الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والإسلام، وإلَّا فلا؛ لأنَّ اللَّه تعالى يقول:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [سورة الأنفال: 38]، وفي حديث عمرو بن العاص السَّابق:"إنّ الإسلام يهدم ما كان قبله".
• عن ابن شُمَاسةَ الْمَهريّ قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت. فبكى طويلا وحوَّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنُه يقول: يا أبتاه أما بشرّكَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بكذا؟ أمَّا بشّرك رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بكذا؟ قال: فأقبل بوجهه فقال: إنّ أفضل ما نُعدُّ شهادةُ أن لا إله إِلَّا اللَّه، وأنَّ محمدًا رسولُ اللَّه. إنّي قد كنتُ على أطباقٍ ثلاثٍ: لقد رأيتُني وما أحدٌ أشدَّ بُغْضا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منِّي. ولا أحبَّ إليَّ أن أكون قد استمكنتُ منه فقتلتُه. فلو مُتُّ على تلك الحال لكنتُ من أهل النّار، فلمّا جعل اللَّهُ الإسلامَ في قلبي أتيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسُط يمينَك فلأبايِعْك. فبسط يَمينَه. قال: فقبضتُ بدي. قال: "مالك يا عمرو؟ ". قال: قلت: أردتُ أن أشترط. قال: "تشترطُ بماذا؟ ". قلت: أن يُغفَرَ لي. قال: "أما علمتَ أنّ الإسلام يَهْدِم ما كان قبله، وأنَّ الهجرةَ تَهْدِمُ ما كان قبلها، وأنَّ الحجَّ يَهْدم ما كان قبله؟ ". وما كان أحدٌ أحبَّ إليَّ من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا أجلّ في عيني منه. وما كنتُ أطيق أن أملأ عينيَّ منه إجلالًا له، ولو سُئلتُ أن أصفه ما أطقتُ؛ لأني لم أكن أملأُ عينيَّ منه، ولو مُتُّ على تلك الحال لرجوتُ أن أكون من أهل الجنّة. ثمَّ وَلِينا أشياءَ ما أدري ما حالي فيها. فإذا أنا مُتُّ فلا تصحبني نائحةٌ ولا نارٌ، فإذا دفنتموني فشُنُّوا عليَّ التراب شَنًّا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تُنحر جَزور ويُقْسم لَحُمها حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسلَ ربّي.
صحيح: رواه مسلم في الإيمان (121) من طرق عن أبي عاصم الضّحاك، قال: أخبرنا حيدة ابن شريح، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شُماسة، فذكر الحديث.
قوله: "كنت على أطباق ثلاثة" أي أحوال ومنازل، ومنه قول اللَّه تعالى:{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [سورة الانشقاق: 19] أي حالا بعد حال.
قوله: "فشنّوا عليَّ التراب شنًّا" روي بالسين المهملة والمعجمة، فقيل: هما بمعنى واحد، وهو الصّب. وقيل بالمهملة: الصبُّ في سهولة، وبالمعجمة: صبّ في تفريق. وهذه سنة في صبِّ التراب على الميت في القبر، قاله عياض. انظر:"المفهم" للقرطبي (1/ 330).
51 - باب من عمل خيرًا في الكفر ثم أسلم
• عن حكيم بن حزام قال: قلت: يا رسول اللَّه، أرأيت أشياء، كنتُ أتحنّثُ بها
في الجاهليّة من صدقة أو عتاقة، وصلة رحم، فهل فيها من أجْرٍ؛ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:"أسلمتَ على ما سلف من خير".
وفي رواية: أنّ حكيم بن حزام أعتق في الجاهليّة مائة رقبة، وحمل على مائة بعير ثم أعتق في الاسلام مائة رقبة، وحمل على مائة بعير، ثم أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فذكر نحو حديثه.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الزكاة (1436)، ومسلم في الإيمان (123) كلاهما من حديث ابن شهاب الزهريّ، قال: أخبرني عروة بن الزبير، أنّ حكيم بن حزام. . . (فذكر مثله).
والرواية الثانية عند البخاريّ (2538)، ومسلم - كلاهما من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عنه.
وفي رواية قال: "فواللَّه لا أدعُ شيئًا صنعتُه في الجاهليّة إِلَّا فعلتُ في الإسلام مثله".
وقوله: "التحنُّث" التعبّد.
وقوله: "أسلمتَ على ما أسلفتَ من خير" ذهب أكثر أهل العلم إلى تأويله. وقال الحربيّ: "ما تقدّم لك من الخير الذي عملته هو لك كما تقول: أسلمت على ألف درهم، أي على أن أحرزها لنفسه".
قال القرطبي: "وهذا الذي قاله الحربي هو أشبهها وأولاها".
• عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا أسلم العبد فحسُن إسلامه، كتب اللَّه له كلَّ حسنة كان أزلفها، ومحيتْ عنه كلّ سيئة كان أزلفها، ثم كان بعد ذلك القصاص، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها إِلَّا أن يتجاوز اللَّه عز وجل عنها".
صحيح: رواه النسائيّ (4998) من طريق الوليد (هو ابن مسلم)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (24) من طريق إسماعيل بن أبي أويس - كلاهما قالا: حدثنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ، فذكره، ولفظهما سواء.
إِلَّا أن البيهقي قال: "أسنده مالك وأرسله ابنُ عيينة، ثم روى الحديث من طريقه مرسلًا".
قلت: الحُكم لمن أسنده لما فيه من زيادة علم.
وذكره البخاريّ في الإيمان (41) معلقًا عن مالك، ولم يسنده في موضع آخر، إِلَّا أنه أسقط قوله:"كتب اللَّه له كل حسنة كان أزلفها" لأنَّه مشكل على القواعد؛ لأنَّ الكافر لا يثاب على العمل الصالح الصَّادر منه في كفره وشركه، لأنّ من شرط المتقرب أن يكون عارفًا لمن يتقرّب إليه، والكافر ليس كذلك ذكره المازريّ وغيره، وتابعه القاضي عياض على تقرير هذا الإشكال وردَّه النوويُّ فقال: الصواب الذي عليه المحقِّقون -بل نقل بعضُهم فيه الإجماع- أنّ الكافر إذا فعل أفعالًا جميلة كالصّدقة، وصلة الرّحم، ثم أسلم ومات على الإسلام أنّ ثواب ذلك يكتب له. . . . ".