الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتفطّن إلى العلّة الخفيّة، واللَّه أعلم.
والخلاصة أنّ الحديث رُوي بأسانيد كثيرة بعضها حسن بذاته، والبعض الآخر يتقوّى بكثرة شواهده، كما قال الشيخ الملا علي القاري في كتابه "الموضوعات الكبرى" (ص 213):"الحديث ضعيف غير أنّه بتعدّد طرقه يرقى إلى الحسن".
وأمّا معنى الحديث، فكما قال أبو سليمان الخطّابيّ:"إنّما جعلهم مجوسًا لمضاهاة مذهبهم مذاهب المجوس في قولهم بالأصلين، وهما: النور، والظّلمة. ويزعمون أنّ الخبر من فعل النّور، وأنّ الشرّ من فعل الظّلمة، فأقرّوا ثنويّة. وكذلك أهل القدر يضيفون الخير إلى اللَّه، والشّر إلى غيره، واللَّه خالق الخير والشّر". انتهى باختصار. انظر: "القضاء والقدر" للبيهقيّ (2/ 6
81).
8 -
باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمّه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته
• عن عبد اللَّه بن مسعود، قال: حدّثنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-وهو الصّادق المصدوق قال: "إنّ أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مُضغة مثل ذلك، ثم يبعث اللَّه ملكًا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عملَه، ورزقَه، وأجلَه، وشقي، أو سعيد، ثم ينفخُ فيه الرُّوح، فإنّ الرّجل منكم ليعمل حتّى ما يكون بينه وبين الجنّة إلّا ذراع فيسبق عليه كتابه، فيعمل بعمل أهل النّار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النّار إلّا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنّة".
متفق عليه: رواه البخاريّ في القدر (6594)، ومسلم في كتاب القدر (2643) كلاهما من حديث الأعمش، عن زيد بن وهب، قال عبد اللَّه، فذكره. واللّفظ للبخاريّ، ولفظ مسلم نحوه.
• عن عامر بن واثلة أنه سمع عبد اللَّه بن مسعود يقول: "الشّقيُّ مَنْ شَقِي في بطن أمِّه والسَّعيدُ مَن وُعِظ بغيره. فأتى رجلًا من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقال له: حذيفةُ ابنُ أَسِيدٍ الغفاريُّ. فحدَّثه بذلك من قول ابن مسعود، فقال: وكيف يشقى رجلٌ بغير عمل؟ ! فقال له الرّجلُ: أتعجب من ذلك؟ فإنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مرَّ بالنُّطْفة اثنتان وأربعون ليلة بعث اللَّه إليها ملكًا فصوَّرَهَا، وخَلَقَ سمعها وبصرها وجِلْدَها ولَحْمها وعِظامَها، ثم قال: يا ربّ أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربُّك ما شاء، ويكتبُ الملك. ثم يقول: يا ربِّ أجله؟ فيقول ربُّك ما شاء، ويكتب الملك. ثم يقول: يا ربِّ رزْقُه؟ فَيَقْضي ربُّك ما شاء، ويكتبُ الملكُ. ثم يخرج الملك بالصَّحيفة في يده فلا يزيدُ على ما أُمِر ولا يَنْقُص".
صحيح: رواه مسلم في القدر (2645) من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث وابن جريج، كلاهما عن أبي الزّبير، به، مثله.
وهو في "كتاب القدر" لابن وهب (31) من هذا الوجه، وعنده طرق أخرى.
• عن أنس، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنّ اللَّه عز وجل وكَّل بالرَّحم ملكًا يقول: يا ربّ نطفة، يا ربّ علقة، يا ربّ مضغة، فإذا أراد أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ فما الرّزق والأجل؟ فيكتب في بطن أمِّه".
متفق عليه: رواه البخاريّ في القدر (6595)، ومسلم في القدر (2646) كلاهما من حديث حمّاد بن زيد، حدّثنا عبيد اللَّه بن أبي بكر، عن أنس بن مالك، فذكره، ولفظهما سواء.
• عن حذيفة بن أسيد، يبلغ به النّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"يدخل الملك على النّطفة بعدما تستقر في الرَّحم بأربعين، أو خمسة وأربعين ليلة، فيقول: يا ربّ أشقي أو سعيد؟ فيكتبان، فيقول: أي ربّ! أذكر أو أنثى؟ فيكتبان. ويُكتب عملُه وأثرُه وأجلُه ورزقُه، ثم تُطْوى الصُّحُف، فلا يزاد فيها ولا ينقص".
صحيح: رواه مسلم في القدر (2644) من طرق عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي الطّفيل، عن حذيفة بن أسيد، فذكره.
• عن عكرمة بن خالد، أنّ أبا الطّفيل حدّثه قال: دخلتُ على أبي سريحة حذيفة ابن أَسيد الغفاريّ فقال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأذنيَّ هاتين يقول: "إنّ النُّطفة تقع في الرَّحم أربعين ليلة، ثم يتصوّر عليها الملك". قال زهير: حسبتُه قال الذي يخلقها: "فيقول: يا ربّ أذكر أو أنثى؟ فجعله اللَّه ذكرًا أو أنثى، ثم يقول: يا ربّ أسويٌّ أو غير سويٍّ؟ فيجعله اللَّه سويًّا أو غير سويٍّ. ثم يقول: يا ربّ ما رزقه؟ ما أجلُه؟ ما خلُقُه؟ ثم يجعله اللَّه شقيًّا أو سعيدًا".
صحيح: رواه مسلم في القدر (2645: 4) عن محمد بن أحمد بن أبي خلف، حدّثنا يحيى بن أبي بكير، حدّثنا زهير أبو خيثمة، حدّثني عبد اللَّه بن عطاء، أنّ عكرمة بن خالد حدّثه، فذكره.
• عن ابن عمر، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد اللَّه عز وجل أن يخلق النّسمة، قال ملك الأرحام فيها: يا ربّ أذكر أم أنثى؟ فيقضي اللَّه إليه أمره، ثم يقول: يا ربّ أشقي أم سعيد؟ ، فيقضي اللَّه إليه أمره، ثم يكتب بين عينيه ما هو لاق حتى النّكبة يُنكبها".
صحيح: رواه عبد اللَّه بن وهب في "كتاب القدر"(30) ومن طريقه الفريابي في "القدر"(142)،
وابن حبان في "صحيحه"(6178)، واللالكائي في "الاعتقاد"(1051) كلّهم من حديث يونس، عن الزّهريّ، أنّ عبد الرحمن بن هنيدة حدّثه، أن عبد اللَّه بن عمر قال (فذكره). وإسناده صحيح.
وأما قول البزّار -كشف الأستار (2149) -: "لا نعلم رواه عن الزّهريّ، عن سالم، عن أبيه، إلّا صالح (ابن أبي الأخضر) ".
فمتعقّب برواية يونس عن الزّهريّ، كما رواه أيضًا جمعٌ من الرّواة، أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (182، 183، 184)، وغيره وقفه، فإن الذين رفعوه كثيرون وهم ثقات.
قال الهيثمي في "المجمع"(7/ 193): "رواه أبو يعلى، والبزّار، ورجال أبي يعلى رجال الصّحيح".
• عن أبي ذرّ، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دخلتْ - يعني النّطفةُ في الرَّحِم أربعين ليلة، أتى ملكُ النّفس، فعرج إلى الرّب، فقال: يا ربّ عبدك أذكر أم أنثى؟ فيقضي اللَّه ما هو قاضٍ. ثم يقول: أي ربّ أشقي أم سعيد؟ فيكتب بين عينيه ما هو لاقٍ". قال: وتلا أبو ذرّ من فاتحة التّغابن خمس آيات.
حسن: رواه عبد اللَّه بن وهب في "القدر"(36) قال: أخبرني عبد اللَّه بن لهيعة، عن بكر بن سوادة الجذاميّ، عن أبي تميم الجيشانيّ، عن أبي ذر، فذكره.
وإسناده حسن من أجل الكلام في ابن لهيعة غير أنه حسن الحديث إذا روى عنه أحد العبادلة منهم ابن وهب.
ورواه أيضًا الدّارميّ في الرّد على الجهميّة (94) عن عمرو بن خالد الحرّانيّ، ثنا ابن لهيعة، بإسناده، مثله.
ولكن رواه ابن بطّة في "الإبانة"(1417) من طريق ابن وهب.
والفريابي في "القدر"(123) عن قتيبة بن سعيد - كلاهما عن ابن لهيعة بإسناده موقوفًا على أبي ذرّ.
فهل هذا الخلاف يعود إلى ابن لهيعة لأنه اختلط بعد احتراق كتبه أم وقع خطأ في رواية ابن بطّة، فإنّ كلَّ مَنْ رواه من طريق ابن وهب رفعه.
وقد أورده أيضًا الحافظ ابن القيم في "شفاء العليل"(1/ 101) عن ابن وهب مرفوعًا، وهو المعتمد.
وفي الباب ما رُوي عن عائشة مرفوعًا: "إنّ اللَّه تبارك وتعالى حين يريد أن يخلق الخلق، يبعث ملكًا، فيدخل الرَّحم، فيقول: يا ربّ ماذا؟ فيقول: غلام أو جارية، أو ما شاء اللَّه أن يخلق في الرّحم. فيقول: أي ربّ أشقي أم سعيد؟ فيقول: شقي أو سعيد، فيقول: يا ربّ، ما أجله ما خلائقُه؟ فيقول: كذا وكذا. فيقول: يا ربّ ما رزقه؟ فيقول: كذا وكذا. فيقول: ما خُلُقه ما خلائقُه؟ فما من شيء إلّا وهو يخلق معه في الرّحم".