الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالظّاهر أَنّ الأصل في المدلّس هو التحديث، لأنّ الراويّ يهتم بصيغة الأداء إذا كان شيخه مدلِّسّا، فإذا قال مرة:"حدثنا"، وأخرى:"عن"، فمعناه أنه لم يضبط في المرة الثانية، فما ضبطه لا ينقضه ما لم يضبطه، إِلَّا أَنَّ هذا الحديث معروف من رواية عبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بالعنعنة، ومن طريقه رواه الإمام أحمد (2314)، وابن أبي عاصم في السنة (579)، والطبراني في الكبير (11591)، وابن منده في الرد على الجهمية (12)، وابن خزيمة في التوحيد (136).
وتابعه على التحديث به أحمد بن عبد الجبار، نا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني يعقوب بن عتبة. ومن طريقه رواه البيهقي في الأسماء والصفات (771).
وأحمد بن عبد الجبار وهو العُطارديّ قال فيه الدارقطني: لا بأس به، وضعَّفه غيره إِلَّا أنه روى عن يونس بن بكير مغازي محمد بن إسحاق. قال الحافظ في "التقريب":"ضعيف وسماعه للسيرة صحيح".
وأمّا قول البيهقيّ: هذا حديث يفرّد به محمد بن إسحاق بن يسار بإسناده هذا فهو ليس بصحيح، بل إنه قد توبع.
فقد رواه ابن خزيمة في التوحيد (138) عن أبي هاشم زياد بن أيوب، قال: حدثنا إسماعيل -يعني ابن عليّة- قال: حدثنا عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكر القصة.
قال عكرمة: "فقلت لابن عباس: وتجلد الشّمس؟ فقال: عضضت بهني أبيك! وإنَّما اضطره الراوي إلى أن قال: تجلدُ".
وروى عن هشام بن عروة قال: "حملة العرش: أحدهم على صورة إنسان، والثاني على صورة ثور، والثالث على صورة نَسْر، والرابع على صورة أسد".
قال البيهقيّ: وإنَّما أريد به ما جاء في حديث آخر عن ابن عباس أن الكرسي يحمله أربعة من الملائكة: ملك في صورة رجل، وملك في صورة أسد، وملك في صورة ثور، وملك في صورة نسر، فكأنّه إن صحّ بين: أن الملك الذي في صورة رجل، والملك الذي في صورة ثور يحملان الكرسي من موضع الرجل اليمنى، والملك الذي في صورة النسر، والذي في صورة الأسد وهو اللّيث يحملان من الكرسي موضع الرجل الأخرى، أن لو كان الذي عليه ذا رجلين".
ولا منافاة بينه وبين قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [سورة الحاقة: 17] فهذا خاص بيوم القيامة، وأمّا قبل يوم القيامة فأربعة إن صحّ هذا الحديث كما قال البيهقيّ؛ ولذا لم ير ابن خزيمة التعارض بين الحديث والآية، إلَّا أنه أخّر الجمع بين الحديث والآية في موضع آخر في كتابه.
30 - باب ما جاء في السّاق
قال اللَّه تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} [سورة القلم: 42 - 43].
• عن أبي سعيد قال: سمعتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "يكشِفُ ربُّنا عن ساقه، فيسجد له كلّ مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدّنيا رياءً وسمعةً، فيذهب ليسجدَ فيعود ظهره طبقًا واحدًا".
متفق عليه: رواه البخاريّ في التفسير (4919) عن آدم بن أبي إياس، حدثنا الليث، عن خالد ابن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، فذكره مختصرًا هكذا.
ورواه في التوحيد (7439) عن يحيى بن بكير، حدثنا اللّيث بن سعد، بإسناده مطوَّلًا وهو مذكور في موضعه وفيه:"فيكشف عن ساقه. . . ".
ورواه مسلم في الإيمان (183) من وجه آخر عن زيد بن أسلم، بإسناده وفيه:"فيكشف عن ساق".
• عن أبي هريرة يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا جمع اللَّهُ العباد بصعيد واحد نادى منادٍ: يلحقُ كلُّ قومٍ بما كانوا يعبدون، فيلحق كلُّ قومٍ بما كانوا يعبدون، ويبقى الناسُ على حالهم، فيأتيهم فيقول: ما بال النّاس ذهبوا وأنتم ههنا؟ فيقولون: ننتظر إلهنا، فيقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا تعرّف إلينا عرفناه، فيكشفُ لهم عن ساقه فيقعون سجّدًا، فذلك قول اللَّه تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [سورة القلم: 42]، ويبقى كلُّ منافق فلا يستطيع أن يسجد، ثم يقودهم إلى الجنّة".
حسن: رواه الدّارميّ في سننه (2845) عن محمد بن يزيد البزّار، عن يونس بن بُكير، قال: أخبرني ابن إسحاق، قال: أخبرني سعيد بن يسار، قال: سمعتُ أبا هريرة يقول (فذكر الحديث).
وإسناده حسن من أجل ابن إسحاق وهو مدلس، ولكنّه صرّح بالتحديث فزالت تهمة التدليس.
رواه ابن منده في "الرّد على الجهمية"(8) عن علي بن أحمد بن الأزرق بمصر، ثنا أحمد بن محمد بن مروان. . . ثنا أحمد بن محمد بن أبي عبد اللَّه البغداديّ، ثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قال: "يكشف عز وجل عن ساقه".
وفي الإسناد من لم أعرفه.
• عن عبد اللَّه بن مسعود، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث طويل وجاء فيه: "فيتمثّل لهم الرّبُّ عز وجل فيقول لهم: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ فيقولون: إنّ لنا ربًّا ما رأيناه بعد. فيقول: فيم تعرفون ربَّكم إن رأيتموه؟ قالوا: بيننا وبينه علامة إن رأينا عرفناه. قال: وما هي؟ قالوا: يكشف عن ساقه، قال: فعند ذلك يكشف عن
ساق فيخرُّ كلّ من كان يسجد طائعًا ساجدًا ويبقي فوم ظهورهم كصياصي البقر، يريدون السُّجود فلا يستطيعون. . . ".
وفي رواية: "يكشف اللَّه عن ساقه".
حسن: رواه الطبرانيّ في الكبير (9/ 416 - 421) عن عليّ بن عبد العزيز، ثنا أبو غسان، ثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدالاني، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن مسروق، عن عبد اللَّه بن مسعود فذكره في حديث طويل.
وإسناده حسن من أجل الكلام في أبي خالد الدّالانيّ غير أنه حسن الحديث. انظر تخريجه مفصّلًا في باب رؤية المؤمنين ربَّهم يوم القيامة، وقد أشار البيهقيّ في "الأسماء والصفات"(2/ 182) إلى حديث ابن مسعود هذا المرفوع.
والرّواية الثانية عند عبد اللَّه بن أحمد في السنة (1203).
وقوله: "صياصي البقر" أي قرونها.
قال ابن منده في "الرّد على الجهمية"(ص 36) بعد أن أخرج حديث أبي سعيد الخدريّ: "هذا حديث ثابت باتفاق من البخاريّ ومسلم بن الحجّاج".
وقد اختلف الصّحابة في معنى قوله عز وجل: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} ، فروي عن ابن مسعود ما يوافق المرفوع من طريقه: عبد الرزاق، عن الثوريّ، عن مسلمة بن كهيل، عن أبي الزّعراء، عن ابن مسعود في قوله عز وجل:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قال: "عن ساقيه".
قال ابن منده: "هكذا قراءة ابن مسعود -يَكْشِفُ- بفتح الياء، وكسر الشّين. وعنه أيضًا في قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قال: عن ساقه فيسجد كلُّ مؤمن، ويقسو كلّ كافر فيكون عظما واحدًا".
وقال البيهقيّ في "الأسماء والصّفات"(2/ 182): "اختلفت الرّوايات عن عبد اللَّه بن عباس في قوله تعالى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} فروى أسامة بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} بالياء وضمّها. وقال يعقوب الحضرميّ عن ابن عباس أنه قرأ {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} -تكشف- بالتاء المفتوحة، ومعنى تكشف القيامة عن شدّة شديدة، والعرب تقول: كشف هذا الأمر عن ساق، إذا صار إلى شدّة ومنه قول الشّاعر:
كشفت لهم عن ساقها
…
وبدا من الشّر الصّراح
ذكره ابن جرير الطبريّ في تفسيره، انظر لمزيد من الآثار التي ساقها البيهقيّ في "الأسماء والصفات"(2/ 183).
قلت: هذا التفسير عن ابن عباس بناءً على أنّ السّاق لم ينسب إلى اللَّه سبحانه وتعالى في الآية