الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - باب ما قيل: إنّ المقام المحمود هو أن يُجلس اللَّه تبارك وتعالى نبيَّنا محمّدًا صلى الله عليه وسلم معه على عرشه
رُوي عن عبد اللَّه بن سلام قال: إذا كان يوم القيامة جيء بنبيِّكم صلى الله عليه وسلم فأُقْعِد بين يدي اللَّه تبارك وتعالى على كرسيه.
فقال رجلٌ لأبي مسعود -يعني الجريريّ-: إذا كان على كرسيّه فهو معه! قال: ويلكم هذا أقرُّ حديثٍ في الدُّنيا لعيني.
وإسناده ضعيف، رواه ابن أبي عاصم في السنة (786)، والخلال في السنة (237)، والآجري في الشريعة (1097)، وابن جرير في تفسيره كلّهم من طريق يحيى بن كثير أبي غسان العنبريّ، ثنا سلْم بن جعفر، عن سعيد الجريريّ، ثنا سيف السّدوسيّ، عن عبد اللَّه بن سلام، فذكره. وفيه رجال لا يعرفون.
قال الذهبيّ في "العلو"(203): "هذا موقوف ولا يثبت إسناده".
ولكن قال الحاكم بعد أن رواه (4/ 568 - 569) من وجه آخر في حديث طويل، عن عبد اللَّه ابن سلام وفيه:"فيلقى له كرسي عن يمين اللَّه عز وجل": "صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وليس بموقوف، فإنّ عبد اللَّه بن سلام على تقدّمه في معرفة قديمة من جملة الصحابة. وقد أسنده بذكر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غير موضع".
كذا قال، والصحيح عكسه.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن ابن مسعود قال: بينا أنا عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم أقرأُ عليه حتّى بلغتُ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [سورة الإسراء: 79]. قال: "يُجلسني على العرش".
أورده الذّهبيّ في "العلو"(202) من حديث سلمة الأحمر، عن أشعث بن طُليق، عن عبد اللَّه بن مسعود، فذكره.
قال الذّهبيّ: "هذا حديث منكر، لا يُفرح به، سلمة هذا متروك الحديث، وأشعث ثم يلق ابنَ مسعود".
قلت: سلمة هو ابن صالح الأحمر الجعفيّ الكوفيّ، ضعّفه أئمّة النّقد.
وكذلك لا يصح أيضًا عن ابن عباس مرفوعًا ولا موقوفًا.
روى الذّهبيّ في "العلو"(329) فقال: أخبرنا الحسن بن علي، أنا جعفر، أنا السلفيّ، أنا علي ابن بيان، أنا بشرى الفاتني، أنا عمر بن سَبَنْك القاضيّ، ثنا الحرّ بن محمد بن إشكاب، ثنا عمر بن مدرك الرّازيّ، ثنا مكيّ بن إبراهيم، عن جويبر، عن الضّحاك، عن ابن عباس في قوله:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يُقعده على العرش.
قال الذّهبيُّ: "إسناده ساقط، وعمر هذا الرّازيّ متروك، وفيه جويبر" - هكذا قال وسكت عن الحكم عليه، وهو متروك أيضًا كما قاله النسائيّ والدّارقطنيّ بأنه متروك.
ثم قال الذهبيّ: "هذا مشهور من قول مجاهد، ورُوي مرفوعًا وهو باطل".
قلت: وقد رُوي عن مجاهد من عدّة طرق: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يجلسُه معه على عرشه.
أخرجه الآجريّ في الشّريعة (4/ 1614 - 1617)، والخلّال في السنة (1/ 212 - 213)، وابن جرير في تفسيره.
وأسانيدها كلّها ضعيفة أو منقطعة، وليس فيها شيء من المرفوع أصلًا.
قال القرطبيّ في "التذكرة"(2/ 605) بعد أن ذكر قول مجاهد: "هذا قول مرغوب عنه، وإن صحّ فيتأول على أنّه يجلسه مع أنبيائه وملائكته".
وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(7/ 175) بعد أن نقل قول مجاهد في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [سورة القيامة: 22] قال: تنتظر الثّواب، وليس من النّظر:"مجاهد وإن كان أحد المقدّمين في العلم بتأويل القرآن فإنّ له قولين في تأويل آيتين هما مهجوران عند العلماء مرغوب عنهما. أحدهما هذا، والآخر في قول اللَّه عز وجل: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: "يوسّع له العرش فيجلسه معه". وهذا قول مخالف للجماعة من الصّحابة، ومن بعدهم، فالذي عليه العلماء في تأويل هذه الآية أنّ المقام المحمود: الشّفاعة، والكلام في هذه المسألة من جهة النظر يطول". انتهى
وقال الحافظ الذهبيّ في العلو (2/ 1081): "أمّا قضية قعود النبيّ صلى الله عليه وسلم على العرش فلم يثبت في ذلك نصّ، بل في الباب حديث واه. وما فسَّر به مجاهد للآية كما ذكرنا فقد أنكره بعض أهل الكلام، فقام المروزيّ وقعد، وبالغ في الانتصار لذلك، وجمع كتابًا، وطرق قول مجاهد.
قال: فممن أفتى في ذلك العصر بأنّ هذا الأثر يُسلَّم ولا يعارَض أبو داود السّجستانيّ صاحب السنن، وإبراهيم بن الحربي وخلق، بحيث إن ابن الإمام أحمد قال عقيب قول مجاهد: أنا منكر على كلّ من ردّ هذا الحديث، وهو عندي رجل سوء متهم، سمعتُه من جماعة، وما رأيت محدِّثا ينكره، وعندنا إنما تُنكره الجهميّة".
ثم قال: إنّ الفقيه أبا بكر أحمد بن سلمان النّجاد المحدّث قال: فيما نقله عنه القاضي أبو يعلى الفراء: "لو أنّ حالفًا حلف بالطّلاق ثلاثًا: إنّ اللَّه يقعد محمّدًا على العرش، واستفتاني لقلت له: صدقت وبررت".
وعلّق عليه الذهبي قائلًا: "فأبصر -حفظك اللَّه من الهوى- كيف آل الغلو بهذا المحدّث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر، واليوم فيردون الأحاديث الصّريحة في العلو، يحاول بعض الطغام أن يرد قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه: 5] ".
قال الشّيخ الألبانيّ رحمه اللَّه تعالى: "ومن العجائب التي يقف العقل تجاهها حائرًا أن يفتي بعض العلماء من المتقدّمين بأثر مجاهد هذا كما ذكره الذّهبيّ". ثم ذكر الخبر المذكور. انظر: