الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد يكون للراوي شيخان يروي عنهما جميعا مثاله: ما رواه البخاريُّ في النكاح (5108) من طريق عاصم، عن الشعبي سمع جابرًا قال:
"نهى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن تُنكح المرأةُ على عمّتِها أو خالتِها".
قال البخاري: "وقال داودُ، وابنُ عون عن الشعبي، عن أبي هريرة".
فالإمام البخاري لم يُعِلّ أحدَهما بالآخر، بل جعل للشعبي شيخين: جابرًا وأبا هريرة، ثم روى حديثَ أبي هريرة من وجه آخر عنه نحوه.
26 - معرفة من تُقبل روايته، ومن لا تُقبل روايته
هذا الموضوع هامٌّ جدا في علم الحديث؛ لأنه يُبنى عليه الحكم على الحديث، ولذا أذكر أهم النقاط في هذا الموضوع.
1 -
تصنيف أئمة الجرح والتعديل بين متشدد ومعتدل ليتمّ التوفيق بين أقوالهم المتعارضة، ومن ثمَّ يكون الحكم على الرواي سليمًا، فإن لكل طبقة من طبقات النقاد متشدّد ومتوسط:
فمن الطبقة الأولى: شعبة وسفيان، وشعبة أشد.
ومن الطبقة الثانية: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان أشد من عبد الرحمن.
ومن الطبقة الثالثة: يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، ويحيى أشدّ من أحمد.
ومن الطبقة الرابعة: أبو حاتم الرازي والبخاري، وأبو حاتم أشد من البخاري.
2 -
تقبل رواية الثقات الضابطين: وهم ممن أثنى عليهم أئمة الجرح والتعديل، أو اشتهروا بالعلم وعرفوا به، فاستغنوا عن التوثيق والثناء مثل الإمام مالك والشافعي وشعبة والثوري وابن عيينة وابن المبارك والأوزاعي وغيرهم، فلا يسأل عن عدالة هؤلاء، وقد سئل الإمام أحمد عن إسحاق بن راهويه فقال:"مثل إسحاق لا يُسأل عنه". وقد سئل ابن معين عن أبي عبيد القاسم بن سلام فقال: مثلي يسأل عن أبي عبيد، وأبو عبيد يسأل عن الناس.
3 -
يُعرف ضبط الراوي بموافقة الثقات للفظ أو معنى، وعكسُه عكسه.
4 -
التعديل يقبل بدون ذكر السبب؛ لأن تعداده يطول فقُبل إطلاقه.
5 -
يكفي قول واحد في التعديل إذا لم يقابله جرحٌ إلا أن يكون المعدل متساهلا مثل الترمذي وابن حبان والحاكم، فينظر في أمره.
6 -
تقبل رواية من لم يُعرف فيه جرح، وروى عنه عددٌ -وهو الذي يُسمّى عند المحدثين بالمستور، لأنه لو كان فيه جرحٌ لبيّنه أحد الرواة- بشرط أن لا يكون في حديثه نكارة.
قال الدارقطني: "وأهل العلم بالحديث لا يحتجون بخبر ينفرد بروايته رجل غير معروف، وإنما يثبت العلم عندهم بالخبر إذا كان رواته عدلًا مشهورًا أو رجل قد ارتفع اسم الجهالة عنه، وارتفاعُ اسم الجهالة عنه أن يروي عنه رجلان فصاعدا، فإذا كان هذه صفته ارتفع عنه اسم الجهالة وصار حينئذ معروفًا، فأما من لم يرو عنه إلا رجل واحد انفرد بخبر وجب التوقف عن خبره ذلك حتى يوافقه غيره واللَّه أعلم".
(1)
.
وقال الذهبي في "الميزان" في ترجمة مالك بن خير الزبادي المصري متعقّبًا على قول ابن القطان: "هو ممن لم تثبت عدالته" -يريد أنه ما نصَّ أحدٌ على أنه ثقة. قال الذهبي: "وفي رواة الصحيحين عددٌ كثيرٌ ما علمنا أن أحدًا نص على توثيقهم، والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة، ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح"
(2)
.
وأما المجهولُ وهو من لم يرو عنه إلا رجل واحد، وانفرد بخبر فوجب التوقف عن خبره كما قال الدارقطني، وقال البيهقي في السنن الكبرى
(3)
: "إنا لا نُثبتُ حديثًا يرويه من تجهلُ عدالتُه". قاله في عمرو بن مُعَتِّب بعد أن نقل قول ابن المديني: "مجهول لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير".
وهذا لا ينافي تسمية الشيخين كتابيهما "المسند الصحيح" لأنهما استعملا الصحيح بمقابل الضعيف، لأن الكتب المؤلّفة قبلهما كانت شاملةٌ للصحيح والضعيف.
(1)
سنن الدارقطني (3/ 426).
(2)
ميزان الاعتدال (3/ 426).
(3)
السنن الكبرى له (7/ 371).
7 -
رواية شيخ عن شيخ ليس بتوثيق في أصح أقوال الأئمة ولو نصّ على أنه لا يروي إلا عن ثقة؛ لأنه قد يكون ثقة عنده، ضعيف عند غيره، ولذا لم يقبل جمهور أهل العلم مذهب ابن حبان في توثيق من لم يرو عنه إلا واحد مشهور.
8 -
وأما الجرح فالأصل فيه أنه لا يُقبل إلا مفسّرا، لأنه قد استُفِسِرَ فذكرَ ما ليس بجرح، ويدخل في هذا الباب ما هو شرٌّ مثل التحامل والهوى وتكفير بعضهم لبعض لاختلاف المذهب، ولذا وجب أن يُستفسر الجارح سبب جرحه.
وأما تكفير بعضهم لبعض لاختلاف المذهب، أو البدعة فالصحيح الذي عليه أهل السنة: لا نُكفر أحدًا من أهل القبلة إلا بإنكار شيء معلوم من الدين بالضرورة، ولذا لم يكن موقف المحدثين شديدًا في رواية الحديث عن المبتدعة، فمن ثبت أنه يُحرّم الكذبَ على نفسه، وهو من أهل الصدق والأمانة والحفظ والإتقان، وليس بداعية إلى بدعته قبلوا روايته.
9 -
ولكن إن صدر الجرحُ من الأئمة الذين عندهم العلم بمعرفة أسباب الجرح، وهم متصفون بالإنصاف والديانة مثل ابن المديني، وابن معين، وأحمد بن حنبل وغيرهم فيُقبل قولهم ولو كان مجملا، وكتب الرجال غالبها خالية عن بيان أسباب الجرح، فيقال:"فلان ضعيف" أو "فلان متروك"، فالتوقف في قبول قول هؤلاء يؤدي إلى تعطيل الحكم على كثير من الأحاديث.
10 -
إن اجتمع في الراوي جرحٌ مفسر مع التعديل فالجرح مقدم؛ لأن الجارح معه زيادة علم لم يطلع عليها المعدّل.
11 -
أما إذا تعارض الجرح والتعديل فيُنظر إن كان الجرح مجملا وقد وثّقه أحد أئمة هذا الشأن فلا يقبل الجرح مجملا؛ فإن التوثيق حينئذ يكون مقدما على الجرح؛ لأنه قد ثبت له رتبة الثقة فلا يُزحزح إلا بأمر واضح جليٍّ.
12 -
وإنْ كثُرَ المعدّلون وجرحه أحد جرحا مفسّرا فينظر إلى مكانة المعدلين والجارح، وفي كل قضية حكم خاص.
13 -
المبهم الذي لم يُسمَّ، أو سمّي، ولا يعرف عينه، فهذا ممن لا تُقبل روايته، ولكن يعتبر به إذا كان في عصر التابعين، والقرون المشهود لهم بالخير.
14 -
لقد تبيّن من منهج الدارقطني في تضعيف الرجال أنه كثيرًا ما يعتمد على سبر