الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعني أنه عند تأليفه كتاب "السنن" أخذ عن هولاء العلماء الثلاثة: مالك وحماد ابن سلمة، وعبد الرزاق نحو الثلث، ولم يذكر أسماء كتبهم.
وكذلك فعل المصنفون الآخرون فلم يذكروا في سياق الإسناد أسماء المواد المكتوبة مثل "الصحيفة الصادقة" لعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، و"صحيفة همام ابن منبه"، فظنَّ كثير من الباحثين والكُتَّاب غير المتخصصين في علم الحديث أن هذه الروايات وصلت إلى مصنفي القرن الثالث شفاهةً، وأبدوا التشكيك في صحتها، والأمر ليس كما ظنُّوا، بل أنها وصلتْ إليهم مكتوبة مع الحفظ والإتقان، وإثبات السماع بالأسانيد المتصلة، وبدون انقطاع.
اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته
كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم حجة، وواجبة الاتباع لمن سمعها منه صلى الله عليه وسلم مباشرةً، وهم الصحابة الكرام، وأما غيرهم من التابعين وأتباعهم، ومن جاء بعدهم فحجة لهم من طريق الرواية كما بيّنتُ، فإذا كان المخبرون ثقات ضابطين وصحَّ الحديثُ فليس له إلا التسليم، وإلا يتعطل العمل بقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة الحشر: 7].
وبالمقابل إذا كان المخبرون ضعفاء متروكين، وجبَ طرحُ خبرِهم وذلك حسبَ درجاتهم في الجرح فيهم؛ لأن المسلمين أوجدوا علم الإسناد في فجر تاريخهم لمعرفة الصحيح من السقيم، فلم يتمكن هولاء أن يقولوا ما شاؤوا.
استعمال الإسناد في النصف الأول من القرن الأول
قال محمد بن سيرين (33 هـ -110 هـ): "كانوا في الزمن الأول لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة سألوا عن الإسناد، ليأخذوا حديث أهل السنة ويدعوا حديث أهل البدع، فإن القوم كانوا أصحاب حفظ وإتقان، ورُبَّ رجل -وإن كان صالحًا- لا يقيم الشهادة ولا يحفظها".
وهو يُحدّث عن الماضي، وفيه ردٌّ على كل من يدعي أن ابتداء الإسناد كان في القرن الثاني، والمراد بالفتنة هي: ما وقع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان في النصف الأول من القرن الأول، لأنها فرّقت الأمة إلى فرقتين أهل السنة وأهل البدعة، فكان من الواجب بعد ذلك، النظرُ في كل راوٍ من حيث القبول
والرد، والمحدثون لم يألوا جهدا في ذلك.
قال البيهقي رحمه الله: "ومن أمعن النظر في اجتهاد أهل الحفظ في معرفة أحوال الرواة وما يُقبل من الأخبار، وما يُردّ، عَلِمَ أنهم لم يألوا جهدًا في ذلك حتى كان الابن يقدح في أبيه إذا عثر منه على ما يوجب ردّ خبره، والأب في ولده، والأخ في أخيه لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، ولا تمنعه في ذلك شجنة رحمٍ، ولا صلة مالٍ"
(1)
.
وقد قيل ليحيى بن سعيد القطان: أما تخشى أن يكون الذين تركت حديثهم خصماءك عند اللَّه؟ فقال: "لأن يكون هولاء خصمائي عند اللَّه أحبّ إليّ من أن يكون خصمي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لم حدّثت عني حديثا ترى أنه كذب؟ ".
لأن الكذابين ما كانوا يبالون بوضع الإسناد للكلام الحسن، يقول محمد بن سعيد الشامي المصلوب:"إني لأسمع الكلمة الحسنة، فلا أرى بأسا أن أُنشيء لها إسنادًا".
قال النسائي: "الكذابون المعروفون بوضع الحديث أربعة: إبراهيم بن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي بخراسان، ومحمد ابن سعيد بالشام".
وكان المحدثون بالمرصاد للكذابين، فكشفوا أمرهم، وكان شعبة رحمه الله شديدًا على الكذابين، كان يذهب إليهم ويقول لهم: لا تحدّث وإلا استعنت عليك بالسلطان.
ويقال: إن أوَّلَ من كذبَ في حديثِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم هو عبدُ اللَّه بنُ سبأ اليهوديُّ كما قال الشعبيُّ، وله أتباع يقال لهم: السبائية، معتقدون ألوهية علي بن أبي طالب، وقد أحرقهم عليٌّ بالنار في ضلالتهم
(2)
.
قال عكرمة كما في صحيح البخاري (6922): أُتِيَ عليٌّ بزنَادِقة فأَحْرَقَهُمْ، فبلغَ ذلك ابنَ عبّاس فقال: لو كنتُ أنا لم أُحَرّقْهم لِنهْي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولقتلتُهم لقولِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"من بدَّلَ دينَهم فَاقْتُلُوهُ".
(1)
مقدمة دلائل النبوة (1/ 47).
(2)
لسان الميزان (3/ 289 - 290).