الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
21 - باب ذكر أحاديث القبضتين
• عن أبي موسى الأشعريّ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنّ اللَّه خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر، والأبيض والأسود، وبين ذلك، والسّهل والحزن، والخبيث والطيّب".
صحيح: رواه أبو داود (4693)، والترمذيّ (2958) كلاهما من حديث يحيى بن سعيد، عن عوف ابن أبي جميلة الأعرابيّ، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى الأشعريّ، فذكره، ولفظهما سواء.
وصحّحه ابن خزيمة، وأخرجه في كتاب التوحيد (101، 102) من هذا الوجه، كما أخرجه أيضًا الحاكم (2/ 261) من وجه آخر عن عوف، وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد".
وقال الترمذيّ: "حسن صحيح".
قلت: وهو كما قال، وقسامة بن زهير المازنيّ البصريّ وثّقه العجليّ، وابن سعد، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وبقية رجاله ثقات.
وقوله: "الحزن" أي الخشن والغليظ الطّبع.
• عن أبي الدّرداء، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"خلق اللَّه آدم حين خلقه، فضرب كتفه اليمني، فأخرج ذريّة بيضاء كأنّهم الذّرُّ، وضرب كتفه اليسرى، فأخرج ذريّةً سوداء كأنّهم الْحُمَم. فقال للذي في يمينه: إلى الجنّة ولا أُبالي، وقال للذي في كفِّه اليسرى: إلى النّار ولا أبالي".
حسن: رواه أحمد (27488) عن هيثم -وقال عبد اللَّه بن أحمد: وسمعتُه أنا منه- قال: حدّثنا أبو الرّبيع، عن يونس، عن أبي إدريس، عن أبي الدّرداء، فذكره.
وإسناده حسن للكلام الذي في أبي الرّبيع.
ورواه البزّار -كشف الأستار (2144) - عن إبراهيم، ثنا الهيثم بن خارجة بإسناده، مثله. وقال:"لا نعلمه بروي بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد، وإسناده حسن".
وقال الهيثميّ في "المجمع"(7/ 185): "رواه أحمد، والبزّار، والطّبرانيّ، ورجاله رجال الصّحيح".
• عن أبي نضْرة أنّ رجلًا من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم يقال له: أبو عبد اللَّه دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي، فقالوا له: ما يُبكيك؟ ألم يقلْ لك رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "خذْ من شارِبك، ثم أقرَّه حتّى تلقاني"؟ قال: بلى، ولكنّي سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"إنّ اللَّه قبض بيمينه قبضةً، وأخرى باليد الأخرى، وقال: هذه لهذه، وهذه لهذه، ولا أُبالي". فلا أدري في أيّ القبضتين أنا؟ ! .
صحيح: رواه الإمام أحمد (17593، 17594، 20668) من طرق عن حمّاد بن سلمة، قال: أخبرنا سعيد الجريريّ، عن أبي نَضرة، فذكر مثله.
وسعيد الجريريّ -بضم الجيم، وفتح الرّاء المهملة- هو ابن إياس أبو مسعود، ثقة احتجّ به الشيخان، واختلط قبل موته بثلاث سنين، إِلَّا أنّ اختلاطه لم يكن فاحشًا.
قال أبو حاتم: تغيَّر حفظه قبل موته، فمن كتب عنه قديمًا فهو صالح، وهو حسن الحديث. "الجرح والتعديل"(2/ 1 - 2).
قلت: وممن روى عنه قبل اختلاطه حمّاد بن سلمة، روى له مسلم من رواية حمّاد بن سلمة عنه في كتاب فضائل الصّحابة - باب فضائل أويس القرني (4/ 1968).
وحديث الباب، ذكره الهيثميّ في "المجمع" (7/ 186 - 187) وقال:"رواه أحمد ورجاله رجال الصّحيح".
• عن ابن عمر، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"هؤلاء لهذه، وهؤلاء لهذه". قال: فتفرَّق النَّاسُ وهم لا يختلفون في القدر.
صحيح: رواه البيهقيّ في القضاء والقدر (1/ 275 - 276) عن الحافظ أبي عبد اللَّه، حدّثنا أبو النَّضر الفقيه، حدّثنا أبو جعفر محمد بن عبد اللَّه الحضرميّ، والحسن بن سفيان، قالا: حدّثنا إبراهيم بن سعيد، حدّثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن أيوب وإسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، فذكره.
ورواه أيضًا بإسناده السّابق عن النَّضر بن أحمد البغداديّ الحافظ، حدّثنا إبراهيم بن سعيد، فذكره بإسناده إِلَّا أنّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "هؤلاء اللجنّة ولا أُبالي، وهؤلاء للنَّار ولا أبالي".
وذكره الهيثميّ في "المجمع"(7/ 186)، وعزاه إلى البزّار والطّبراني في الصّغير وقال:"رجال البزّار رجال الصّحيح".
• عن هشام بن حكيم، أنّ رجلًا أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، أنبتدأ الأعمال أم قُضي القضاء؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إنّ اللَّه عز وجل أخذ ذريّة آدم من ظهره، وأشهدهم على أنفسهم، ثم أفاض بهم في كفّيه فقال: هؤلاء للجنّة، وهؤلاء للنَّار، فأهل الجنّة ميسّرون لعمل أهل الجنّة، وأهل النّار ميسّرون لعمل أهل النّار".
حسن: رواه الفريابيّ في القدر (22)، وعنه الآجريّ في الشّريعة (330)، وابن أبي عاصم في السنة (168) كلّهم من حديث عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصيّ، حدّثنا بقية بن الوليد، حدّثنا الزبيديّ، حدّثني راشد بن سعد، عن عبد الرحمن بن قتادة النّصيريّ، عن هشام بن حكيم، فذكره.
وإسناده حسن من أجل عمرو بن عثمان فإنّه "صدوق"، وبقية رجاله ثقات.
وبقية مدلّس، ولكنّه صرّح بالتحديث وقد تُوبع أيضًا، فرواه الفريابيّ (24) من وجه آخر عن راشد بن سعد، بإسناده، مثله.
ومَنْ رواه بخلاف هذا فقد أخطأ، فقد جاء الحديث عن عبد الرحمن، عن قتادة السّلميّ -وكان من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ اللَّه خلق آدم، وأخذ من ظهره، فقال: هؤلاء في الجنّة ولا أبالي، وهؤلاء في النّار ولا أبالي". فقال رجل: يا رسول اللَّه، على ماذا العمل؟ قال:"على مواقع القدر".
رواه الإمام أحمد (17660)، والفريابيّ في القدر (25، 26)، والحاكم (1/ 30) كلّهم من أوجه أخرى عن معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن عبد الرحمن بن قتادة السلميّ، فذكره.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح، قد اتفقا على الاحتجاج بروايته عن آخرهم إلى الصّحابة. وعبد الرحمن بن قتادة من بني سلمة من الصّحابة".
ولكن نقل الحافظ ابن حجر في "التعجيل" في ترجمة عبد الرحمن بن قتادة السلميّ بأنَّه صحابيّ، نزل الشّام، ونقل عن البخاريّ: أنّ الصّواب هو عن راشد عن عبد الرحمن عن هشام". ونقل عن ابن السّكن الاضطراب في الإسناد.
قلت: السّند الأوّل الذي ذكرته وهو أصح ما رُوي به هذا الحديث، وليس فيه اضطراب، والصحيح لا يُعلّل بالضّعيف.
وأمّا ما رُوي عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنّ اللَّه قبض قبضةً فقال: للجنّة برحمتيّ، ونبض قبضةً فقال: للنّار ولا أُبالي". فهو ضعيف.
رواه أبو يعلى من طريق الحكم بن سنان الباهليّ، عن ثابت البنانيّ، عن أنس بن مالك، فذكره.
ومن هذا الطّريق رواه ابن أبي عاصم في السنة (248)، والبيهقي في القضاء والقدر (1/ 263 - 264)، والعقيليّ في الضعفاء (313).
والحكم بن سنان الباهليّ القِرَبيّ -بكسر القاف، وفتح الرّاء- أبو عون أهل العلم مطبقون على تضعيفه منهم: ابن معين، وابن سعد، وأبو داود والنسائيّ. وقال البخاريّ:"عنده وهم كثير". وقال ابن حبان: "ممن تفرّد عن الثقات بالأحاديث الموضوعات لا يشتغل به". وبه أعلّه الهيثميّ في "المجمع"(7/ 186) وقال العقيليّ: "لا يتابع عليه، وقد رُوي في القبضتين أحاديث بأسانيد صالحة".
قلت: هي التي ذكرتُها قبل.
وفي الباب عن عمر بن الخطّاب أنّه سئل عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}
[سورة الأعراف: 172]، فقال عمر بن الخطّاب: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يسأل عنها، فقال رسول اللَّه: صلى الله عليه وسلم: "إنّ اللَّه تبارك وتعالى خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذريّة، فقال: خلقتُ هؤلاء للجنّة، وبعمل أهل الجنّة يعملون. ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذريّةً فقال: خلقتُ هؤلاء للنَّار، وبعمل أهل النّار يعملون". فقال رجل: يا رسول اللَّه، ففيمّ العمل؟ قال: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنّ اللَّه إذا خلق العبد للجنّة استعمله بعمل أهل الجنّة حتّى يموت على عمل من أعمال أهل الجنّة فيدخلُه به الجنّة. وإذا خلق العبد للنَّار استعمله بعمل أهل النّار حتّى يموت على عمل من أعمال أهل النّار فيدخله به النّار".
رواه مالك في القدر (2) عن زيد بن أبي أُنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب، أنه أخبر عن مسلم بن يسار الجهنيّ، أن عمر بن الخطّاب سئل، فذكره.
ومن هذا الوجه رواه أبو داود (4703)، والترمذي (3075)، وابن أبي عاصم في السنة (196)، وصحّحه ابن حبان (6166)، والبيهقيّ في القضاء والقدر (1/ 260 - 263)، والحاكم (1/ 27) وقال:"صحيح على شرطهما".
وردّه الذّهبيّ فقال: "فيه إرسال".
قلت: وهو كما قال، وقال الترمذيّ:"حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر. وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وبين عمر رجلًا".
قلت: قيل: إنّ الرّجل المبهم هو نعيم بن ربيعة، كما رواه أبو داود (4704) من وجه آخر عن زيد بن أبي أَنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مسلم بن يسار، عنه، قال: كنتُ عند عمر ابن الخطّاب، فذكر الحديث، وحديث مالك أتم.
ومسلم بن يسار تفرّد عنه عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب كما قال الذّهبيّ في "الميزان"، وإنّما ذكره ابن حبان في "الثقات" ولم يوثقه أحد يعتدّ به، ولذا قال فيه الحافظ "مقبول". أي لين الحديث لأنّه لم يتابع.
وشيخه نعيم بن ربيعة الأزديّ، قال فيه الذّهبيّ في الميزان:"لا يعرف". وإنّما ذكره ابن حبان في الثقات، هو لين الحديث أيضًا لأنه لم يتابع.
ورجَّح الرّواية المرسلة ابن عبد البر في "التمهيد"(6/ 4 - 5) وقال ابن كثير: "أسقط مالكٌ نعيم بنَ ربيعة عمدًا لما جهل حاله".
ولكن رجَّح الدارقطني الرواية المتصلة بذكر نعيم بن ربيعة على رواية مالك المرسلة، انظر العلل للدّارقطنيّ (2/ 222) وفي جميع الأحوال إسناده ضعيف، وإن كان روى معناه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة، كما قال ابن عبد البر.
وقد رُوي من وجه آخر وفيه إرسال: رواه ابن وهب في القدر (20)، والفريابي في القدر (29،
30)، وابن أبي عاصم في السنة (161، 162) كلّهم من طرق عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطّاب، أنه قال: يا رسول اللَّه، أرأيتَ عملنا هذا على أمر قد فُرغ منه، أم على أمر نستقبله. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"بل على أمر قد فُرغ منه". فقال عمر: ففيمَ العمل إذن؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "كلٌّ لا ينال إِلَّا بالعمل". فقال عمر: إذن نجتهد.
وفيه سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر بن الخطّاب، وله طرق موصولة بذكر أبي هريرة بين سعيد بن المسيب، وبين عمر بن الخطّاب إِلَّا أنّ الدَّارقطنِيّ رجّح إرساله.
وفي الباب أيضًا عن أبي قلابة، قال:"إنّ اللَّه عز وجل لما خلق آدمَ عليه السلام أخرج ذريّته، ثم نثرهم في كفِّه، ثم أفاضهم، فألقى التي في يمينه عن يمينه، والتي في يده الأخرى عن شماله ثم قال: هؤلاء لهذه ولا أبالي، وهؤلاء لهذه ولا أبالي، وكتب أهل النّار وما هم عاملون، وأهل الجنّة وما هم عاملون، وطوى الكتاب ورفع القلم".
رواه ابن وهب في "القدر"(12) عن جرير بن حازم، عن أيوب السَّختيانيّ، عن أبي قلابة، فذكر مثله موقوفًا، ولم يرفعه.
وأبو قلابة هو عبد اللَّه بن زيد بن عمرو الجرميّ، ثقة فاضل، كثير الإرسال كما في التقريب.
ورواه مسدد في "مسنده" كما في "المطالب العالية"(2967) عن حمّاد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي صالح، فذكر مثله موقوفًا، فجعل الأثر لأبي صالح، وهو باذام -ويقال: باذان- مولى أم هانئ - قال الحافظ في "التقريب": "ضعيف، مدلّس". وقال الدَّارقطنيّ: "لا أدري من هو؟ ! ".
وكذلك لا يصح ما رُوي عن أبي هريرة مرفوعًا: "لما خلق اللَّه تعالى آدم ضرب بيده على شقّ آدم الأيمن، فأخرجَ ذروًا كالذّرِّ، قال: يا آدم هؤلاء ذريَّتَك من أهل الجنّة. ثم ضرب بيده على شقّ آدم الأيسر فأخرج ذروًا كالحمم ثم قال: هؤلاء ذريّتك من أهل النّار".
رواه الفريابي في القدر (421) عن محمد بن مصفّي، حدّثنا بقية بن الوليد، حدّثني مبشر بن عبيد، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، فذكره.
وفي إسناده مبشر بن عبيد، رماه الإمام أحمد بالوضع، وقال الدَّارقطنيّ: متروك الحديث، والرّاوي عنه بقية بن الوليد، وفيه كلام وإن كان صرَّح هنا بالتّحديث.
وفي الباب أيضًا عن معاذ بن جبل.
رواه الإمام أحمد (22077)، وفيه البراء الغنوي وهو: ابن عبد اللَّه بن يزيد الغنويّ ضعّفه أبو داود والنسائيّ وغيرهما.
وفي الإسناد الحسن البصريّ وهو لم يدرك معاذ بن جبل.
بهاتين العلّتين علَّله الهيثميّ في "المجمع"(7/ 187) إِلَّا أنّه لم يعزه إلى أحمد، وإنّما عزاه إلى الطّبرانيّ في "الكبير" فقط.