الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسئل أيضًا عن الطائفة التي ورد في الحديث أنها "لا تزالُ منصورةً لا يضرُّها مَنْ خَذَلَها حتى تقومَ الساعةُ".
فقال: إن لم تكن أهل الحديث فلا أدري من هي؟ .
وكان الشافعي يقول: إذا رأيتُ أصحاب الحديث فكأنّي رأيتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
لأن سنته المباركة هي المفتاح لكتاب اللَّه الحكيم، وبها قامت دعائم الإسلام.
لا يُقدم قولُ أحدٍ على قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
-
قال اللَّه تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 8 - 9].
أمرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى المؤمنين أن يعزّروا الرسولَ صلى الله عليه وسلم، والتعزير هو: النصرة مع التعظيم، وأن يوقّروه من التوقير، وهو: الاحترام والإجلال والإعظام.
وفسَّرَ ابن عباس قوله تعالى في سورة الحجرات {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1] لا تقولوا خلاف الكتاب والسنّة.
وقوله: "السنة" المراد بها الآن هي السنة الصحيحة، فإن كل حديث صحيح أصل برأسه، معتبر بحكمه في نفسه.
وقد نصَّ العلماء كافة من المحدثين والفقهاء والأصوليين وغيرهم في جميع الأعصار والأمصار على أنه إذا صحَّ قول الرسول صلى الله عليه وسلم يجب المصيرُ إليه، كان الشافعي بالعراق يقول لأحمد بن حنبل:"اعلموني بالحديث الصحيح أصير إليه"، وفي رواية:"إذا صحَّ الحديثُ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقولوا حتى أذهب إليه" يعني إذا صحَّ الحديث فلا يُقدّم عليه قولُ غيره كائنا مَنْ كان، وذلك من أعظم تعزيره وتوقيره.
ذكر الأئمة الذين قاموا بتجريد الأحاديث الصحيحة
1 -
الإمام البخاري (ت 256 هـ) أول من قام بتجريد الصحيح من الجوامع، والموطآت، والمصنفات، والمسانيد، والأجزاء وغيرها التي كانتْ شاملةً الصحيحَ والضعيفَ بجميع أنواع الضعف مثل المرسل والمنقطع والمعضل والمدرج والمقلوب والشاذ، علاوةً على فتاوى الصحابة والتابعين ومن بعدهم، هو: أمير
المؤمنين في الحديث الإمام محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري رحمه الله (164 هـ - 256 هـ) الذي انتقي "جامعَه" من ستمائة ألف حديث، إلا أنه لم يستوعب جميعَ الصحاح.
يقول رحمه الله: "صنفت كتاب الصحيح لست عشرة سنة، خرجته من ستمائة ألف حديث، وجعلته حجة فيما بيني وبين اللَّه تعالى".
ويقول أيضًا: "ما أدخلتُ في كتابي الجامع إلا ما صحَّ، وتركت من الصحاح لحال الطول"
(1)
.
وروى الإسماعيلي عنه أنه قال: "لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحًا، وما ترك من الصحيح أكثر".
وعرض كتابه على حافظ زمانه أبي زرعة الرازي فقال: "كتابك كله صحيح إلا ثلاثة أحاديث"
(2)
.
قال محمد بن حمدويه: "سمعتُ البخاري يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح.
وقال له وراقه: تحفظ جميع ما أدخلت في المصنف؟ فقال: لا يخفى عليّ جميع ما فيه، وصنّفتُ جميع كتبي ثلاث مرات"
(3)
انتهى.
يعني أنه كان يؤلّف الكتاب، ثم يخرجه للناس، ويعرضه على كبار أئمة الحديث، فيجد فيه ملاحظات، فيُعيد الكتابَ مرة ثانية، ثم يُخرجه للناس، ويعرضه على كبار الأئمة، فيجد فيه ملاحظات، فيُعيد النظر، ثم يُخرجه للناس مرة ثالثة، وهذا الذي قاله البخاري تدل عليه الروايات المتعددة للجامع الصحيح، بلغ عددُها أكثر من إحدى عشرة رواية، وأشهرها رواية أبي عبد اللَّه محمد بن يوسف الفربري (231 - 320 هـ) الذي يقول: سمع كتاب الصحيح لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل، ما بقي أحدٌ يرويه غيري".
(1)
تاريخ بغداد (2/ 14، و 8).
(2)
سير أعلام النبلاء (12/ 438) هكذا ذكره الذهبي، والذي يظهر من حاشية "سير أعلام النبلاء" أن الذي عرض كتابه على أبي زرعة هو مسلمٌ لا البخاري.
(3)
تغليق التعليق (5/ 418).
قلت: هذا حسب علمه، وإلا فقد روى غيره أيضًا مِمّن تأخرتْ وفاتُه عنه.
قال الأمير الحافظ أبو نصر بن ماكولا: آخر من حدّث عن البخاري بالصحيح أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البزدي من أهل بزدة، وكان ثقة، توفي سنة (329 هـ).
وقال محمد بن طاهر المقدسي: روى صحيحَ البخاري جماعةٌ: منهم: الفربري (ت 320 هـ)، وحماد بن شاكر (ت 311 هـ)، وإبراهيم بن معقل النسفي (ت 295 هـ)(وبنى عليها الخطابي شرح البخاري)، وطاهر بن محمد بن مخلد النسفي.
وفي هذه الروايات من الزيادة والنقصان، والتقديم والتأخير، وأتمّ الروايات هي رواية الفِربري كما قال الحافظ ابن حجر وغيره.
قلت: هذه الرواية هي المنتشرة في الشرق والغرب، وهي التي وصلت إلى اليونيني البعلبكي الحنبلي (621 - 701 هـ).
قال تلميذه أحمد بن عبد الوهاب النويري (ت 733 هـ): "اعتني بصحيح البخاري من سائر طرقه، وحرَّرَ نسختَه تحريرًا شافيًا، وجعل لكل طريق إشارةً، وكتب عليه حواشي صحيحةً، وقد نقلتُ صحيح البخاري من أصله مرارًا سبعة، وحرَّرتُه كما حرّرَه، وقابلتُ بأصله وهو أصل سماعي على الحجار ووزيره"
(1)
اهـ. وهي من أصحّ نسخ صحيح البخاري.
فكان البخاري رحمه الله وضع أساسا لجميع الأحاديث الصحيحة، ولكنّه لم يستوعِبْ، فكان الواجب على علماء الإسلام عموما، وعلى علماء الحديث خصوصًا أن يُكَمِّلوا ما بدأ به البخاري رحمه الله، إلى جانب شرحه، وتهذيبه، والتعليق عليه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ما في الكتب المصنفة المبوّبة كتابٌ أنفعُ من صحيح محمد بن إسماعيل البخاري، لكن هو وحده لا يقوم بأصول العلم، ولا يقوم بتمام المقصود للمتبحّر في أبواب العلم إذْ لا بُدَّ من معرفة أحاديث أُخَر، وكلام أهل الفقه، وأهل العلم في الأمور التي يختصّ بعلمها بعض العلماء"
(2)
.
(1)
نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري (32/ 17).
(2)
مجموع الفتاوي (10/ 665).
قلت: ليس المراد من هذا العدد الذي ذكره الإمام البخاري وما يقال للإمام أحمد، متون الأحاديث، وإنما المقصود منه تكرار الأسانيد، والزيادات الواردة في متن حديث واحد، وأقوال الصحابة والتابعين، كما قال الحافظ البيهقي وغيره
(1)
.
قال الذهبي تعليقا على قول أبي زرعة لعبد اللَّه بن أحمد: "أبوك يحفظ ألف ألف حديث. فقيل له: وما يُدريك؟ قال: ذاكرتُه فأخذتُ عليه الأبواب". قال: فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد اللَّه (أحمد بن حنبل)، وكانوا يَعُدُّون في ذلك المكرر، والأثر، وفتوى التابعي، وما فُسِّرَ، ونحو ذلك، وإلا فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عشر معشار ذلك"
(2)
.
وكذلك ما نُسِبَ إلى أبي هريرة بأن عدد أحاديثه بلغَ (5374) حديثًا، فإنَّ هذا العدد يحمل على تكرار الأسانيد. انظر للتفصيل كتابي "أبو هريرة في ضوء مروياته" الطبعة الجديدة.
قوله: "وتركت من الصحاح لحال الطول" يشهد لقوله هذا عمل الترمذي في "السنن" و"العلل الكبير"، فإنه كثيرا ما ينقل حكم البخاري على الحديث بالصحة أو الحسن، كما أنه حكم على بعض الأحاديث بالصحة في كتابه "التاريخ الكبير"، وهذه الأحاديث غير موجودة في "صحيح البخاري".
وجميع ما في جامعه من الأحاديث المسندة والمتابعات والمعلقات بالتكرار تسعة آلاف واثنان وثمانون (9082) حديثًا كما قال الحافظ ابن حجر
(3)
، والمسند الموصول منها بلا تكرار ألفان وستمائة وحديثان (2602).
2 -
ثم تلاه تلميذه مسلم بن الحجاج القشيري (206 هـ -261 هـ) وهو الإمام الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن وَرْد بن كوشاذ القشيري النيسابوري.
قال أبو قريش محمد بن جمعة الحافظ: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، والدارمي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخاري، ومسلم بنيسابور
(4)
.
(1)
انظر للمزيد: تدريب الراوي (1/ 50).
(2)
سير أعلام النبلاء (11/ 187).
(3)
هدي الساري (ص 469)
(4)
سير أعلام النبلاء (12/ 423).
يقول مسلم: "صنّفتُ هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة".
قال أحمد بن سلمة: "كنت مع مسلم في تأليف صحيحه خمس عشرة سنة قال: وهو اثنا عشر ألف حديث"
(1)
.
قال الذهبي: "يعني بالمكرر، بحيث إنه إذا قال: حدثنا قتيبة، وأخبرنا ابن رمح يُعَدّان حديثين، اتفق لفظهما أو اختلف في كلمة".
قلت: وهو كما قال: إلا أن العدد الموجود في النسخ المطبوعة (7563) حديثا، ولم يُراع في إحصائها ما أشار إليه الذهبي كما أن مسلمًا عرض كتابَه هذا على أبي زرعة كما قال:"فكلُّ ما أشار عليَّ في هذا الكتاب أن له علّة وسببًا تركتُه، وكل ما قال: إنه صحيح ليس له علّة فهو الذي أخرجتُ".
إلا أنه لم يستوعبْ أيضًا كما قال رحمه الله: "ليس كل شيءٍ عندي صحيحٍ وضعتُه ههنا، إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه"
(2)
.
ولمّا عاتبه أبو زرعة وقال له: أخرجتَ لأسباط بن نصر، وقَطن بن نُسير، وأحمد بن عيسى، وتركتَ ابنَ عجلان، ونظراءَه فقال:"إنما أدخلتُ من حديث أسباط وقَطن وأحمد، ما رواه ثقاتٌ وقع لي بنزولٍ، ووقع لي عن هولاء بارتفاعٍ، فاقتصرتُ عليهم، وأصلُ الحديثِ معروفٌ".
وكان في خُلُقِه حدّة، فانحرف عن شيخه البخاري، ولم يذكر له حديثا، ولا سمّاه في صحيحه، بل افتتح الكتاب بالحَطِّ على من اشترطَ اللُّقيَّ (يعني به ابن المديني والبخاري) لمن روى عنه بصيغة "عن" وادعي الإجماع في أن المعاصرة كافية، ولا يتوقّف في ذلك على العلم بالتقائهما، ووبّخَ من اشترط ذلك
(3)
.
وقد قال الدارقطني: "لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء"
(4)
.
وأشهر روايات صحيح مسلم في الشرق روايةُ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن مسلم.
(1)
سير أعلام النبلاء (12/ 566).
(2)
صحيح مسلم (1/ 304).
(3)
سير أعلام النبلاء (12/ 573).
(4)
تاريخ بغداد (13/ 102).
وروي عن ابن سفيان جماعة أشهرهم أحمد بن محمد بن عيسى الجلودي، وعن الجلودي أبو الحسين عبد الغافر الفارسي، وعن الفارسي محمد بن الفضل الفراوي. وعلى هذه الرواية بنى النووي شرحه.
وأما أهل الغرب فاشتهرتْ عندهم رواية أبي محمد أحمد بن علي القلانسي، عن مسلم.
قال أبو عمرو بن الصلاح: "وأما القلانسي فوقعت روايته عند أهل الغرب ولا رواية له عند غيرهم، دخلت روايته إليه من جهة أبي عبد اللَّه محمد بن يحيى بن الحذاء التميمي القرطبي وغيره، سمعوها بمصر من أبي العلاء عبد الوهاب بن عيسى ابن عبد الرحمن بن ماهان البغدادي، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن يحيى الأشقر الفقيه على مذهب الشافعي، قال: حدثنا أبو محمد القلانسي، قال: حدثنا مسلم إلا ثلاثة أجزاء من آخر الكتاب، أولها: حديث الإفك الطويل، فإن أبا العلاء بن ماهان كان يروي ذلك عن أبي أحمد الجلودي، عن أبي سفيان، عن مسلم رضي الله عنه"
(1)
.
وسمّى كتابَه: "المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم" ويسمّى بالاختصار: "الجامع الصحيح".
قال أبو عمرو بن الصلاح: رُوينا عن أبي قريش الحافظ قال: كنتُ عند أبي زرعة الرازي، فجاء مسلم بن الحجاج، فسلّم عليه وجلس ساعة، وتذاكرا، فلما قام قلت له: هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح. قال أبو زرعة: "فلمن ترك الباقي؟ "
(2)
وفي قول أبي زرعة إشارة إلى أن مسلمًا لو استوعب جميع الأحاديث الصحيحة لكان حسنًا.
وعدد أحاديثه في صحيحه بلا تكرار ومتابعات ثلاثة آلاف وواحد وثلاثون حديثا (3031) حسب ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، ومع التكرار (7563) حديثا كما سبق ذكره.
(1)
ذكره النووي في مقدمة شرح مسلم.
(2)
صيانة صحيح مسلم (99 - 100).
والمجموع من الكتابين خمسة آلاف وستمائة وثلاثة وثلاثون حديثًا (5633)، وبعد حذف التكرار من الكتابين يصفو لنا ما يقارب أربعة آلاف حديث، وقد بلغ عددُ أحاديث كتاب الحميدي "الجمع بين الصحيحين" ثلاثةَ آلاف وخمسمائة وأربعة وسبعين حديثا (3574).
إن أحاديث الصحيحين كلها صحيحة إلا نذرًا يسيرًا، ويجب العملُ بها إلا ما خُصَّ أو نُسِخَ، لأنهم اشترطا شروطا شديدة في رواة الحديث عُلِمَ بالاستقراء بأنهم على نوعين:
النوع الأول: يشملُ من وُصِفَ بأنه أوثق الناس، أو أنه ثقة ثقة، أو وُصِفَ بأنه ثقة بالإفراد، أو وُصِف بأنه صدوق، أو بأنه لا بأس به، فهؤلاء يُخرج لهم الشيخان في الأصول.
والنوع الثاني: يشملُ من وُصِفَ بأنه صدوق سيء الحفظ، أو مقبول، أو مستور، أو ضعيف خفيف الضعف، فهؤلاء يُخرج لهم الشيخان في المتابعات والشواهد، وأحيانا يخرج لهم مسلم في الأصول.
وأما النوع الثالث: الذي يشملُ من وُصِفَ بأنه شديد الضعف، أو مجهول، أو متروك، أو ساقط، أو متهم، أو كذّاب، فهؤلاء لم يخرج لهم الشيخان أصلا، إلا من اختلفَ فيه فاختارا التعديل لقرائن وأسباب، على أن لا يكون في متنه نكارة.
وبعد توفّر شروطهما تتوفّر فيهما أمران آخران أيضًا، عُلِمَ ذلك بالاستقراء:
أحدهما: أن يكون قد سبق الحكم عليها من الأئمة الذين كانوا قبل الشيخين مثل شيوخهم، وشيوخ شيوخهم إلا نادرًا.
والثاني: أن يكون الحديث معمولا به قبلهما في الديار الإسلامية عموما، وفي الحرمين خصوصا، ولذا لم نجد في الصحيحين أحاديث لم يعمل بها.
3 -
وابن الجارود (ت 307 هـ) هو الإمام أبو محمد عبد اللَّه بن علي بن الجارود النيسابوري الحافظ المجاور بمكة.
قال الحافظ الذهبي: صاحب كتاب "المنتقى في السنن" في مجلد واحد في الأحكام، لا ينزل فيه عن رتبة الحسن أبدًا إلا في النادر في أحاديث يختلف فيها
اجتهاد النقاد
(1)
.
بلغ عدد أحاديثه (1114) حديثا، وحقّقه أخونا الفاضل الشيخ أبو إسحاق الحويني الأثري تحقيقا جيدًا.
4 -
وابن خزيمة (ت 311 هـ) وهو أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، وصنّف كتابا في الصحيح سمّاه:"المختصر من المسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم"، ثم اختصره فسمّاه "مختصر المختصر"، والجزء الأكبر من الكتاب لا يزال مفقودًا منذ زمن كما نصّ عليه الحافظ في المعجم المفهرس فقال:"عُدِمَ سائرُه". ولم يقف ابن حجر منه إلا على ربع العبادات بكماله، ومواضع متفرقة من غيره كما نصّ عليه في إتحاف المهرة.
وخرج الكتاب بتحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي عام (1399 هـ) في أربعة مجلدات، وبلغ عدد أحاديثه (3079) حديثا، ثم حقّقه الدكتور ماهر ياسين الفحل في عام (1430 هـ)، وكتب ذيلا لمختصر المختصر من كتاب "إتحاف المهرة" ومن "صحيح ابن حبان" ما رواه ابن حبان عن شيخه ابن خزيمة، فبلغ عدد أحاديثه (357) حديثا.
واسم الكتاب يدلّ على أنه ألّف أولا "المختصر من المسند الصحيح"، ثم اختصره فسمّاه "مختصر المختصر"، يعني أنه لم يلتزم باستيعاب الصحيح.
ومن منهجه أنه لا يحتج إلا بإسناد يكون وحدَه ثابتًا، وفي هذه الحالة يقدّم الإسنادَ على المتن إلا أن يتوقّف أو يعلّق.
وأما الحديث الذي فيه مقال فيُقدّم المتن ثم يُعِلّه ويُبيّن ضعفَه، وهو قد يكون عند غيره صحيحا أو حسنا لشواهده ولاعتبارات أخرى؛ لأن الحديث إذا رُويَ من طريقين مختلفين وليس فيهما منهم فأقلّ أحواله أن يكون حسنا.
5 -
وابن الشرقي (ت 325 هـ) هو الإمام الحافظ أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن النيسابوري ابن الشرقي -كان يسكن الجانب الشرقي بنيسابور فنُسِبَ إليه- تلميذ مسلم، ذكره الذهبي
(2)
، والتاج السبكي
(3)
، وعبارة التاج:"صنّف الصحيح". ووصفه
(1)
السير (14/ 239).
(2)
سير أعلام النبلاء (15/ 37).
(3)
طبقات الشافعية الكبرى (3/ 42).
أبو عبد اللَّه الحاكم فقال: هو واحد عصره حفظا وإتقانا ومعرفة، وقال: سمعت الحسين التميمي، سمعت ابن خزيمة يقول: -ونظر إلى أبي حامد ابن الشرقي فقال-: حياة أبي حامد تَحْجُزُ بين الناس وبين الكذب على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
يعني أنه يعرفُ الصحيحَ وغيرَه من الموضوعِ. انتهى.
6 -
وابن أصبغ القرطبي (ت 340 هـ) هو الإمام أبو محمد قاسم بن الأصبغ، قال الذهبي:"فاته السماع من أبي داود، فصنّف سننًا على وضع سننه، وصحيحُ مسلم فاته أيضًا، فخرج الصحيحَ على هيئته"
(1)
.
واستفاد من تواليفه: ابنُ حزم، وابن عبد البر، وأبو الوليد الباجي وغيرهم، وقال ابن حزم:"وهو خير انتفاء منه"
(2)
.
ومن مصنفاته كتاب المنتقى، وهو كصحيح مسلم في الصحة.
7 -
وابن السكن (ت 353 هـ) هو الإمام الحافظ أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن المصري البزاز، وأصله بغدادي، قال الذهبي:"جمع وصنّف، وجرّحَ وعدّلَ، وصحّحَ وعلّلَ، ولم نر تواليفه وهي عند المغاربة"
(3)
.
وقال: كان ابن حزم يُثني على "صحيحه" المنتقى، وفيه غرائب.
وقال الكتاني: "ويسمى" بالصحيح المنتقى"، و"بالسنن الصحاح" المأثورة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لكنه كتاب محذوف الأسانيد، جعله أبوابا في جميع ما يحتاج إليه من الأحكام، ضمنه ما صح عنده من السنن المأثورة قال: وما ذكرتُه في كتابي هذا مجملا فهو مما أجمعوا على صحته، وما ذكرتُه بعد ذلك مما يختاره أحدٌ من الأئمة الذين سميتهم، فقد بيّنتُ حُجّته في قبول ما ذكره، ونسبته إلى اختياره دون غيره، وما ذكرته مما ينفرد به أحد من أهل النقل للحديث فقد بيّنتُ علّته، ودلّلتُ على انفراده دون غيره"
(4)
.
(1)
سير أعلام النبلاء (15/ 472 - 473).
(2)
الرسالة المستطرفة (ص 25) أي من ابن الجارود، وقول الذهبي:"فاته السماع من أبي داود"، وفي الرسالة المستطرفة:"وهو على نحو كتاب المنتقى لابن الجارود، وكان قد فاته السماع منه، وجده قد مات، فألّفه على أبواب كتابه بأحاديث خرّجها عن شيوخه، قال أبو محمد بن حزم: "هو خير انتقاء منه" انتهى.
(3)
سير أعلام النبلاء (16/ 117).
(4)
الرسالة المستطرفة (ص 25 - 26).
8 -
وابن حبان البُستي (ت 354 هـ) هو الإمام محمد بن أحمد بن حبان أبو حاتم التميمي البستي، صنّف المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع من غير وجود قطع في سندها ولا ثبوت جرح في ناقليها.
وبيّن سببَ تأليفه في مقدمة كتابه فقال: "وإني لما رأيتُ الأخبار طرقُها كثرتْ، ومعرفة الناس بالصحيح منها قلّتْ لاشتغالهم بكَتْبَة الموضوعات، وحفظ الخطأ والمقلوبات، حتى صار الخبرُ الصحيحُ مهجورًا لا يُكتب، والمنكر المقلوب عزيزًا يُستغرب، وأن من جمع السنن من الأئمة المرضيين، وتكلم عليها من أهل الفقه والدين، أمعنوا في ذكر الطرق للأخبار، وأكثروا من تكرار المعاد للآثار، قصدا منهم لتحصيل الألفاظ على من رام حفظها من الحفاظ، فكان ذلك سبب اعتماد المتعلم على ما في الكتاب، وترك المقتبس التحصيل للخطاب، فتدبرتُ الصحاحَ لأُسهّل حفظَها على المتعلمين، وأمعنتُ الفكر فيها لئلا يصعب وَعْيُها على المقتبسين، فرأيتها تنقسم خمسة أقسام متساوية متفقة التقسيم غير متنافية" ثم ذكر الأقسام.
ورتّبَ كتابَ ابن حبان الأميرُ علاءُ الدين علي بن بلبان الفارسي الحنفي (ت 739 هـ)، وسماه:"الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" وهو مطبوع بتحقيق شعيب الأرنؤوط. وبلغ عدد أحاديثه (7491) حديثا.
9 -
وأبو عبد اللَّه الحاكم (ت 405 هـ) هو: أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن حمدويه النيسابوري، وصفه الذهبي بقوله:"الإمام الحافظ الناقد العلامة شيخ المحدثين، صنّفَ وخرّجَ، وجرَحَ وعدّلَ، وصحّحَ وعلّلَ، وكان من بحور العلم، الحافظ الكبير إمام المحدثين"
(1)
.
ألّفَ "المستدرك"، وهو نوع من التصنيف عند المحدثين وعَرّفوه: بأن يُخرّج فيه صاحبه أحاديثَ على شرط صاحب الكتاب الأصلي الذي لم يُخْرجه.
إلا أن كتابه المستدرك كان موضع النقد من أهل العلم لتساهله، فإنه صحّحَ فيه الأحاديث الضعيفة، بل المنكرة والموضوعة كما قال الذهبي في تلخيص المستدرك، كما أنه وقع في تناقض، فذكر رجلا في كتاب الضعفاء له، وقطع بترك
(1)
سير أعلام النبلاء (17/ 171).
الرواية عنهم، ومنع الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركهـ وصحّحها.
قلت: ولعل السبب في ذلك أنه بدأ تصنيف هذا الكتاب في آخر عمره كما هو الظاهر من المجلد الثالث (ص 156) فلم يتمكن من مراجعة الكتاب.
ومع تساهله فإني التزمتُ بذكر حكمه على الإسناد، والتعقيب عليه عند اللزوم إلا أني لم ألتزم بالردّ عليه إذا صحّح الإسناد وهو حسن، لأن الحاكم لا يفرّق بين الصحيح والحسن، وإنما ذكرت حكمي على الإسناد استقلالًا، لا استدراكًا، كما أني لم ألتزم بالتعقيب على الحاكم في قوله: صحيح على شرط الشيخين أو أحدهما، وخاصة إذا قال: على شرط البخاري، والبخاري أخرج له في صحيحه تعليقا، أو أخرج له في كتبه الأخرى كالأدب المفرد وغيره.
وأحيانا أعقّبه إذا لم يكن الراوي ممن أخرج له البخاري مطلقا في أي كتاب من كتبه.
10 -
ضياء الدين المقدسي (ت 643 هـ) هو الحافظ ضياء الدين أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد المقدسي الدمشقي الحنبلي، وسماه:"الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين"، ويسمى بالاختصار:"المختارة"، وقد فضّل العلماء كتابه على مستدرك الحاكم فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"تصحيح الحافظ أبي عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد المقدسي في مختاره خير من تصحيح الحاكم، فكتابه في هذا الباب خير من كتاب الحاكم بلا ريب، عند من يعرف الحديث"
(1)
.
وقال الحافظ ابن كثير: "وكتاب المختارة فيه علوم حسنة حديثية، وهي أجود من مستدرك الحاكم لو كمل"
(2)
.
إلا أن الحافظ ضياء المقدسي صحّح أحاديث وفي أسانيدها رجال مجهولون وضعفاء.
قال الحافظ ابن عبد الهادي في أثناء كلامه على الأحاديث الواردة في الإمامة: وفي المختارة أحاديث كثيرة ضعيفة.
(1)
مجموع الفتاوي (22/ 426).
(2)
البداية والنهاية (17/ 285).