الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واعتمد الحافظ الهيثمي على توثيق ابن حبان له فقال في "المجمع"(6/ 256): "رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصّحيح غير سعيد بن عبد الرحمن بن أبي عمياء وهو ثقة". ولم يُشر كعادته إلى رواية أبي داود وإلّا فليس على شرطه.
ثم إنّ لفظ الحديث ليس بمرفوع، إلّا أن يقال: إنّه في حكم الرّفع؛ لأنّ مثل هذا لا يقال بالرّأي.
32 - باب قول اللَّه عز وجل: "خلقتُ عبادي حنفاء
"
• عن عياض بن حمار، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِّه تبارك وتعالى أنه قال:"خلقتُ عبادي حتفاء كلّهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتْهم أن يشركوا بي ما لم أُنزل به سلطانًا".
صحيح: رواه مسلم في كتاب التوبة (2865) من طرق عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن مطرِّف بن عبد اللَّه بن الشخّير، عن عياض بن حمار المجاشعيّ، فذكره في حديث طويل، سيأتي في موضعه.
33 - باب أن كلّ مولود يولد على الفطرة
• عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلّا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه، كما تُنتجون البهيمة هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟ ". قالوا: يا رسول اللَّه، أفرأيتَ من يموت وهو صغير؟ قال:"اللَّه أعلم بما كانوا عاملين".
متفق عليه: رواه البخاريّ في القدر (6599)، ومسلم في القدر (2658: 24) كلاهما من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همّام بن مُنبِّه، قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث، منها هذا.
ومعنى الحديث كما قال حماد بن سلمة: "هذا عندنا حيث أخذ اللَّه عليهم العهد في أصلاب آبائهم حيث قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [سورة الأعراف: 172] ".
أخرجه أبو داود (4716) بإسناده عنه، وحسَّن هذا المعنى الخطّابي فقال:"معنى قول حمّاد في هذا حسن، وكأنه ذهب إلى أنه لا عبرة للإيمان الفطري في أحكام الدّنيا، وإنّما يعتبر الشّرعي المكتسب بالإرادة والفعل، ألا ترى أنه يقول: "فأبواه يهودانه وينصّرانه" فهو مع وجود الإيمان الفطري فيه محكوم له بحكم أبويه الكافِرَيْن". انتهى. انظر القضاء والقدر للبيهقيّ (3/ 871).
• عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلّا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه، كما تُنتج البهيمةُ ببهيمة جمعاء، هل تُحسُّون فيها من
جدعاء؟ ". ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [سورة الروم: 30] ".
متفق عليه: رواه البخاريّ في الجنائز (1359)، ومسلم في القدر (2658) كلاهما من حديث يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، أنّ أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره، أنّ أبا هريرة، قال (فذكره).
ورواه مالك في الجنائز (53) عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، فذكر مثله، ولم يذكر قول أبي هريرة وهو:"واقرؤا إن شئتم. . . ". ولكن زاد فيه: "قالوا: يا رسول اللَّه: أرأيتَ الذي يموت وهو صغير؟ قال: اللَّه أعلم بما كانوا عاملين".
وهذه الزّيادة ليست في رواية ابن شهاب، وقد روى هذا الحديث عبد اللَّه بن الفضل الهاشميّ شيخ مالك، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، وينصّرانه، ويمجسانه كالبهيمة تُنتج البهيمة، هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها". إلى هنا انتهى حديثه، ولم يذكر ما في حديث مالك قوله:"أرأيت يموت وهو صغير" إلى آخر الحديث.
هكذا رواية ابن شهاب لهذا الحديث ليس فيها قوله: "أرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: اللَّه أعلم بما كانوا عاملين". انتهى بما في التمهيد (18/ 58 - 59).
قلت: قوله صلى الله عليه وسلم: "اللَّه أعلم بما كانوا عاملين". وهو في حديث الزّهريّ، عن عطاء بن يزيد، عن أبي هريرة، كما سبق.
ولكن لا يبعد أن يكون أبو هريرة ذكر هذا في الحديثين كما في الحديث الآتي.
• عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلّا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه". فقال رجل: يا رسول اللَّه، أرأيتَ لو مات قبل ذلك؟ قال:"اللَّه أعلم بما كانوا عاملين".
صحيح: رواه مسلم في القدر (2658: 23) عن زهير بن حرب، حدّثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، فذكره.
ورواه من وجه آخر عن ابن نمير، وأبي معاوية - كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد. إلّا أنّ في حديث ابن نمير:"ما من مولود يولد إلّا وهو على الملّة".
وفي حديث أبي معاوية: "إلّا على هذه الملة حتى يُبَيّن عنه لسانه".
وفي رواية عنه: "حتّى يعبّر عنه لسانه".
• عن أبي هريرة، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "كلّ إنسان تلده أمُّه على الفطرة، وأبواه بعدُ يهوِّدانه، وينصّرانه، ويمجِّسانه، فإن كانا مسلمَيْنِ فمسلم، كلّ إنسان تلده
أمُّه يلكزه الشّيطان في حِضْنَيْه إلّا مريم وابنَها".
صحيح: رواه مسلم في القدر (2658: 25) عن قتيبة بن سعيد، حدّثنا عبد العزيز (يعني الدّراورديّ)، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، فذكره.
وقوله: "حِضْنَيْه" تثنية حِضن وهو الجنب، وقيل: الخاصرة.
وأمّا ما رُوي عن الأسود بن سريع: "أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعث سريّة يوم حنين فقاتلوا المشركين، فأفضى بهم القتلُ إلى الذّريّة، فلما جاءوا قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما حملكم على قتل الذريّة"؟ قالوا: يا رسول اللَّه، إنّما كانوا أولاد المشركين. قال: "أَوَ هَلْ خياركم إلّا أولاد المشركين؟ والذي نفس محمّد بيده ما من نسمة تُولد إلّا على الفطرة، حتى يُعرب عنها لسانُها". فهو منقطع.
رواه الإمام أحمد (15588)، والطبرانيّ في الكبير (826، 828)، وفي الأوسط (2005)، والبيهقيّ في القضاء والقدر (3/ 863) كلّهم من طرق عن الحسن، عن الأسود بن سريع، فذكره.
والحسن هو ابن أبي الحسن البصريّ الإمام المشهور، إلّا أنّه كان يدلِّس، وقد أكَّد أهلُ العلم أنه لم يسمع من الأسود بن سريع. قال علي بن المديني:"لم يسمع من الأسود بن سريع؛ لأنّ الأسود بن سريع خرج من البصرة أيام علي رضي الله عنه، وكان الحسن بالمدينة". انظر: تحفة التحصيل (ص 71).
وقال أبو عبيد الآجريّ: سألت أبا داود: الحسن سمع من الأسود بن سريع؟ قال: "لا، قال: الأسود بن سريع لما وقعت الفتنة بالبصرة ركب البحر، فلا يدري خبره. قال أبو داود: ما أرى الحسن سمع من الأسود بن سريع. سؤالات الآجري (727).
وأمّا ما جاء التّصريح بالتحديث من الحسن في بعض الرّوايات، منها ما ذكره البخاريّ في "التاريخ الكبير"(1/ 445)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 123)، والبيهقيّ في "القضاء والقدر"(3/ 867) فهو مؤوّل على معناه حدّث أهل البصرة، كقوله:"خطبنا ابن عباس". وهو لم يدركه، فتأولوا: أي خطب أهل البصرة؛ لأنّ الحسن لم يعرف عنه التّعمد في الكذب، وقد أكّد أيضًا البيهقيّ بأنّ الحفّاظ لا يُثْبِتون سماع الحسن من الأسود بن سريع.
وكذلك ما رُوي عن جابر، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "كلُّ مولود يولد على الفطرة، حتى يعرب عنه لسانُه، فإذا أعربَ عنه لسانه إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا".
رواه الإمام أحمد (14805) عن هاشم، حدثّنا أبو جعفر، عن الرّبيع بن أنس، عن الحسن، عن جابر بن عبد اللَّه، فذكره.
وأبو جعفر هو الرّازيّ المشهور بكنيته، واسمه عيسى بن أبي عيسى مختلف فيه، فوثّقه ابن معين وأبو حاتم وابن سعد، وقال أحمد: ليس بقوي، وقال النسائيّ: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: كان ينفرد عن المشاهير بالمناكير، لا يُعجبني الاحتجاج بحديثه إلّا فيما وافق الثقات".