الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورواه البيهقي في "الأسماء والصفات"(812) من طريق مسلم وقال: قال ابن المديني: "وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا عن إبراهيم بن أبي يحيى. قلت (يعني البيهقي): وقد تابعه على ذلك موسى بن عبيدة الرّبذيّ عن أيوب بن خالد، إلّا أنّ موسى بن عبيدة ضعيف، وروي عن بكر بن الشرود، عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن صفوان بن سُليم، عن أيوب بن خالد، وإسناده ضعيف".
ويرى بعض أهل العلم أن هذا الحديث يشير إلى تدبير الأرض لا الخلق، ولكن يصادم هذا القول قوله تعالى في سورة فصلت:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 9، 10] فجعل تدبير الأرض مع خلقها في أربعة أيام: الأحد والاثنين خلق الأرض، والثلاثاء والأربعاء تدبيرها، ثم قال:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ. . .} [فصلت: 12] أي: بقية اليومين من السنة، وهما: الخميس والجمعة.
هكذا تم خلْق السماوات والأرض وما فيهما في ستة أيام كما نص عليه القرآن في عدة آيات في كتاب اللَّه.
18 - باب نزول الرّب عز وجل إلى السّماء الدّنيا
• عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل اللَّه تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا حين يبقى ثلثُ اللّيل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيبَ له، من يسألني فأُعطيه، من يستغفرني فأغفرَ له".
متفق عليه: رواه مالك في القرآن (30) عن ابن شهاب، عن أبي عبد اللَّه الأغرّ، وأبي سلمة، عن أبي هريرة، فذكره.
ورواه البخاريّ في التهجد (1145) عن عبد اللَّه بن مسلمة، ومسلم في صلاة المسافرين (758) عن يحيى بن يحيى، كلاهما عن مالك، به، مثله.
ورواه مسلم من وجه آخر وفيه من الزيادة: "حتى يُضيء الفجر".
قال أبو عيسى الترمذيّ (3/ 309): "ورُوي هذا الحديث من أوجه كثيرة عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وروي عنه أنه قال: ينزل اللَّه عز وجل حين يبقى ثلث اللّيل الآخر وهو أصح الروايات" انتهى.
• عن أبي سعيد وأبي هريرة، قالا: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنّ اللَّه يمهل حتى إذا ذهب ثلث اللّيل الأوّل نزل إلى السّماء الدّنيا، فيقول: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى ينفجر الفجر".
صحيح: رواه مسلم في صلاة المسافرين (758: 172) من طرق عن جرير، عن منصور، عن أبي إسحاق، عن الأغر أبي مسلم، يرويه عن أبي سعيد، وأبي هريرة، فذكراه.
ورواه أيضًا عن شعبة، عن أبي إسحاق، بهذا الإسناد غير أن حديث منصور أتم وأكثر.
ورواه ابن أبي الدّنيا في التهجد (246) من طريق أبي عوانة، عن أبي إسحاق بإسناده غير أن فيه:"إنّ اللَّه تعالى يهبط إذا ذهب ثلث الأول، وبقي ثلث الليل. . . " والباقي مثله.
ومن هذا الوجه رواه أيضًا الإمام أحمد (8974) غير أنه قال: "إنّ اللَّه يُمهل حتى يذهب ثلثُ الليل، ثم يهبط فيقول: هل من داع، فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ ".
ورواه أيضًا (11295) من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، مثل لفظ مسلم.
• وعن أبي هريرة يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ينزل اللَّهُ في السّماء الدّنيا لشطر اللّيل، أو لثلث اللّيل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيبَ له، أو يسألني فأعطيه، ثم يقول: من يُقْرِضُ غيرَ عديم ولا ظلوم".
صحيح: رواه مسلم في صلاة المسافرين (758: 171) عن حجّاج بن الشاعر، حدّثنا محاضر أبو المورِّع، حدّثنا سعد بن سعيد، قال: أخبرني ابن مرجانة، قال: سمعتُ أبا هريرة، فذكره.
وقوله: "غير عديم" قال أهل اللّغة: يقال: أعدم الرّجل إذا افتقر، فهو معدِم وعديم وعدوم.
• عن أبي هريرة قال: حدّثني رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنّ اللَّه عز وجل إذا كان يوم القيامة نزل إلى العباد ليقضي بينهم".
صحيح: رواه الترمذيّ (2382) عن سويد بن نصر، أخبرنا عبد اللَّه بن المبارك، أخبرنا حيوة بن شريح، أخبرنا الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان المدائني، أنّ عقبة بن مسلم حدّثه، أنّ شُفيًّا الأصبحيّ حدّثه، عن أبي هريرة، فذكره في حديث طويل وهو مذكور في موضعه.
وصحّحه ابن خزيمة (2482)، والحاكم (1/ 418 - 419)، وروياه من وجه آخر عن عبد اللَّه ابن المبارك بإسناده، مثله في حديث طويل.
وإسناده صحيح، والوليد بن أبي الوليد عثمان المدني أبو عثمان، قال فيه ابن حجر:"لين الحديث" والحقّ أنّه ثقة، وثّقه أبو زرعة والذهبيّ في "الكاشف" وغيرهما.
وأصل هذا الحديث في صحيح مسلم من وجه آخر إلا أنه ليس فيه ذكر النزول (1905).
• عن رفاعة الجهنيّ قال: أقبلنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى إذا كُنّا بالكديد -أو قال: بقُديد- فجعل رجالٌ منّا يستأذنون إلى أهليهم، فيَأُذنُ لهم، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فحمد اللَّه، وأثنى عليه، ثم قال:"ما بال رجال يكون في شِقُّ الشجرة التي تلي رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أبغضَ إليهم من الشِّقِ الآخر". فلم نر عند ذلك من القوم إلّا باكيًا، فقال رجل: إنّ الذي يستأذِنُك بعد هذا لسفيهٌ. فحمدَ اللَّه وقال حينئذ: "أشهد عند اللَّه لا يموتُ عبد يشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنّي رسول اللَّه صِدْقًا من قلبه، ثم يُسدِّدُ
إلّا سلك في الجنة". قال: "وقد وعدني ربي عز وجل أن يُدخلَ من أُمّتي سبعين ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب، وإني لأرْجُو أن لا يدخلوها حتى تبوَّءُوا أنتم ومن صلح من آبائكم وأزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة".
وقال: "إذا مضي نصفُ اللّيل -أو قال: ثُلثا اللّيل- ينزلُ اللَّه عز وجل إلى السّماء الدُّنيا، فيقول: لا أسألُ عن عبادي أحدًا غيري، من ذا يستغفرني فأغفر له، من الذي يدْعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأُعطيه حتى ينفجر الصُّبحُ".
صحيح: رواه الإمام أحمد (16215) عن إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثنا هشام الدّستوائيّ، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن رفاعة الجهنيّ، فذكره.
إسناده صحيح، صححه ابن خزيمة وأخرجه في كتاب التوحيد (1/ 289 - 291)، وابن حبان (212) من طرق عن الوليد بن مسلم، قال: حدّثني الأوزاعيّ، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني هلال بن أبي ميمونة، قال: حدثني عطاء بن يسار، قال: حدثني رفاعة بن عرابة الجهنيّ، فذكر الحديث نحوه.
هكذا رواه ابن خزيمة وابن حبان بالتحديث إلى آخر الإسناد.
وهذا الإسناد أصحّ ما جاء به هذا الحديث، وقد صححه شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والحافظ ابن حجر وغيرهم.
ورواه ابن ماجه (1367، 2090) مختصرًا من طريق محمد بن مصعب، عن الأوزاعيّ. ومحمد بن مصعب ضعيف، وبه ضعّفه أيضًا البوصيريّ.
قال فيه صالح بن محمد: "عامة أحاديثه عن الأوزاعيّ مقلوبة".
وقد رُوي هذا الحديث عن عقبة بن عامر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال الدّارقطني في "كتاب النزول"(65) وفيه نظر.
وقال بعد أن أخرج الحديث من طريق علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني هلال بن أبي ميمونة، أن عطاء بن يسار حدّثه، أنّ عقبة بن عامر حدّثه، فذكر الحديث ثم قال:"وروى هذا الحديث جماعةٌ منهم: هشام الدّستوائيّ، وعبد الرحمن الأوزاعيّ، وأبان العطّار، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن رفاعة بن عرابة الجهنيّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو المحفوظ" انتهى.
• عن نافع بن جبير، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"ينزل اللَّهُ عز وجل في كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا فيقول: هل من سائل فأُعطيه، هل من مستغفر فأغفر له، حتى يطلع الفجرُ".
صحيح: رواه الإمام أحمد (16745)، والبزّار -كشف الأستار (3152) -، وأبو يعلى (7408)، والنسائيّ في اليوم واللّيلة (487)، وابن أبي عاصم في "السنة"(507)، والدّارقطني في النزول (4) كلّهم من طريق حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن نافع بن جبير، به، واللّفظ لأحمد.
وصحّحه ابنُ خزيمة، وأخرجه في كتاب التوحيد (1/ 292).
وإسناده صحيح على شرط مسلم، وصحّحه أيضًا الحافظ ابن القيم كما في "مختصر الصواعق"(ص 374).
ولا يُعلُّ هذا بما رواه نافع بن جبير مرةً عن أبيه، ومرةً عن أبي هريرة، وأخرى عن رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فإنّ الرّاوي قد يشك في اسم الصحابي، فمن جزم حجة على من لم يجزم، وأمّا كونه عن أبيه، أو عن أبي هريرة، فلعلّ نافعًا سمع من الاثنين.
ولذا وقع الخلاف في بعض ألفاظ الحديث ففي حديثه عن أبي هريرة: "حتى تُرجل الشّمس" هكذا ذكره ابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/ 294).
وقال: "وبين طلوع الفجر وبين ترجل الشّمس ساعة طويلة. فلفظ خبره الذي روى عن أبيه، أو عن رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم غير مسمّى - غيرُ لفظ خبره الذي روى عن أبي هريرة. فهذا كالدّال على أنّهما خبران لا خبرًا واحدًا".
• عن عليّ بن أبي طالب، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك عند كلّ صلاة، ولأخرتُ العشاء الآخرة إلى ثلث اللّيل، فإنّه إذا مضى ثلث اللّيل الأوّل هبط اللَّه تبارك وتعالى إلى السّماء الدّنيا، فلم يزل هنالك حتى يطلع الفجر يقول: ألا سائل فيُعطى، ألا داعٍ يجاب، ألا مستشفع فيشفَّع، ألا تائب مستغفر فيغفر له".
حسن: رواه البزّار (477، 478) قال: حدثنا سليمان بن سيف الحراني، ثنا سعيد بن بزيع، عن ابن إسحاق، قال: حدثني عبد الرحمن بن يسار، ح. وحدّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريّ، والفضل بن سهل، وأحمد بن منصور، قالوا: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، قال: حدثني عبد الرحمن بن يسار، عن عبيد اللَّه بن أبي رافع، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، فذكر الحديث.
قال البزار: "واللّفظ لفظ سعيد بن بزيع، وهذا الحديث قد رُوي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم من وجوه، لا تعلمه بروي عن علي، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد" انتهى.
وإسناده حسن لأجل سعيد بن بزيع وهو الحرّانيّ، قال فيه أبو زرعة:"صدوق" الجرح والتعديل (4/ 8).
ومحمد بن إسحاق مدلّس إلّا أنّه صرّح بالتحديث.
وعبد الرحمن بن يسار هو القرشيّ مولاهم، عن عبيد اللَّه بن أبي رافع، وعنه ابن أخيه محمد بن إسحاق، وثّقه ابن معين. وذكره ابن حبان في الثقات. انظر:"تعجيل المنفعة"(654).
قلت: هكذا صرّح محمد بن إسحاق في رواية الإمام أحمد (968)، والدّارميّ (1492)، والدّارقطنيّ في "النزول" (1) فقال: حدّثني عمي عبد الرحمن بن يسار إلّا أن أحمد، والدّارميّ لم يذكرا لفظ الحديث، وإنّما أحالا على لفظ أبي هريرة، وحديث أبي هريرة جزء منه سيأتي في كتاب الطهارة - باب السواك، وجزء منه في كتاب الصلاة. المواقيت، والجزء الثالث سبق قريبًا.
الإمام أحمد (967، 10618)، والدّارميّ (1491) جمعاه كله في حديث واحد، وروياه من طريق محمد بن إسحاق، قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عطاء مولى أمّ صُبيّة، عن أبي هريرة.
وعطاء المدنيّ مولى أم صُبيّة مجهول، ومحمد بن إسحاق وإن كان عنعن في بعض الرّوايات، فإنه صرّح أيضًا في البعض الآخر.
• عن ابن مسعود، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان ثلثُ اللّيل الباقي، يهبِطُ اللَّهُ عز وجل إلى السّماء الدّنيا، ثم تُفتح أبوابُ السماء، ثم يبسط يده فيقول: هل من سائل يُعطى سؤلَه، فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر".
حسن: رواه الإمام أحمد (3673، 3821) عن عبد الصّمد، حدّثنا عبد العزيز بن مسلم، حدّثنا أبو إسحاق الهمداني، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، فذكره.
رواه أيضًا أبو يعلى (5319) من هذا الوجه.
قال الهيثمي في "المجمع": "رواه أحمد، وأبو يعلى، ورجالهما رجال الصّحيح".
قلت: وهو كما قال إلّا أنّ فيه أبا إسحاق السّبيعيّ وهو ممن اختلط في آخره، وكان مدلّسًا وقد عنعن.
ولكن رواه أيضًا الإمام أحمد (4268) عن معاوية بن عمرو، قال: حدثنا زائدة، حدثنا إبراهيم الهجري، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إنّ اللَّه عز وجل يفتح أبوابَ السّماء ثلث اللّيل الباقي، ثم يهبط إلى السّماء الدّنيا، ثم يبسط يده ثم يقول: ألا عبد يسألني فأعطيه حتى يسطع الفجرُ".
وهذا إسناد ضعيف للكلام في إبراهيم الهجريّ وهو ابن مسلم العبديّ ضعّفه الجمهور ومشّاه ابنُ عدي فقال: "يكتبُ حديثه مع ضعفه""الكامل"(1/ 211) فإذا ضُمَّ هذا إلى رواية أبي إسحاق يحدث قوّة فيصير الحديث حسنًا.
وأبو الأحوص هو عوف بن مالك بن نضلة الجشميّ.
تعليق: قال الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة: "نشهد شهادةَ مقر بلسانه، مصدِّق بقلبه، مستيقن بما في هذه الأخبار؛ من ذكر نزول الرّب من غير أن نصف الكيفيّة؛ لأنّ نبينا المصطفى لم
يصفْ لنا كيفيةَ نزول خالقنا إلى سماء الدّنيا، وأعلَمنا أنه ينزل، واللَّه جلّ وعلا لم يترك، ولا نبيَّه عليه السلام بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم.
فنحن قائلون مصدِّقون بما في هذه الأخبار، من ذكر النزول غير متكلّفين القول بصفة الكيفية، إذ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية النّزول.
وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصحّ أنّ اللَّه جلّ وعلا فوق سماء الدّنيا الذي خبَّرنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أنه ينزل إليه. إذْ محال في لغة العرب أن تقول: نزل من أسفل إلى أعلى، ومفهومٌ في الخطاب أنّ النّزول من أعلى إلى أسفل". "كتاب التوحيد" (1/ 275).
وفي الباب ما رواه الدّارقطنيّ في كتاب "النزول"(6، 7) قالوا: وحدّثنا محاضر بن المورّع، قال: قال الأعمش: وأري أبا سفيان ذكره عن جابر أنه قال: "ذلك في كلّ ليلة".
ولفظه: "إنّ اللَّه ينزل كلَّ ليلة إلى السّماء الدّنيا لثلث اللّيل فيقول: ألا عبد من عبادي يدعوني فأستجيب له، أو ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له، ألا مُقَتَّرٍ عليه فأرزقه، ألا مظلوم يستنصر فأنصره، ألا عان يدعوني فأفكّ عنه، فيكون ذلك مكانه حتى يُصلّي الفجرُ ثم بعلو ربُّنا عز وجل إلى السّماء العليا على كرسيّه".
رواه عن أحمد بن محمد بن مسعدة، وعبد الرحمن بن الحسن بن أحمد الهمداني، قالا: ثنا إبراهيم بن الحسين الهمدانيّ، قال: ثنا محمد بن إسماعيل الجعفريّ، ثنا عبد اللَّه بن سلمة بن أسلم، عن محمد بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فذكره.
وفي الإسناد محمد بن إسماعيل الجعفريّ، قال فيه أبو حاتم: منكر الحديث. ترجمه الذهبيّ في "الميزان" وقال الحافظ في "اللّسان": قال أبو نعيم الأصبهانيّ: متروك.
قلت: هو محمد بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب. وشيخه عبد اللَّه بن سلمة بن أسلم ضعّفه الدّارقطنيّ، وقال أبو نعيم: متروك. وسلمة تحرّف في كتاب "النزول" إلى "مسلمة".
وفي الإسناد أيضًا رجال لا أعرفهم.
وأصل حديث جابر في "صحيح مسلم" في كتاب صلاة المسافرين (757) من وجهين أحدهما من طريق جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ في اللّيل لساعةً لا يوافقها رجل مسلم يسأل اللَّه خيرًا من أمر الدّنيا والآخرة إلّا أعطاه إياه، وذلك كلّ ليلة".
والوجه الثاني من طريق معقل، عن أبي الزّبير، عن جابر، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"إنّ من اللّيل ساعةً لا يوافقها عبد مسلم يسأل اللَّه خيرًا إلّا أعطاه إيّاه". وليس في أحدهما ذكر نزول اللَّه تبارك وتعالى.
وكذلك ما روي عن عمرو بن عبسة مرفوعًا: "إن اللَّه عز وجل يتدلّي في جوف اللّيل فيغفر إلّا
ما كان من الشّرك والبغي" في حديث طويل سيأتي في كتاب الوضوء -باب ثواب الطهور- وليس فيه هذا اللّفظ.
رواه الإمام أحمد (19433) عن يزيد بن هارون، حدّثنا حريز بن عثمان -وهو الرّحبيّ-، حدّثنا سُليم بن عامر، عن عمرو بن عبسة.
ومن طريق يزيد بن هارون رواه أيضًا الدارقطني في كتاب "النزول"(66، 67)، قال أبو حاتم:"لم يسمع سُليم بن عامر من عمرو بن عبسة".
وإنما الصّحيح في الإسناد هو ما رواه أبو أمامة، عن عمرو بن عبسة السلميّ. رواه أبو داود (1277)، والترمذيّ (3579)، والنسائيّ (572) من طريقه.
ولفظ الحديث: "أقرب ما يكون الرّبُ من العبد في جوف اللّيل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر اللَّه في تلك السّاعة فكن".
وقال: "حسن صحيح غريب من هذا الوجه".
وصحّحه أيضًا ابن خزيمة (1147) ورواه من هذا الوجه.
وكذلك ما روي عن عثمان بن أبي العاص مرفوعًا: "إنّ اللَّه ينزلُ إلى السّماء الدّنيا في كل ليلة فيقول: هل من داع فأستجيب له، هل من مستغفر فأغفر له".
رواه الطبراني (8373)، وابن خزيمة في "كتاب التوحيد"(266)، وابن أبي عاصم (508) كلّهم من طريق حمّاد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص، فذكره.
وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان قال فيه أحمد: ليس بشيء، وقال عثمان الدارمي: ليس بذاك القوي، وقال النسائي: ضعيف.
والحسن هو البصريّ الإمام مدلّس وقد عنعن، واختلف في سماعه من عثمان ابن أبي العاص فأثبته البخاريّ ونفاه غيره.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا الإمام أحمد (16280) من طريق حماد بن سلمة وفيه: "ينادي منادٍ كلّ ليلة. . . " ولم يذكر فيه نزول الربّ عز وجل.
وفي الباب أيضًا عن عبادة بن الصّامت، وأبي الدّرداء.
وكذلك ما رُوي عن عدد من الصّحابة عن نزول الرّب سبحانه وتعالى ليلة النصف من شعبان فلا يصح منه شيء، ومن هؤلاء:
1 -
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ينزلُ ربُّنا وتعالى ليلة النّصف من شعبان فيغفر لكل نفس إلّا مشرك باللَّه ومشاحن".
رواه الدّارميّ في الرّد على الجهميّة (136)، وابن أبي عاصم في "السنة"(509)، والبزّار -
كشف الأستار (2045)، وابن خزيمة في "كتاب التوحيد"(269)، واللالكائيّ في "أصول الاعتقاد"(750) كلّهم من طريق عمرو بن الحارث، عن عبد الملك بن عبد الملك، عن المصعب ابن أبي ذئب، عن القاسم بن محمد، عن أبيه، أو عن عمّه، عن جدّه أبي بكر، فذكر الحديث، واللّفظ للدّارميّ. وفي بعض الرّوايات:"وفي قلبه شحناء".
وإسناده ضعيف فإنّ عبد الملك بن عبد الملك وشيخه المصعب بن أبي ذئب ذكرهما ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل فلم يقل فيهما شيئًا؛ في ترجمة عبد الملك بن عبد الملك إلا قول أبيه: "روى عنه عمرو بن الحارث"(5/ 359)، وقال في ترجمة الثاني (8/ 306 - 307):"مصعب بن أبي ذئب، روي عن القاسم بن محمد، روى عنه عبد الملك بن أبي ذئب، روي عمرو بن الحارث، عن عبد الملك بن عبد الملك، عن مصعب بن أبي ذئب هذا، سمعت أبي يقول: لا يعرف منهم إلّا القاسم بن محمد - يعني في الإسناد".
وهذا صريح في تجهيل عبد الملك وشيخه المصعب بن أبي ذئب.
وقال البخاريّ "في حديثه نظر" يعني حديث عمرو بن الحارث، عن عبد الملك، وقال ابن حبان:"لا يتابع على حديثه". ونقل ابنُ عدي أيضًا وساق الحديث وقال: "هو معروف بهذا الحديث، لا يرويه عنه غير عمرو بن الحارث، وهو حديث منكر بهذا الإسناد". انظر للمزيد: "لسان الميزان"(4/ 67) في ترجمة عبد الملك بن عبد الملك.
وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 67): "هذا حديث لا يصح ولا يثبت". وتعقّب الهيثمي البزّار في قوله: "عبد الملك ليس بمعروف، وقد روي هذا الحديث أهلُ العلم واحتملوه"، فقال:"هذا كلام ساقط". كشف الأستار (2/ 436).
2 -
وعن أبي ثعلبة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان ليلة النصف من شعبان يطلع اللَّه عز وجل إلى خلقه فيغفر للمؤمنين، ويترك أهل الضغائن وأهل الحقد بحقدهم".
رواه ابن أبي عاصم في "السنة"(511)، واللالكائي في "أصول الاعتقاد"(760)، والبيهقي في "فضائل الأوقات"(23) كلّهم من طريق الأحوص بن حكيم، عن مهاجر بن حبيب، عن أبي ثعلبة الخشني، فذكر الحديث واللّفظ لابن أبي عاصم.
وفي إسناده الأحوص بن حكيم العنسيّ الحمصيّ قال النسائيّ: ضعيف. وقال أبو حاتم: ليس بقوي، منكر الحديث. وقال الجوزجانيّ: ليس بالقوي في الحديث. والخلاصة فيه: أنّه ضعيف الحفظ كما في التقريب.
وأورد ابن الجوزيّ هذا الحديث في "العلل المتناهية"(2/ 70) وقال: "هذا حديث لا يصح، قال أحمد بن حنبل: الأحوص لا يُروى حديثُه. وقال يحيى: ليس بشيء. وقال الدّارقطنيّ: منكر الحديث، وقال: مضطرب غير ثابت".
وقال الهيثمي في "المجمع"(8/ 65): "رواه الطبرانيّ، وفيه الأحوص بن حكيم وهو ضعيف".
وأمّا مهاجر بن حبيب فهو أبو ضمرة بن حبيب الزّبيديّ قال أبو حاتم: لا بأس به. الجرح والتعديل (8/ 439 - 440)، ورواه البيهقي أيضًا موقوفًا على مكحول.
3 -
وعن عائشة قالت: فقدت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة، فخرجتُ فإذا هو بالبقيع، فقال:"أكنتِ تخافين أن يحيفَ اللَّه عليك ورسولُه؟ ". قلت: يا رسول اللَّه، ظننتُ أنّك أتيتَ بعض نسائك. فقال:"إنّ اللَّه تبارك وتعالى ينزلُ ليلة النّصف من شعبان إلى السّماء الدّنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب".
رواه الترمذيّ (739)، وابن ماجه (1389) كلاهما من طريق يزيد بن هارون، قال: أخبرنا الحجاج بن أرطاة، عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة، فذكرتِ الحديث، واللّفظ للترمذيّ.
قال الترمذيّ: "حديث عائشة لا نعرفه إلّا من هذا الوجه من حديث الحجّاج، وسمعتُ محمدًا يضعِّفُ هذا الحديث. وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة. وقال محمد: والحجاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير".
قلت: وكلاهما مدلّسان وقد عنعنا.
وأخرجه البيهقيّ في "الشّعب"(3824) وقال: "إنّما المحفوظ هذا الحديث من حديث الحجاج بن أرطاة، عن يحيى بن أبي كثير مرسلًا.
والحديث رواه الإمام أحمد (26018) عن يزيد بن هارون وفيه قالت عائشة: فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلى السّماء.
ومن طريقه رواه ابن الجوزيّ في "العلل المتناهية"(2/ 66) وقال: قال الدّارقطنيّ: "قد روي من وجوه، وإسناده مضطرب غير ثابت".
4 -
عن أبي موسى، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"إنّ اللَّه ليطلع في ليلة النّصف من شعبان فيغفر الجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن".
رواه ابن ماجه (1390) عن راشد بن سعيد بن راشد الرّمليّ، قال: حدّثنا الوليد، عن ابن لهيعة، عن الضّحّاك بن أيمن، عن الضّحّاك بن عبد الرحمن بن عَرْزَب، عن أبي موسى الأشعريّ، فذكر الحديث.
ورواه أيضًا من وجه آخر عن النّضر بن عبد الجبّار، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن الزبير بن سُليم، عن الضّحاك بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: سمعتُ أبا موسى، فذكر نحوه.
وإسناده ضعيف لأجل ابن لهيعة فإنه اضطرب في هذا الإسناد في الأول قال: قال الضّحاك بن عبد الرحمن بن عزرب، عن أبي موسى. وزاد في الثاني:"عن أبيه". مع جهالة عبد الرحمن بن
عزرب والد الضّحاك كما في "التقريب".
وكذلك في الإسناد الأوّل الضّحاك بن أيمن الكلبيّ شيخ ابن لهيعة وهو مجهول أيضًا، ولكن رواه ابن أبي عاصم في "السنة"(510) من طريق ابن لهيعة، عن الربيع بن سليمان، عن الضّحّاك ابن عبد الرحمن، عن أبيه - فزاد فيه:"عن أبيه".
وفي "أصول الاعتقاد" للالكائيّ (763): الزبير بن سليمان، وفي الإسناد الثاني عند ابن ماجه الزبير بن سُليم وهو مجهول أيضًا.
وشيخ شيخه هل رواه عن أبيه أم عن أبي موسى فهو كله يدل على أنْ ابن لهيعة اضطرب فيه اضطرابًا شديدًا.
5 -
وعن معاذ بن جبل، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"يطلع اللَّه إلى خلقه ليلة النّصف من شعبان فيغفر الجميع خلقه إلّا مشرك أو مشاحن".
رواه ابن أبي عاصم في "السنة"(512) عن هشام بن خالد، ثنا أبو خُليد عتبة بن حماد، عن الأوزاعيّ وابن ثوبان، عن مكحول، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل، فذكر الحديث.
ورواه أيضًا ابن حبان في "صحيحه"(5665)، والطبراني في "الكبير"(20/ 109)، والبيهقيّ في فضائل الأوقات (22) كلّهم من هذا الوجه، وزادوا بعد ابن ثوبان:"عن أبيه". والظاهر أنه سقط في "السنة" لأنّ كلَّ مَنْ رواه من طريق شيخ ابن أبي عاصم أثبت ذلك.
قال الهيثميّ في "المجمع"(8/ 65): رواه الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط" ورجالهما ثقات".
قلت: وهو كما قال إلّا أنه لم يتنبّه أنّ في الإسناد انقطاعًا فإن مكحولا لم يلقَ مالك بن يخامر كما قال الذهبيّ.
وقد رُوي موصولًا إلّا أنه لم يصح أيضًا لأن في إسناده سليمان بن أحمد الواسطيّ كذّبه يحيى، وضعفه النسائيّ.
6 -
عن عبد اللَّه بن عمرو، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"يطلع اللَّه عز وجل إلى خلقه ليلة النّصف من شعبان، فيغفر لعباده إلّا الاثنين: مشاحن، وقاتل نفس".
رواه الإمام أحمد (6647) عن حسن، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا حُييّ بن عبد اللَّه، عن أبي عبد الرحمن الحُبليّ، عن عبد اللَّه بن عمرو، فذكره.
وفي الإسناد ابنُ لهيعة وفيه كلام معروف، وشيخه حييُّ بن عبد اللَّه، قال فيه الإمام أحمد: أحاديثه مناكير، وقال البخاريّ: فيه نظر، وقال النسائي: ليس بالقويّ، ومشّاه ابن معين، وابن عدي، وابن حبان، ولذا حسّنتُ حديثه في الشّواهد إذا روى عنه غير ابن لهيعة.
7 -
وعن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا كان ليلة النّصف من شعبان يغفر اللَّه لعباده إلّا لمشرك أو مشاحن".
رواه البزّار -كشف الأستار (2046) - عن أبي غسّان روح بن حاتم، ثنا عبد اللَّه بن غالب، ثنا هشام بن عبد الرحمن، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، فذكر الحديث.
قال البزّار: "لا يتابع هشام على هذا، ولم يرو عنه إلّا عبد اللَّه بن غالب، وابن غالب ليس به بأس". انتهى.
وقال الهيثميّ في "المجمع"(8/ 65): "رواه البزّار، وفيه هشام بن عبد الرحمن، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
وأخرجه ابن الجوزيّ في "العلل المتناهية"(2/ 560) من هذا الوجه.
8 -
وعن عوف بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يطلع اللَّه تبارك وتعالى على خلقه ليلة النّصف من شعبان، فيغفر لهم كلهم إلّا لمشرك أو لمشاحن".
رواه البزار -كشف الأستار (2048) - عن أحمد بن منصور، ثنا أبو صالح الحرّانيّ -يعني عبد الغفار بن داود-، ثنا عبد اللَّه بن لهيعة، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبادة بن نسي، عن كثير بن مرة، عن عوف بن مالك، فذكره.
قال الهيثميّ في "المجمع"(6/ 65): "رواه البزار، وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وثّقه أحمد بن صالح، وضعّفه جمهور الأئمّة، وابن لهيعة ليّن، وبقية رجاله ثقات". انتهى.
وقال أبو محمد الجوهريّ في "المجلس السابع": "إسناده ضعيف". نقله الشيخ الألبانيّ في "الصحيحة"(3/ 137).
9 -
وعن عليّ بن أبي طالب، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا كانت ليلةُ النّصف من شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإنّ اللَّه ينزل فيها لغروب الشّمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا حتى يطلع الفجر".
رواه ابن ماجه (1388) عن الحسن بن علي الخلّال، قال: حدثنا عبد الرزّاق، قال: أنبأنا ابن أبي سبرة، عن إبراهيم بن محمد، عن معاوية بن عبد اللَّه بن جعفر، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب، فذكره.
ومن هذا الوجه أخرجه البيهقيّ في "فضائل الأوقات"(24).
وفي الإسناد ابن أبي سبرة وهو: أبو بكر بن عبد اللَّه بن محمد بن أبي سبرة. قال فيه أحمد: يضع الحديث ويكذب. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ، وهو في جملة من يضع الحديث. وقال ابن حبان: كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحلّ كتابة حديثه، ولا الاحتجاج به بحال.
10 -
عن ابن كردوس، عن أبيه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من أحيى ليلتي العيد، وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب".
رواه ابن الجوزيّ في "العلل المتناهية"(2/ 71) من طريق عيسي بن إبراهيم القرشيّ، عن سلمة بن سليمان الجزريّ، عن مروان بن سالم، عن ابن كردوس، فذكره.
قال ابن الجوزيّ: "هذا حديث لا يصح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفيه آفات. أما مروان بن سالم فقال أحمد: ليس بثقة، وقال النسائيّ والدّارقطني والأزديّ: متروك. وأما سلمة بن سليمان فقال الأزدي: هو ضعيف، وأما عيسى فقال يحيى: ليس بشيء". انتهى.
وفيه أيضًا عن أبي أمامة الباهليّ، وعقبة بن عامر ولا يصح.
وخلاصة القول: إنّه لا يوجد في نزول اللَّه تبارك وتعالى في ليلة النّصف من شعبان وفضله حديث يعتمد عليه. ولكن ورود هذه الأحاديث الكثيرة في نزول اللَّه تبارك وتعالى في ليلة النصف من شعبان يدل على أن له أصلًا. وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة نزول تبارك وتعالى كل ليلة، وليلة النصف من شعبان داخل فيها.
وأما إحياء ليلة النصف من شعبان، وإقامة مجالس الذكر والدعاء، وتقسيم الأطعمة على الفقراء والمساكين وغيرها من أنواع العبادات فلم يرِدُ فيها شيءٌ.
قال العقيليّ في "الضعفاء"(3/ 29): "وفي النزول في ليلة النصف من شعبان أحاديث فيها لين، والرواية في النزول في كل ليلة أحاديث ثابتة صحاح، فليلة النصف من شعبان داخلة فيها إن شاء اللَّه".
وقال القاسميّ في كتابه "إصلاح المساجد": "ونقل عن أهل التعديل والتجريح قولهم: إنه ليس في فضل ليلة النصف من شعبان حديث صحيح".
وقد سئل سماحة الشّيخ ابن باز رحمه الله عن ليلة النّصف من شعبان فأجاب بأن الأحاديث الواردة في ليلة النصف من شعبان كلّها ضعيفة، وأن إحياء هذه اللّيلة بدعة، لم يثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصّحابة إحياء ليلة النصف من شعبان، إنّما روي عن بعض أهل الشّام أنّهم كانوا يجتمعون ليلة النصف من شعبان لإحيائها، وهي كلّها مردودة لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم:"كلّ عمل ليس عليه أمرنا فهو مردود" وأطال رحمه اللَّه تعالى في بيان بدعة إحياء هذه اللّيلة. انظر: مجموع فتاوى ابن باز (1/ 186 - 192).
وهل العرش يخلو من نزوله سبحانه وتعالى أم لا؟
فقول جمهور أهل الحديث أنه لا يخلو.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهو المأثور عن الأئمّة المعروفين بالسنة".
وقال: "ولم ينقل عن أحد منهم بإسناد صحيح ولا ضعيف أن العرش يخلو منه، وما ذكره عبد الرحمن (أي ابن محمد بن إسحاق بن منده الأصبهانيّ المتوفى سنة (470 هـ) من تضعيف الرواية عن إسحاق، فقد ذكرنا الرواية الأخرى الثابتة التي رواها ابن بطّة وغيره. وذكرنا أيضًا