الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
37 - باب أنّ أولاد المسلمين والمشركين في الجنّة
• عن سمرة بن جندب، قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم مما يُكثر أن يقول لأصحابه: "هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ ". ثم إنّه قال ذات غداةٍ: (فذكر الرّؤيا) وفيه: "وأمّا الرّجل الطّويل الذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم عليه السلام، وأما الوِلْدان الذين حوله فكلُّ مولود مات على الفطرة". قال: فقال بعضُ المسلمين: يا رسول اللَّه، وأولاد المشركين؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"وأولاد المشركين".
متفق عليه: رواه البخاريّ في التعيير (7047) مطوّلًا، ومسلم في الرؤيا (2275) مختصرًا، كلاهما من حديث أبي رجاء العُطارديّ، عن سمرة بن جندب، فذكر الحديث بطوله، وسيأتي في موضعه.
ورؤيا الأنبياء حقّ؛ ولذا ذهب جمهور المحققين إلى أنّ أولاد المؤمنين والمشركين في الجنّة، ولعلّ هذا آخر الأمرين.
وأمّا ما رُوي عن عائشة أنّها ذكرت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أطفال المشركين فقال: "إن شئتُ أسمعتُكِ تَضاغِيهم في النّار" فهو ضعيف جدًّا.
رواه الإمام أحمد (25743) عن وكيع، عن أبي عقيل يحيى بن المتوكل، عن بُهَيَّة، عن عائشة، فذكرته.
وإسناده ضعيف جدًّا، فإنّ أبا عقيل يحيى بن المتوكّل متروك. قال الإمام أحمد:"يحيى بن المتوكل يروي عن بُهيَّة أحاديث منكرة، وهو واهي الحديث".
ورواه ابن عدي في "الكامل"(7/ 2664) وقال: "هذه الأحاديث لأبي عقيل، عن بُهيّة، عن عائشة غير محفوظة، ولا يروي عن بُهيَّة غير أبي عقيل هذا". وبه أعلّه الهيثميّ في "المجمع"(7/ 217).
وبُهيّة أيضًا مجهولة، انفرد بالرّواية عنها أبو عقيل.
وقوله: "تضاغيهم". من ضغا إذا صاح.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن سلمة بن يزيد الجعفي، قال: انطلقتُ أنا وأخي إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: قلنا: يا رسول اللَّه، إنّ أمَّنا مُليكة كانت تصل الرّحم، وتَقْري الضّيف، وتفعل وتفعل، وهلكتْ في الجاهليّة، فهل ذلك نافعُها شيئًا؟ قال:"لا". قال: قلنا: فإنّها كانت وَأَدَتْ أُختًا لنا في الجاهليّة، فهل ذلك نافعُها شيئًا؟ قال:"الوائِدةُ والموؤودة في النّار، إلَّا أن تدرك الوائدةُ الإسلام فيعفو اللَّهُ عنها".
وفي رواية: فإنّها وَأَدَتْ أُخْتًا لنا في الجاهليّة، فهل ينفع ذلك أختنا؟ . قال:"لا، الوائدةُ والموؤودة في النّار، إلّا أن ندرك الوائدةُ الإسلامَ فتسلم". فلما رأى ما دخل عليهما، قال:"وأمّي مع أمِّكما"
رواه الإمام أحمد (15923)، والطّبراني في الكبير (6319)، والبيهقيّ في القضاء والقدر (3/
884) كلّهم من طريق داود بن أبي هند، عن الشّعبيّ، عن علقمة بن قيس، عن سلمة بن يزيد، فذكره.
وأورده الهيثميّ في "المجمع"(1/ 119) وقال: "رواه أحمد، ورجاله رجال الصّحيح، والطّبرانيّ في الكبير بنحوه".
قلت: وهو كما قال، إلّا أنّ في متنه نكارة، فإنّ الموؤدة -وهي البنت التي تُدفن حيّة- تكون غير بالغة بأيّ ذنب تدخل النّار؟ ! وقد قبَّح اللَّه هذا العمل الشّنيع، فقال:{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)} [سورة التكوير: 8 - 9]. فإذا كانت الموؤدة قتلت بدون ذنب فكيف تدخل النّار؟ ! .
وقد استدلّ ابنُ عباس بهذه الآية الكريمة بأنّ اطفال المشركين في الجنّة، فقال:"من زعم أنّهم في النّار فقد كذب، يقول اللَّه عز وجل: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)} قال ابن عباس: هي المدفونة".
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره.
ويشهد لذلك حديث حسناء بنت معاوية الصريمية قالت: حدّثنا عمّي، قال: قلت للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: "من في الجنّة؟ ". قال: "النبيُّ في الجنّة، والشّهيد في الجنّة، والمولودة في الجنّة، والموؤدة في الجنّة". رواه أبو داود (2521) عن مسدّد، حدّثنا يزيد بن زُريع، حدّثنا عوف، حدّثتنا حسناء بنت معاوية بن سُليم، فذكرته.
وعرف هو الأعرابيّ ومن هذا الوجه رواه أيضًا الإمام أحمد (20583) إلّا أنّ حسناء، ويقال: خنساء مجهولة؛ لأنها لم يرو عنها سوى عوف الأعرابيّ، ولم يوثقها أحد. وعمَّها اسمه أسلم بن سُليم.
قال الحافظ في الإصابة (1/ 39) في ترجمة أسلم بن سليم الصريمي هو: "عمّ خنساء بنت معاوية بن سُليم، سمّاه ابنُ منده، وقال أبو نعيم: لا يصح ذلك - يعني وإنما يروي عن خنساء، عن عمّها غير مسمّى". انتهى.
قلت: حسناء أو خنساء وإن كانت مجهولة، وقال الحافظ في التقريب:"مقبولة". وحسَّن إسنادها في الفتح (3/ 246) إلّا أنّ الحديث له شواهد صحيحة تذكر في مواضعها.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن ابن مسعود مرفوعًا: "الوائدة والموؤدة في النّار". رواه أبو داود (4717) عن إبراهيم بن موسى الرّازيّ، حدّثنا ابن أبي زائدة، حدثني أبي، عن عامر، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (فذكر الحديث).
قال يحيى بن زكريا: قال أبي: فحدّثني أبو إسحاق، أنّ عامرًا حدّثه بذلك عن علقمة، عن ابن مسعود، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد اللَّه السّبيعيّ كان قد اختلط بآخره، وابن أبي زائدة سمع منه بعد الاختلاط، والمتن فيه نكارة، فإنّ الموؤدة لا يقطع لها بالنّار؛ لأنّه لا تكليف قبل البلوغ.