الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أرجح على الرفع، وإذا نظرتُ إلى فقه الحديث قلت: الرفع أرجح على الوقف، إنْ كان في الأحكام والغيبيات؛ لأن مثل هذا لا يقال بالرأي، وقد كان الإمام البخاري رحمه اللَّه تعالى كثيرا ما يختار الرفع على الوقف وإنْ كانت الصناعة الحديثية تخالفه، ولذا وُصِفَ بأنه محدث وفقيه، ونهج على ذلك من جاء بعده مثل البغوي والنووي وابن كثير وغيرهم.
23 - زيادة الثقة في المتن
زيادة الثقة في المتن على نوعين:
أحدهما: أن يزيدَ في المتن ما لم يذكرْه غيرُه، أو هو نفسه مرّةً يرويه بالزيادة، وأخرى بدون الزيادة، وهذه الزيادة يثبتُ منها حكمٌ شرعيٌّ، فهي مقبولةٌ مطلقا عند الفقهاء والأصوليين؛ لأنه لو روى حديثًا مستقلًا لقُبِلَ، فكذلك هذه الزيادة، وأما المحدّثون فقبلوا هذه الزيادةَ بشروط:
منها: أن يكون الذي زاده حافظا ضابطًا.
ومنها: أن يكون الذي زاده أكثر عددًا.
ومنها: أن يكون الذي زاده أكثر ملازمةً.
ومنها: أن يكون الذي زاده من أهل بلده.
وهنا يأتي دورُ المجتهد في اختيار أحد هذه الوجوه حسب القرائن، وما ظهر له من ملكة التخريج، فيظُنُّ من لا علمَ له أنه متناقضٌ فيه، والأمر ليس كذلك.
والنوع الثاني: أن يزيد في المتن منافيا لما رواه غيره، فهذا يحتاج إلى الترجيح، لأن المتناقضين لا يجتمعان، فإذا حكم على هذه الزيادة بأنها شاذّة رُدّتْ، وإذا حكم على هذه الزيادة بأنها صحيحة محفوظة قُبلتْ، ورُدّتْ ما ينافيه، وعلى هذا التفصيل ذهب كثير من المحدثين القدماء مثل يحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي والدارقطني وغيرهم، وهو المعمول به في شروح الحديث وكتب الفقه.
24 - بيان علل الأحاديث
هذا علم غامض، ولذا لم يمهر فيه إلا القليل مثل ابن المديني وأحمد بن حنبل،
وأبي زرعة وأبي حاتم والنسائي والدارقطني، وكان للبخاري علم واسع في بيان علل الحديث يظهر ذلك جليا في كتابه "التاريخ الكبير"، و"سؤالات الترمذي عنه".
والعلّة قد تظهر وقد تخفى، كما قد تكون في الإسناد دون المتن، وقد تكون في المتن دون الإسناد، ولذا قلّما سلم أحد في هذا الباب؛ لأن عدم العلم لا يستلزم عدم الوجود، وقد ذكرت أمثلة كثيرة في الجامع الكامل في المناسبات، وإذا لم يظهر لي شيءٌ خلاف ما ادّعوا، اعتمدتُ على قولهم لمكانتهم في هذا العلم.
والمثال على ذلك ما رُويَ عن أبي هريرة مرفوعا: "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك". انظر تخريجه: في باب ما يقول إذا قام من مجلسه.
هذا الحديث رواه موسى بن عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، فذكره.
وظاهره الصحة ولذا صحّحه الترمذي وابن حبان والحاكم، ولكن فيه علة خفية أظهرها البخاري، رُويَ أن مسلما جاء إلى البخاري وسأله عنه فقال:"هذا حديث مليح، ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث إلا أنه معلول، حدثنا به موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا سهيل، عن عون بن عبد اللَّه قوله". قال البخاري: "وهذا أولى لأنه لا يُذكر لموسى بن عقبة سماعٌ من سهيل".
ولما سمع مسلم ما قاله البخاري قبّل بين عينيه، وقال: دعْني حتى أقبّل رِجْليْك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله.
قلت: ما أعلّ به البخاري هو الصحيح وبه أعله أيضًا أئمة الحديث منهم: أحمد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والدارقطني وغيرهم إلا أن قول البخاري:"لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث" ليس بصحيح، ففي الباب صحّ عن عائشة، والسائب بن يزيد، وأبي برزة الأسلمي، وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي أيضًا عن أنس بن مالك، وجبير بن مطعم وغيرهما إلا أنها معلولة، فالظاهر أن هذا النقل من البخاري فيه خطأ، أخطأ من نسب هذا القول إلى