلت: عمر بن حبيب هو المكيّ ثقة فاضل، وثقه أهل العلم فلا يضر تفردّه، وبقية رجاله ثقات.
وقد روي عن ابن عباس موقوفًا بأسانيد ضعاف، وبعضها صالح، أخرجها الفريابي في "القدر"(65، 76، 77، 78) وعنه الآجري في الشّريعة (183) وعن غيره أيضًا. والحكم للرّفع لما فيه من زيادة العلم، ثم إنّ مثل هذا لا يقال بالرّأي فهو مرفوع حكمًا أيضًا.
• عن ابن عمر، قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "أوّل ما خلق اللَّهُ تعالى القلم، فأخذه بيمينه -وكلتا يديه يمين- قال: فكتب الدّنيا وما يكون فيها من عمل معمول بر أو فجور، رطب أو يابس، فأحصاه عنده في الذّكر، فقال: اقرأوا إن شئتم: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة الجاثية: 29]، فهل تكون النّسخة إلّا من شيء قد فُرغ منه".
حسن: رواه ابنُ أبي عاصم في "السنة"(106) عن ابن المصفى، ثنا بقية، حدّثني أرطاة بن المنذر، عن مجاهد بن جبير، عن ابن عمر، فذكر مثله.
ورواه الفريابي في "القدر"(416)، وعنه الآجري في الشّريعة (340)، وابن بطّة في "الإبانة"(1365)
من طريقين آخرين عن بقية بن الوليد، بإسناده، فذكر مثله.
وإسناده حسن من أجل الكلام في بقية إلّا أنّه حسن الحديث إذا صرَّح.
وأمّا ما رُوي عن أبي هريرة، قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "أوّل شيء خلقه اللَّهُ عز وجل القلم، ثم خلق النّون -وهي الدّواة-، ثم قال له: أكتبْ، قال: وما أكتبُ. قال: اكتب ما يكون وما هو كائن من عمل، أو أثر، أو رزق، أو أجل. فكتب ما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة. فذلك قوله عز وجل {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [سورة القلم: 1] ثم ختم على فِيّ القلم فلم ينطق، ولا ينطق إلى يوم القيامة، ثم خلق العقل فقال: وعزّتي لأكلمنَّك فيمن أحببت، ولأنقصنّك فيمن ابغضتُ" فهو ضعيف.
رواه الفريابيّ في القدر (18) عن أبي مروان هشام بن خالد الأزرق الدّمشقيّ، حدّثنا الحسن بن يحيى الخشنيّ، عن أبي عبد اللَّه مولى بني أميّة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، فذكره.
ورواه الآجري في الشريعة (179، 345) عن الفريابي.
ورواه ابن بطّة في الإبانة (1364) من وجه آخر عن هشام بن خالد، بإسناده مثله.
وفيه الحسن بن يحيى الخشنيّ، قال فيه النسائيّ: ليس بثقة.
واختلف فيه قول ابن معين، فروى عنه ابن أبي مريم، قال: ثقة خراسانيّ، وروى عنه العباس الدوري فقال: شاميّ ليس بشيء، وقال ابن الجنيد عن يحيى: الحسن بن يحيى الخشنيّ، ومسلمة ابن علي الخشني ضعيفان ليسا بشيء، والحسن بن يحيى أحبُّهما إليَّ. وقال الدّارقطني: متروك.
وذكره ابن حبان في "المجروحين" فقال: "منكر الحديث جدًا، يروي عن الثقات ما لا أصل له، وعن المتقنين ما لا يتابع عليه، وكان رجلًا صالحًا يحدِّث من حفظه، كثير الوهم فيما يرويه حتى فحثتِ المناكير في أخباره، حتى يسبق إلى القلب أنّه كان المتعمِّد لها، فلذلك استحقّ التَّرك، وقد سمعت ابنَ جوصي يوثّقه".
وقال ابن عدي: وللحسن بن يحيى من الحديث جزء، أو أقل، ثناه محمد بن القزاز، عن هشام ابن خالد، عن الحسن بذلك الجزء، وما أظن أنّ له غير هؤلاء إلّا الحديث بعد الحديث، وأنكر ما رأيت له هذه الأحاديث التي أمليتها، وهو ممن تُحتمل روايته". انتهى "الكامل" (2/ 736 - 737).
قلت: ولم يورد ابنُ عدي حديث أبي هريرة المذكور، وراويه هشام بن خالد عن الحسن بن يحيى كان له جزء، والحديث المذكور من هذا الجزء، وأكّد ابنُ عدي أنه ليس من مناكيره، فاللَّه تعالى أعلم من صحة هذا الحديث وعدمه، ولكن لو ذكره ذاكرٌ في الشّواهد فلا يلام عليه.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن أبي هريرة مرفوعًا: "سبق العلم، وجفَّ القلم، ومضى القضاء، وتمَّ القدر".
رواه البيهقيّ في القضاء والقدر (1/ 194) من طريق حسان بن حسان، حدّثنا إسماعيل بن