الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصحّحه أيضًا الحاكم (2/ 249) على شرط الشّيخين.
والقوّة هي القدرة.
16 - باب إثبات العلو للَّه تعالى
قال اللَّه تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [سورة البقرة: 255].
وقال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [سورة السجدة: 5].
وقال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ} [سورة المعارج: 4].
وقال تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [سورة النحل: 50].
وقال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [سورة الملك: 16].
• عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"الملائكة يتعاقبون فيكم، ملائكة باللّيل، وملائكة بالنّهار، ويجتمعون في صلاة العصر، وصلاة الفجر، ثم يعرجُ الذين باتوا فيكم، فيسألهم -وهو أعلم بهم- كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".
متفق عليه: رواه مالك في قصر الصّلاة (82) عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، فذكره.
ورواه البخاريّ في المواقيت (555)، ومسلم في المساجد (632) كلاهما من طريق مالك، به، مثله.
• عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ألا تأْمنُوني وأنا أمين مَنْ في السّماء، يأتيني خبرُ السماء صباحًا ومساء؟ ! ".
متفق عليه: رواه البخاريّ في المغازي (4351)، ومسلم في الزكاة (1064: 144) كلاهما من حديث عبد الواحد، عن عمارة بن القعقاع، حدثنا عبد الرحمن بن أبي نُعم، قال: سمعت أبا سعيد، فذكر الحديث في حديث طويل، سيأتي بكامله في كتاب الزكاة.
• عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من تصدّق بعدل تمرة من كسْب طيبٍ، ولا يصعَدُ إلى اللَّه إلّا الطَيَب؛ فإن اللَّه يتقبله بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل".
متفق عليه: رواه البخاريّ في التوحيد (7430) قال: وقال خالد بن مخلد، حدثنا سليمان، حدثني عبد اللَّه بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، فذكره.
قال البخاريّ: ورواه ورقاء، عن عبد اللَّه بن دينار، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"ولا يصعد إلى اللَّه إلّا الطّيب".
ورواه مسلم في الزّكاة (1014) من حديث سعيد بن أبي سعيد، عن سعيد بن يسار، فذكر الحديث إلّا أنه ليس فيه:"ولا يَصْعدُ إلى اللَّه إلّا الطّيب".
• عن أنس بن مالك قال: "كان أبو ذرّ يحدّثُ قصّة المعراج عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وفيها: ثم أخذ جبريلُ بيدي فعرج بي إلى السّماء الدّنيا. . . ".
قال ابن شهاب: وأخبرني ابن حزم، أنّ ابن عباس وأبا حيّة الأنصاريّ كانا يقولان: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ثم عُرج بي حتى ظهرتُ لمستوى أسمع صريف الأقلام".
متفق عليه: رواه البخاريّ في أحاديث الأنبياء (3342)، ومسلم في الإيمان (163) كلاهما من حديث يونس، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك في حديث طويل في قصة الإسراء والمعراج، وسيأتي كاملًا في الموضع المناسب إن شاء اللَّه تعالى.
• عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها، فتأبى عليه إلّا كان الذي في السّماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها".
متفق عليه: رواه مسلم في النكاح (1436: 121) عن ابن أبي عمر، حدّثنا مروان، عن يزيد (يعني ابن كيسان)، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، فذكر الحديث.
ورواه البخاريّ في بدء الخلق (3237)، وفي النكاح (5193) من حديث أبي حازم، ومن حديث زرارة (5194) كلاهما عن أبي هريرة، وفيه:"لعنتها الملائكةُ حتى تصبح"، وفي رواية:"ترجع" ولم يذكر فيه: "الذي في السّماء".
• عن جابر بن عبد اللَّه، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم عرفة:"وأنتم تُسألون عنّي، فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهدُ أنّك قد بلّغتَ وأدّيتَ ونصحت. فقال: بإصبعه السّبابة يرفعها إلى السّماء ويَنْكُتُها إلى النّاس: "اللهم اشهد، اللهمّ اشهد" ثلاث مرّات.
صحيح: طرف من حديث جابر الطّويل في حجّة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، رواه مسلم (1218)، وسيأتي بكامله في كتاب الحجّ.
• عن أنس، أنّ زينب بنت جحش كانت تفخر على أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم تقول: زوّجكن أهاليكنّ، وزوّجني اللَّه من فوق سبع سماوات.
وفي لفظ: تقول: إنّ اللَّه أنكحني في السّماء.
صحيح: أخرجه البخاريّ في التوحيد (7420) عن أحمد: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدميّ:
حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس في قصة زيد بن حارثة الذي جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يشكو، وجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول:"اتقِ اللَّه وأمسك عليك زوجك". وسيأتي تفصيل ذلك في تفسير سورة الأحزاب.
وأحمد في الإسناد هكذا غير منسوب، فقال أبو نصر الكلاباذيّ:"إنّه أحمد بن سيار المروزيّ" وقال الحاكم: "هو أحمد بن نصر النّيسابوريّ".
واللّفظ الثاني أخرجه أيضًا البخاريّ في التوحيد (7421) من وجه آخر عن أنس.
وفي مرسل الشّعبيّ كما ذكره الحافظ في "الفتح"(13/ 412): قالت زينب: يا رسول اللَّه، أنا أعظم نسائك عليك حقًّا، أنا خيرهنّ منكحًا، وأكرمهن سفيرًا، وأقربهنّ رحمًا، فزوجنيك الرّحمن من فوق عرشه، وكان جبريل هو السّفير بذلك، وأنا ابنة عمتك، وليس لك من نسائك قريبة غيري. قال: أخرجه الطبريّ، وأبو القاسم الطّحاويّ في كتاب "الحجّة والتبيان" له.
قلت: أمّا تفسير الطّبريّ فلم أقف فيه على هذا المرسل، ثم وقفتُ عليه في مستدرك الحاكم 4/ 27 فرواه من طريق علي بن عاصم، عن داود بن أبي هند، عن عامر (هو الشعبيّ)، فذكره بمثله.
• عن أبي موسى، قال: قام فينا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: "إنّ اللَّه عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفضُ القسط ويرفعه، يُرفعُ إليه عملُ اللّيل قبل عمل النّهار، وعملُ النّهار قبل عمل اللّيل، حجابُه النّور -وفي رواية: النّار- ولو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه".
صحيح: رواه مسلم في الإيمان (179) من طرق عن أبي معاوية، حدثنا الأعمش، عن عمرو ابن مرّة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى، فذكره.
أبو معاوية هو: محمد بن خازم الضّرير.
وأبو عبيدة هو: ابن مسعود يقال: اسمه عامر، ويقال: لا اسم له.
قوله: "يخفض القسط ويرفعه" قيل: أراد به الميزان، كما قال اللَّه تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [سورة الأنبياء: 47] أي: ذوات القسط وهو العدل. وأراد أن اللَّه يخفض الميزان ويرفعه بما يوزن من أعمال العباد المرفوعة إليه، وبما يوزن من أرزاقهم النازلة من عنده.
وقيل: أراد بالقسط الرّزق الذي هو قسط كلّ مخلوق، يخفضه مرة فيقتره، ويرفعه مرة فيبسطه، يريد أنه مقدّر الرّزق وقاسمه، كما قال تعالى:{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [سورة الرعد: 26].
وقوله: "سُبُحات وجهه" أي نور وجهه، ويقال: جلال وجهه، ومنها قيل:"سبحان اللَّه" إنّما هو تعظيم له وتنزيه، وقول: سبحانك، أي: أنرّهك يا ربٌ من كلّ سُوء. انظر: شرح السنة (1/ 174).
• عن معاوية بن الحكم السّلميّ، قال: كانت لي جاريةٌ ترعى غنمًا لي قبل أُحد والجوانية، فاطلعتُ ذات يوم فإذا الذّئبُ قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجلٌ من
بني آدم آسفُ كما يأسفون، لكني صككتُها صكّةً. فأتيتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فعظَّم ذلك عليَّ. قلتُ: يا رسول اللَّه، أفلا أُعتقها؟ قال:"ائتني بها" فأتيتُه بها، فقال لها:"أين اللَّه؟ " قالت: في السّماء. قال: "من أنا؟ " قالت: أنت رسولُ اللَّه. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة".
صحيح: رواه مسلم في المساجد (537) من طرق عن إسماعيل بن إبراهيم (هو ابن علية)، عن حجّاج الصّواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية ابن الحكم السلميّ، فذكره في حديث طويل، وسيأتي في النهي عن الكلام في الصّلاة.
والحديث رواه مالك في كتاب العتق (8) عن هلال بن أسامة بإسناده، ولكن جعل اسم الصّحابي:"عمر بن الحكم"، وكذا رواه أيضًا الشافعي عن مالك، -ومن طريقه البيهقيّ (7/ 387) - فقال:"عمر بن الحكم".
قال الشافعي: "اسم الرجل "معاوية بن الحكم" كذا روى الزهريّ، ويحيى بن أبي كثير". قال البيهقيّ: كذا رواه جماعة عن مالك (يعني فقالوا: عمر بن الحكم)، ورواه يحيى بن يحيى عن مالك مجوّدًا فقال:"معاوية بن الحكم".
قلت: كذا رواه الدّارميّ في "الرّد على الجهمية"(62) عن يحيى بن يحيى التّيميّ، قال: قرأتُ على مالك بن أنس، بإسناده وفيه:"معاوية بن الحكم".
فالظّاهر أنّ الصّواب هو "معاوية بن الحكم" والذي قال: "عمر بن الحكم" فإمّا أنّه أخطأ على مالك، أو مالك نفسه أخطأ فيه، كما نبّه على ذلك الإمام الشافعيّ وابن الجارود وغيرهما. انظر للمزيد:"التمهيد"(22/ 78 - 80).
• عن أنس، قال: أصابنا ونحن مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مطرٌ، قال: فحسر رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول اللَّه، لم صنعتَ هذا؟ قال:"لأنّه حديث عهد بربِّه تعالى".
صحيح: رواه مسلم في الاستسقاء (898) عن يحيى بن يحيى، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن ثابت البنانيّ، عن أنس، فذكره.
وأخرجه أيضًا عثمان الدّارميّ في "الرّد على الجهميّة"(76) من وجه آخر عن جعفر بن سليمان بإسناده مثله وقال: لو كان على ما يقول هؤلاء الزّائغة: في كلّ مكان، ما كان المطر أحدث عهدًا باللَّه من غيره من المياه والخلائق".
• عن عبد اللَّه بن عمرو قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنّ الرّحم معلقة بالعرش، وليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا انقطعتْ رحمُه وصلَها".
صحيح: رواه الإمام أحمد عن يعلى بن عبيد (6524)، وعن وكيع (6817) كلاهما عن فِطر (وهو ابن خليفة)، عن مجاهد، عن عبد اللَّه بن عمرو، فذكره.
وصحّحه ابن حبان (445)، ورواه من وجه آخر عن فطر بإسناده، مثله.
وقال الذّهبيّ في "العلو"(93): "إسناده قويّ".
وأصله في صحيح البخاري في الأدب (5991) عن محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن الأعمش والحسن بن عمرو وفطر، عن مجاهد، عن عبد اللَّه بن عمرو قال سفيان: لم يرفعه الأعمش إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، ورفعه الحسن وفطر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يذكر الجزء الأول من الحديث الذي هو موضع الشّاهد.
هذا الخلاف في الرّفع والوقف لا يؤثر في صحة الحديث، لأنّ الثقات رفعوه، وهو الصّحيح في مثل هذه الحال.
وذكر الحافظ اختلاف الرّواة، وخلص إلى القول بأن الرّفع هو المعتمد.
• عن ذكوان حاجب عائشة قال: دخل ابن عباس على عائشة وهي تموت فقال لها: كنتِ أحبَّ نساء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم يكن رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يحبُّ إلّا طيبًا، وأنزل براءتك من فوق سبع سماوات، جاء بها الرّوح الأمين، فأصبح ليس مسجدٌ من مساجد اللَّه يذكر فيه اسم اللَّه إلّا وهي تتلى فيه آناء اللّيل وآناء النّهار.
حسن: رواه عثمان بن سعيد الدّارميّ في "الرّد على بشر"(1/ 520)، وفي "الرّد على الجهميّة"(84) عن النّفيليّ، ثنا زهير بن معاوية، ثنا عبد اللَّه بن عثمان بن خُثيم، حدثني عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبي مليكة أنّه حدّثه ذكوان صاحب عائشة، فذكره.
ورواه الإمام أحمد (2496)، والطبرانيّ في الكبير (10/ 390)، وأبو يعلى (2648) كلّهم من طرق عن عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم مطوّلًا.
وإسناده حسن من أجل عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم وهو وإن كان من رجال مسلم إلّا أنه "صدوق" كما في "التقريب".
وأصل القصّة أخرجها البخاريّ في التفسير (4753) من وجه آخر عن ابن أبي مليكة قال: استأذن ابن عباس -قبيل موتها- على عائشة، وهي مغلوبة قالت: أخشى أن يُثني عليَّ. فقيل: ابن عمّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومن وجوه المسلمين. قالت: ائذنوا له، فقال: كيف تجدينكِ؟ قالت: بخير إن اتقيتُ. قال: فأنت بخير إن شاء اللَّه تعالى، زوجةُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم ينكِح بِكرًا غيرك، ونزل عذرُك من السّماء. . . ودخل ابنُ الزبير خلافه، فقالتْ: دخل عليّ ابن عباس فأثنى عليّ، وددتُ أني كنتُ منسيًا منسيًّا. انتهى.
وقوله: "خلافه" أي بعد أن خرج ابن عباس من عندها فتخالفا في الدّخول والخروج ذهابًا وإيابًا.
• عن الشّريد بن سويد الثقفيّ، قال: أتيتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: إنّ أمي أوصتْ أن تُعتق عنها رقبة، وإنّ عندي جاريةٌ نُوبيّةٌ أفيجزي عني أن أعتقها عنها؟ قال:"ائتني بها" فأتيتها بها، فقال:"من ربُّك"؟ قالت: اللَّه، قال:"من أنا؟ " قالت: أنت رسول اللَّه. قال: "فأعتقها فإنّها مؤمنة".
حسن: رواه أبو داود (3283)، والنسائيّ (3653) كلاهما من طريق حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن الشّريد بن سويد، فذكره.
وإسناده حسن من أجل محمد بن عمرو فإنّه حسن الحديث.
والشّريد بن سويد الثقفيّ لا خلاف في صحبته.
ولكن رواه ابن خزيمة في التوحيد (219) من وجه آخر عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن محمد بن الشريد جاء بخادم سوداء عتماء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، إنّ أمي جعلت عليها عتق رقبة مؤمنة، فقال: يا رسول اللَّه، هل يجزئ أن أعتق هذه؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للخادم:"أين اللَّه؟ "، فرفعت رأسها، فقالت: في السماء، فقال:"من أنا؟ " قالت: أنت رسول اللَّه! فقال: "أعتقها فإنّها مؤمنة".
فجعل الحديث من مسند محمد بن الشريد وهو مختلف في صحبته، وأظن أنه سقط فيه:"عن أبيه".
• عن رجل من الأنصار أنه جاء بأمة سوداء وقال: يا رسول اللَّه، إنّ عليّ رقبةً مؤمنةً، فإن كنتَ ترى هذه مؤمنة أعتقتُها؟ فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أتشهدين أن لا إله إلا اللَّه؟ " قالت: نعم. قال: "أتشهدين أني رسول اللَّه؟ " قالت: نعم. قال: "أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟ " قالت: نعم. قال: "أعتقها".
صحيح: رواه الإمام أحمد (15743) عن عبد الرزّاق -وهو في مصنفه (16814) - حدثنا معمر، عن الزُهريّ، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه، عن رجل من الأنصار، فذكره.
ورواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد (223) من طريق عبد الرزاق.
ورواه مالك في العتق (9) عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه مرسلًا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأمّا ما رُوي من طريق المسعوديّ، عن عون بن عبد اللَّه، عن أخيه عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن أبي هريرة، قال: جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بجارية أعجمية. . فذكره، فهو ضعيف.
رواه أبو داود (3284) من طريق يزيد بن هارون، عن المسعوديّ.
ومن هذا الوجه رواه الإمام أحمد (7906)، وابن خزيمة (220)، والبيهقيّ (7/ 388).
والمسعوديّ هو عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود الكوفيّ، وثقه ابن معين وغيره إلّا أنه اختلط لما دخل بغداد، فمن سمع منه بالكوفة والبصرة فسماعه جيد، وكان عبد الرحمن بن مهدي
ويزيد بن هارون ممن سمع منه بعد اختلاطه.
ولعلّ من اختلاطه أنه جعل الأمَة "أعجمية" وهي مخالفة للروايات الصّحيحة، كما أنه جعله من مسند أبي هريرة، والثقات جعلوه من مسند رجل من الأنصار.
وفي معناه ما رُوي عن ابن عباس قال: جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ومعه جارية له سوداء، فقال: إنّ عليَّ رقبة -أحسبه قال: مؤمنة- فهل يجزئ عني هذه؟ فقال لها: "أين اللَّه؟ " قالت: بيدها إلى السماء. قال: "من أنا؟ " قالت: أنت رسول اللَّه، قال صلى الله عليه وسلم:"أعتقها فإنّها مؤمنة".
وفي رواية قال: أني رجلٌ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ على أمي رقبة وعندي أمَةٌ سوداء؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ائتني بها"، فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أتشهدين أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه؟ " قالت: نعم، قال:"فأعتقها".
الرواية الأولى رواها البزار -كشف الأستار (37) -، عن أبي كريب، ثنا أبو معاوية، عن سعيد بن المرزبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكره.
قال الذهبي في كتابه "العرش"(20): "أخرجه العسال بإسناد صحيح عن أبي سعد البقال، عن عكرمة، عن ابن عباس".
قلت: أبو سعد البقّال هو سعيد بن المرزبان العبسيّ مولاهم الكوفي الأعور. قال فيه أبو زرعة: لين الحديث، وقال البخاريّ: منكر الحديث، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: هو في جملة الضعفاء، وفي التقريب:"ضعيف مدلس".
وهل خفي هذا على الذهبيّ، وقد ترجمه في "الميزان" ونقل فيه قول البخاري وابن عدي وغيرهما، وذكر عددا من أحاديثه وحكم عليها بالنكارة؟ ! .
وقال في كتابه "العلو"(1/ 263): "هذا حديث محفوظ عن أبي معاوية، لكن شيخه قد ضُعّف". وهو يقصد به سعيد بن المرزبان.
والرّواية الثّانية رواها أيضًا البزار -كشف الأستار (13) - عن محمد بن عثمان، ثنا عبيد اللَّه، ثنا ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فذكره.
قال الهيثمي في "المجمع"(4/ 224): "رواه الطبرانيّ في الكبير والأوسط والبزار بإسنادين، متن أحدهما مثل هذا، والآخر: فقال لها: "أين اللَّه؟ " فأشارت بيدها إلى السماء. قال: "من أنا؟ " قالت: رسول اللَّه. وفيه سعيد بن أبي سعيد المرزبان وهو ضعيف يدلس وعنعنه، وفيه محمد بن أبي ليلى، وهو سيء الحفظ وقد وُثِّق".
وفي معناه أحاديث أخرى ولا يسلم منها من ضعيف أو مجهول أو انقطاع.
ومن هذه الأحاديث ذكر أئمّة السّلف بأنه يجوز السؤال عن اللَّه تعالى بـ "أين". ويجوز للمسؤول أن يقول: إنه في السماء.
فمن أنكر هاتين المسألتين فإنما ينكر على المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإنّ الأئمّة كانوا يمرون على هذه الأحاديث ولا يتعرضون لها بتأويل ولا بتحريف.
• عن البراء بن عازب، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنّ العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، أنزل اللَّه إليه ملائكة من السماء -فساق الحديث كما سيأتي بكامله في إثبات عذاب القبر- فيخرج روحه، فيصعدون به حتى ينتهوا به إلى السماء، فيستفتح فيفتح له، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول اللَّه عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين في السماء السابعة، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، وأما الكافر قال: ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتحون فلا يُفتح له، ثم قرأ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [سورة الأعراف: 40] ". . . فذكر الحديث.
صحيح: رواه أبو داود (4753) عن هناد بن السّريّ -وهو في زهده (339) - والإمام أحمد (18534) كلاهما -أعني هنّادًا والإمام أحمد- عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء.
انظر تخريجه كاملًا في إثبات عذاب القبر.
وقول اللَّه تعالى: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} : دلالة ظاهرة أن اللَّه عز وجل فوق السماء؛ لأنّ أبواب السماء إنما تفتح لأرواح المؤمنين لرفع أعمالهم إلى اللَّه عز وجل.
• عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، يبلغ به النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"الرّاحمون يرحمهم الرحمن، ارْحمُوا أهلَ الأرض يرحمْكم من في السماء".
حسن: رواه أبو داود (4941)، والترمذيّ (1924) كلاهما من حديث سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس مولى لعبد اللَّه بن عمرو، عن عبد اللَّه بن عمرو، فذكره، واللّفظ لأبي داود.
ومن هذا الوجه أخرجه أيضًا الإمام أحمد (1494)، والدّارميّ في "الرّد على الجهميّة"(69)، وصحّحه الحاكم (4/ 159) وزاد البعض بعد قوله:"من في السّماء": "الرّحم شُجنة من الرحمن فمن وصلها وصله اللَّه، ومن قطعها قطعه اللَّه". قال الترمذيّ: "حسن صحيح".
وجعل الحاكم هذا الحديث وما في الباب كلّها صحيحة.
قلت: إنّما هو حسن فقط من أجل أبي قابوس، ذكره ابن حبان في الثقات (5/ 588)، وترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(9/ 589)، والبخاريّ في "التاريخ الكبير"(7/ 194) وهو لا يرتقي إلى درجة "الثقة"، ولكن لا بأس به في الشّواهد؛ لأنه أتي بما يوافق عليه الثقات، ولذا صحّحه الترمذيّ والحاكم، وقال الذهبي في "الميزان":"لا يعرفه"، وأقرّ في "العلو"(14)
تصحيح الترمذيّ له.
• عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "الميّتُ تحضره الملائكةُ، فإذا كان الرّجل صالحًا، قالوا: اخرُجي أيّتها النّفسُ الطيّبة، كانت في الجسد الطّيّب. . . حتى تخرج، ثم يُعرجُ بها إلى السّماء، فيُفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقولون: فلان، فيقال: مرحبًا بالنّفس الطّيّبة
…
فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السّماء التي فيها اللَّه عز وجل".
صحيح: رواه ابنُ ماجه (4262) عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال: حدّثنا شبابةُ، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، فذكره في حديث طويل سيأتي في الجنائز.
ورواه الإمام أحمد (8769) من وجه آخر عن ابن أبي ذئب، به.
وإسناده صحيح، وأصل الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه (3014)، والحاكم (1/ 352 - 353)، والنسائي (1833) كلهم من وجه آخر عن أبي هريرة، ولم يذكروا:"إلى السّماء التي فيها اللَّه عز وجل".
• عن عبد اللَّه بن عمرو، قال: صلينا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المغرب، فرجع من رجع، وعقَّب من عقَّب، فجاء رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مسرعًا قد حفزه النَّفَس، وقد حسر عن ركبتيه، فقال:"أبشروا هذا ربُّكم قد فتح بابًا من أبواب السّماء يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضةً، وهم ينتظرون أخرى".
صحيح: رواه ابن ماجه (801) عن أحمد بن سعيد الدّارميّ، قال: حدّثنا النّضر بن شُميل، قال: حدّثنا حمّاد، عن ثابت، عن أبي أيوب، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، فذكره.
وإسناده صحيح، وأبو أيوب هو: الأزديّ واسمه يحيى، ويقال: حبيب بن مالك العتكيّ البصريّ من رجال الشّيخين.
ورواه أحمد (6750) عن عفّان، عن حماد -يعني ابن سلمة-، فذكر مثله، وزاد في أول الحديث فضيلة "لا إله إلا اللَّه" وذلك أنّ نوفًا (وهو ابن فضالة البِكاليّ)، وعبد اللَّه بن عمرو -يعني ابن العاص- اجتمعا فقال نوفٌ:"لو أنّ السماوات والأرض وما فيهما وُضع في كفّة الميزان، ووضعت "لا إله إلا اللَّه" في الكفة الأخرى لرجحتْ بهنّ، ولو أنّ السماوات والأرض وما فيهنّ كنّ طبقًا من حديد فقال رجلٌ: "لا إله إلّا اللَّه" لخرقتهنّ حتى ننتهي إلى اللَّه عز وجل. فقال عبد اللَّه ابن عمرو: "جلسنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المغرب" فذكره.
وللحديث أسانيد أخرى غير أنّ ما ذكرته هو أمثلها.
وقوله: "عقّب من عقّب" بالتّشديد هو الجلوس لانتظار الصّلاة التي بعدها، والتعقيب هو: الجلوس في مصلاه بعدما يفرغ من الصّلاة.
• عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول اللَّه، لم أرَكَ تصوم شهرًا من الشّهور ما تصوم من شعبان؟ قال:"ذلك شهرٌ يغفُل النّاسُ عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ ترفع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين، فأحبُّ أن يرفع عملي وأنا صائم".
حسن: رواه النسائي (2357) عن عمرو بن علي، عن عبد الرحمن، قال: حدّثنا ثابت بن قيس أبو الغصن -شيخٌ من أهل المدينة- قال: حدّثني أبو سعيد المقبريّ، قال: حدّثني أسامةُ بن زيد، فذكره.
ورواه الإمام أحمد (21753) عن عبد الرحمن بن مهدي، عن ثابت بن قيس، وزاد في حديثه:"قلت: يوم الاثنين ويوم الخميس؟ فقال: "ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على ربّ العالمين، وأحبُّ أن يعرض عملي وأنا صائم".
وإسناده حسن لأجل ثابت بن قيس فإنه حسن الحديث.
• عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "كان ملك الموت يأتي النّاس عِيانًا، فأتى موسى عليه السلام فلطمه، فذهب بعينه، فعرج إلى ربّه عز وجل وقال: يا ربّ بعثتني إلى موسى فلطمني فذهب بعيني. . . ".
صحيح: ذكره الذّهبيّ في "العلو"(25) من صحيفة همّام بن منبّه وهو فيه (50) وليس فيه: "فعرج إلى ربّه عز وجل" بل ولكن فيه: "فرجع الملك إلى اللَّه عز وجل".
وأصل هذا الحديث في الصّحيحين وغيرهما مرفوعًا وموقوفًا.
فأمّا المرفوع، فرواه مسلم (2373: 158) من طريق عبد الرّزاق، حدثنا معمر، عن همّام بن منبّه قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها: وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (فذكر الحديث) وفيه: "فرجع الملك إلى اللَّه تعالى". وسيأتي الحديث بكامله في فضائل موسى عليه السلام.
وأمّا الموقوف فهو أيضًا ما رواه عبد الرزّاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: أرسل ملك الموت" فذكر الحديث، ولم يرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاريّ في الجنائز (1339)، وفي أحاديث الأنبياء (3407)، ومسلم (2373) كلاهما من طريق عبد الرزّاق وفيه:"فرجع الملك إلى ربّه". وأشار البخاريّ إلى رواية همّام بن منبّه.
ومن طريق عبد الرزّاق رواه أيضًا الإمام أحمد (7646).
والحديث في "المصنف"(20530) عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم هكذا مرفوعًا. وذلك يعود إلى اختلاف الروايات عن عبد الرزاق.
وللحديث طرق أخرى غير أنّ ما ذكرته هو أمثله، وسيأتي ذكر بعض هذه الطّرق في فضائل موسى عليه السلام.
• عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اتقوا دعوات المظلوم، فإنّها تصعد إلى السّماء كأنّها شرار".
صحيح: رواه الحاكم (1/ 29) من طرق عن أبي كُريب، ثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عاصم بن كليب، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، فذكره.
قال الحاكم: "قد احتجّ مسلمٌ بعاصم بن كليب، والباقون من رواة هذا الحديث متفق على الاحتجاج بهم ولم يخرجاه".
وأورده الذهبي في "العلو"(40) وقال: "غريب، وإسناده جيد".
وأورده المنذري في "الترغيب والترهيب"(3414) وعزاه للحاكم وأقرّ بما قال: "وحسين بن علي هو ابن الوليد الجعفيّ مولاهم، وللحديث أسانيد أخرى، وهذا أصحّها".
• عن أبي ذرّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا مكث المني في الرَّحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس فعرج به إلى الرّب في راحته، فيقول: أي ربّ عبدك هذا ذكر أم أنثى، فيقضي اللَّه إليه ما هو قاض، ثم يقول: أي ربّ أشقي أم سعيد؟ فيكتب بين عينيه ما هو لاق".
قال: وتلا أبو ذر من فاتحة التغابن خمس آيات.
حسن: رواه عثمان بن سعيد الدّارميّ في "الرّد على الجهميّة"(94) عن عمرو بن خالد الحرانيّ، ثنا ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن أبي تميم الجيشانيّ، عن أبي ذر الغفاري، فذكره.
وفي الإسناد ابن لهيعة وفيه كلام معروف، ولكن روي هذا الحديث عبد اللَّه بن وهب عنه كما ذكره الحافظ ابن القيم في "شفاء العليل"(ص 20) وروايته عنه مستقيمة.
• عن أنس قال: كنتُ جالسًا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الحلقة إذ جاء رجلٌ فسلّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعلى القوم، فقال: السّلام عليكم، فردّ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"وعليكم السّلام ورحمة اللَّه وبركاته". فلما جلس الرجل قال: الحمد للَّه كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى. فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "كيف قلت؟ ". فردّ على النّبيّ صلى الله عليه وسلم كما قال، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده لقد ابتدرها عشرة أملاك كلّهم حريص على أن يكتبوها، فبادروا كيف يكتبونها حتى رفعوه إلى ذي العزّة فقال: اكتبوها كما قال عبدي".
حسن: رواه النسائيّ في عمل اليوم والليلة (341) عن قتيبة بن سعيد، قال: حدّثنا خلف، عن ابن أخي أنس، عن أنس، فذكره.
وإسناده حسن من أجل خلف وهو ابن خليفة بن صاعد الأشجعيّ مولاهم الواسطيّ، وهو حسن الحديث، قال ابن عدي:"أرجو أنه لا بأس به، ولا أبرئه من أن يخطئ في بعض الأحاديث في بعض رواياته".
قلت: وقد اختلط بأخرة، وأخرج له مسلم من رواية قتيبة عنه.
وصحّحه ابن حبان (845)، والضياء في "المختارة"(1887) كلاهما من حديث قتيبة بن سعيد، به، مثله.
وأخرجه الإمام أحمد (12612) من وجه آخر عن خلف بإسناده، مثله.
والذي رُوي من غير وجهه عن أنس أنّ الرّجل الذي قال ذلك في الصّلاة -كما سيأتي- لا يعارض ما رواه خلف للحمل على التّعدد.
وابن أخي أنس هو حفص بن عمر كما في رواية الإمام أحمد فيكون هو حفص بن عمر بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، وهو ابن أخي أنس لأمّه وهو "صدوق".
وقد صحّح الحاكم (1/ 503) حديثًا له -كما سيأتي في الصّلاة- على شرط مسلم فوهم، فإنّ ابن أخي أنس هذا لم يرو له مسلمٌ، وإنّما روى له أبو داود والترمذيّ والبخاريّ في الأدب المفرد كما رمز له الحافظ في "التقريب".
• عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لما كانت اللّيلة التي أُسري بي فيها، أتَتْ عليَّ رائحةٌ طيّبةٌ، فقلت: يا جبريل ما هذه الرّائحة الطيّبة؟ فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها. قال: قلت: وما شأنُها؟ قال: بينا هي تمشطُ ابنةَ فرعون ذات يومٍ إذْ سقطتِ المدرَي من يدها، فقالت: بسم اللَّه، فقالت لها ابنةُ فرعون: أبي؟ قالت: لا ولكن ربّي وربُّ أبيك اللَّه. قالت: أخبرُه بذلك؟ قالت: نعم، فأخبرتْه فدعاها، فقال: يا فلانة إنَّ لكِ ربًّا غيري؟ قالتْ: نعم، ربّي وربُّك اللَّه، فأمر ببقرة من نحاس فأُحْميت، ثم أمر بها أن تُلقى هي وأولادها فيها. قالت له: إنّ لي إليك حاجةً. قال: وما حاجتُك؟ قالت: أحبُّ أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا. قال: ذلك لك علينا من الحقّ. قال: فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحدًا واحدًا إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضِع، كأنها تقاعستْ من أجله، قال: يا أمَّهْ اقتحمي، فإنّ عذاب الدّنيا أهونُ من عذاب الآخرة فاقتحمتْ". وفي رواية قالت: "ربّي وربُّك الذي في السّماء".
قال ابنُ عباس: تكلّم أربعةٌ صغار: عيسى ابن مريم عليه السلام، وصاحبُ جريج، وشاهد يوسف، وابنُ ماشطة ابنة فرعون.
وفي رواية: قال: والرّابع لا أحفظه.
صحيح: رواه الإمام أحمد (2821)، وأبو يعلى (2517)، والبزّار -كشف الأستار (54) -، والطبرانيّ في الكبير (11/ 451) كلّهم من طرق عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فذكره، واللّفظ لأحمد.
ورواه الدّارميّ في "الرّد على الجهمية"(73)، وأبو يعلى، باللّفظ الثاني وهو:"ربّي وربُّك الذي في السّماء". ومن طريق أبي يعلى أخرجه الذهبيّ في "العلو" وحسّن إسناده.
وإسناده صحيح، عطاء بن السائب ثقة وثّقه الأئمة إلا أنه اختلط لكن حماد بن سلمة روى عنه قبل الاختلاط.
وصحّحه الحاكم (2/ 496) من هذا الوجه.
ولا بأس بالاستشهاد في هذا الباب بحديث جرير بن عبد اللَّه مرفوعًا: "من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء".
أخرجه الطبرانيّ في "الكبير"(2/ 406: 407)، وفي إسناده أبو إسحاق السّبيعيّ، وهو مدلس مختلط، ولم يصرّح بالسّماع.
وبحديث عبد اللَّه بن مسعود مرفوعًا: "من لم يرحم من في الأرض لم يرحمْه من في السّماء". رواه الطبرانيّ في "الكبير"(10/ 183)، وفي الصغير (1/ 101)، وأبو يعلى، والدارميّ في "الرّد على الجهميّة"(74) كلّهم من طريق أبي عبيدة، عن أبيه عبد اللَّه بن مسعود. وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، ففيه انقطاع.
وفي الباب ما رُوي عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن اشتكى منكم شيئًا أو اشتكاه أخ فليقل: ربنا اللَّه الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء، فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا ذنوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمةٌ مِن رحمتك، وشفاءً من شفائك على هذا الوجع، فيبرأ".
رواه أبو داود (3892)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (1037)، وابن عدي في الكامل (3/ 1054)، كلهم من حديث الليث، عن زيادة بن محمد، عن محمد بن كعب، عن فضالة بن عبيد، عن أبي الدرداء فذكره.
وأخرجه الحاكم (1/ 342 - 344) من هذا الوجه، وقال:"احتج الشيخان بجميع رواة هذا الحديث، غير زيادة بن محمد، وهو شيخ من أهل مصر، قليل الحديث"، وتعقبه الذهبي فقال: قال البخاري وغيره: "منكر الحديث".