الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب ما جاء أنّ المقام المحمود هو الشّفاعة
إنّ اللَّه تبارك وتعالى وعد نبيَّه صلى الله عليه وسلم بهذا المقام في قوله عز وجل: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [سورة الإسراء: 79].
قال أهل العلم: عسى من اللَّه واجب، لا على الشّك والارتياب.
• وعن ابن عمر، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ما يزال الرّجلُ يسأل النّاس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مُزْعة لحم". وقال: "إنّ الشّمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرقُ نصف الأذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم، ثم بموسى، ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيشفع ليقضي بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه اللَّه مقامًا محمودًا، يحمده أهل الجمع كلهم".
وقال معلى: حدثنا وُهيب، عن النعمان بن راشد، عن عبد اللَّه بن مسلم، أخي الزّهريّ، عن حمزة، سمع ابن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في المسألة.
صحيح: رواه البخاريّ في الزّكاة (1474، 1475) عن يحيى بن بكير، حدّثنا اللّيث، عن عبيد اللَّه بن أبي جعفر، قال: سمعت حمزة بن عبد اللَّه بن عمر، قال: سمعت ابن عمر، فذكره.
وأما في المسألة وحدها فهي متفق عليها. رواه مسلم أيضًا في الزّكاة (1040) من طريق معمر، عن عبد اللَّه بن مسلم بإسناده، كما ذكره البخاريّ.
• عن ابن عمر قال: "إنّ النّاس يصيرون يوم القيامة جُثًا، كلّ أمّة تتبع نبيَّها يقولون: يا فلان، اشفع حتى تنتهي الشّفاعة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه اللَّه المقام المحمود".
صحيح: رواه البخاريّ في التفسير (4718) عن إسماعيل بن أبان، حدّثنا أبو الأحوص، عن آدم بن علي، قال: سمعت ابن عمر يقول (فذكره).
• عن كعب بن مالك، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"يُبعث النّاس يوم القيامة، فأكون أنا وأمّتي على تلٍّ، ويكسوني ربي تبارك وتعالى حُلَّةً خضراء، ثم يؤذنُ لي فأقول ما شاء اللَّه أن أقول، فذاك المقام المحمود".
صحيح: رواه الإمام أحمد (15783)، والطّبرانيّ في الكبير (19/ 72)، وفي الأوسط (8797)، وابن جرير في تفسيره (15/ 48).
وصحّحه ابن حبان (6479)، والحاكم (2/ 363) كلّهم من طرق عن الزّبيدي، عن الزّهريّ، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك، عن كعب، فذكره.
والزّبيدي هو محمد بن الوليد بن عامر.
وإسناده صحيح، وعبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك ثبت سماعه من جدّه. قال الحافظ في "التهذيب":"وقع في صحيح البخاريّ في الجهاد تصريحه بالسّماع من جدّه".
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.
وأورده الهيثميّ في "المجمع"(7/ 51) وقال: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح".
وأورده في موضع آخر (10/ 377) وقال: "رواه الطبرانيّ في "الكبير" و"الأوسط" وإحدى إسنادي "الكبير" رجاله رجال الصحيح".
• عن جابر، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"تمدُّ الأرض يوم القيامة مدًّا لعظمة الرّحمن، ثم لا يكون لبشر من بني آدم إلّا موضع قدميه، ثم أُدعى أول النّاس فأخر ساجدًا، ثم يؤذن لي فأقول: يارب أخبرني هذا -لجبريل- وهو عن يمين الرحمن، -واللَّه ما رآه جبريل قبلها قطّ- إنك أرسلته إلي. قال: وجبريل ساكت لا يتكلم، حتى يقول اللَّه: صدق، ثم يؤذن لي في الشّفاعة، فأقول: يا ربّ عبادك عبدوك في أطراف الأرض، فذلك المقام المحمود".
صحيح: رواه الحاكم (4/ 570) عن إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعرانيّ، ثنا جدي، ثنا إبراهيم ابن حمزة الزّبيديّ، ثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن علي بن حسين، عن جابر، فذكره.
قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد أرسله يونس بن يزيد، ومعمر بن راشد عن الزّهريّ".
قلت: حديث يونس بن يزيد رواه الحاكم من طريق ابن وهب، عنه، عن ابن شهاب، عن علي ابن الحسين، عن رجل من أهل العلم -ولم يسمِّه-.
وحديث معمر، رواه عبد الرزاق عنه، عن الزهريّ، عن علي بن الحسين، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فذكره.
وهو في تفسير عبد الرزاق (1/ 387) عن معمر. ومن طريقه ابن جرير الطبريّ في "تفسيره"(15/ 49).
ولفظه: "إذا كان يوم القيامة مدّ اللَّه الأرض مدّ الأديم حتى لا يكون البشر من النّاس إلا موضع قدميه". قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "فأكون أول من يُدعى، وجبريل عن يمين الرّحمن، واللَّه ما رآه قبلها. فأقول: أي ربّ، إن هذا أخبرني أنك أرسلته إليَّ؟ فيقول اللَّه عز وجل: صدق. ثم أشفع، قال: فهو المقام المحمود".
وقد جاء في روايات أخرى عن ابن شهاب، عن علي بن الحسين، عن رجل من الصّحابة كما عند البيهقيّ في "البعث"(303).
فالظّاهر أن المبهم في الإسناد هو صحابي، وقد يكون هو جابر كما في رواية إبراهيم بن سعد، ولعلّ الزهريَّ سماه مرة وأبهمه أخرى. وإبراهيم بن سعد حجة ثقة فزيادته مقبولة.
وقد جاء هذا المعنى عن حذيفة موقوفًا عليه، وهو ما رواه أبو داود الطّيالسيّ في مسنده (414)، والنّسائيّ في الكبرى (11294)، والبزّار (2926)، والطبريّ في تفسيره (15/ 44) كلّهم من حديث شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت صلة بن زفر يحدّث عن حذيفة، قال: يُجمع النّاس في صعيد واحد فلا تكلَّم نفسٌ، فيكون أول مدعُوٍّ محمد صلى الله عليه وسلم فيقول:"لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشّر ليس إليك، والمهديُّ من هديت، وعبدك بين يديك، أنا بك وإليك، وتباركت ربّنا وتعاليت، سبحانك ربّ البيت" فذلك قوله عز وجل: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [سورة الإسراء: 79].
ورواه الحاكم (2/ 363) من وجه آخر عن أبي إسحاق بإسناده، وقال:"صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة".
قلت: هذا هو الصحيح بأن هذا الحديث روي موقوفًا على حذيفة، وهو الذي رجّحه أبو حاتم حين سأله ولده عن حديث رواه حماد بن سلمة، عن عبد اللَّه بن المختار، عن أبي إسحاق، عن صلة، عن حذيفة، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال (فذكر الحديث). فقال:"لا يرفع هذا الحديث إلّا عبد اللَّه بن المختار، وموقوف أصح". العلل (2140).
قلت: هذا المرفوع رواه ابن أبي عاصم في السنة (789) عن محمد بن أبي مخلد الواسطيّ، حدثنا أبي، ثنا حماد بن سلمة، بإسناده وفيه من لا يعرفون.
وقد جاء الرّفع أيضًا من طريق ليث بن أبي سليم، عن أبي إسحاق بإسناده.
رواه الطبراني في "الأوسط"(1058)، والحاكم (4/ 573)، وفيه ليث بن أبي سليم، ضعيف.
والخلاصة أن حديث حذيفة موقوف إلا أن يقال: حكمه الرّفع لأنّ مثل هذا لا يقال بالرّأي، ولذا يرى كثير من أهل العلم أن تفسير الصحابي بالغيبيات في حكم الرّفع، وله أمثلة في الصحاح، وهو شاهد قوي لمن قال: المراد بالمقام المحمود الشفاعة.
قال ابن جرير الطبريّ: "وهو قول أكثر أهل العلم".
وفي الباب عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [سورة الإسراء: 79] قال: "هو المقام الذي أشفع فيه لأمّتي".
رواه الترمذيّ (3137)، والإمام أحمد (9684، 9735)، وابن خزيمة في التوحيد (610)، وابن أبي عاصم في السنة (784)، والآجريّ في الشريعة (1099)، وابن جرير الطّبريّ (15/ 47) كلّهم من طريق داود الأوديّ الزغافري، عن أبيه، عن أبي هريرة، فذكره.
قال الترمذي: "هذا حديث حسن، وداود الزغافريّ هو داود بن يزيد بن عبد اللَّه الأوديّ، وهو عبد اللَّه بن إدريس".
قلت: حديث حسن لشواهده، وأما هذا الإسناد فهو ضعيف من أجل داود الأودي فإن أهل العلم مطبقون على تضعيفه.
وقول ابن جرير الطبريّ: "صحّ الخبر عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم". ثم أخرج هذا الحديث من الطّريق نفسه، فلعله يشير إلى أصل الحديث فإنه صحيح ثابت. وأما حديث أبي هريرة بهذا الإسناد فليس بصحيح.
وفيه أيضًا عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر"، قال:"فيفزع النّاس ثلاث فزعات، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبونا آدم فاشفع لنا إلى ربّك فيقول إني أذنبت ذنبا أهبطت منه إلى الأرض ولكن ائتوا نوحًا، فيأتون نوحًا فيقول: إنّي دعوتُ على أهل الأرض دعوة فأهلكوا، ولكن اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقول: إني كذبت ثلاث كذبات -ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين اللَّه- ولكن ائتوا موسى. فيأتون موسى فيقول: إني قد قتلتُ نفسًا، ولكن ائتوا عيسى. فيأتون عيسى فيقول: إنّي عُبدتُ من دون اللَّه، ولكن ائتوا محمّدًا". قال: "فيأتونني فأنطلق معهم" قال ابن جُدعان: قال أنس: فكأني أنظر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "فآخذُ بِحَلْقة باب الجنة فأُقَعْقِعُها. فيقال: مَنْ هذا؟ فيقال: محمّد، فيفتحون لي، ويرحِّبون، فيقولون: مرحبًا. فأخرُّ ساجدًا فيلهمني اللَّهُ من الثّناء والحمد، فيقال لي: ارْفعْ رأسَكَ سَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، وقُلْ يُسْمَع لقولك. وهو المقام المحمود الذي قال اللَّه: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [سورة الإسراء: 79] ".
رواه الترمذيّ (3148) عن ابن أبي عمر، حدّثنا سفيان، عن علي بن زيد بن جُدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ، قال (فذكره). قال الترمذيّ:"حديث حسن".
قلت: بل هو ضعيف؛ لأنّ فيه عليّ بن زيد بن جدعان ضعيف، إلّا أن الترمذيّ كان حسن الرّأي فيه، فقال:"صدوق". ولعله لهذا السبب حسّنه.
ثم قال الترمذيّ: "وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أبي نضرة، عن ابن عباس، الحديث بطوله" انتهى.
قلت: وهو كما قال، فقد رواه الإمام أحمد (2546)، وأبو يعلى (2328)، والطيالسي (2711) كلهم من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة، فقال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنه لم يكن نبيٌّ إلّا له دعوة قد تنجّزها في الدنيا، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي وأنا سيّد ولد آدم. . . ". فذكر الحديث بطوله.
وفيه علي بن زيد وهو ابن جدعان ضعيف كما مضى.
وفي الباب أيضًا ما روي عن ابن مسعود قال: جاء ابنا مُلَيْكة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالا: إنّ أمَّنا كانت تكرم الزَّوج، وتعطف على الولد. قال: وذكر الضيف غير أنّها كانت وأَدَتْ في الجاهليّة! قال:
"أمُّكُمَا في النّار". فأدبرا والشّر يُرى في وجوههما، فأمر بهما فَرُدًا فرجعا والسّرور يُرى في وجوههما رَجَيَا أن يكون قد حَدَثَ شَيْءٌ فقال:"أُمّي مع أمِّكما". فقال رجل من المنافقين: وما يغني هذا عن أمِّه شيئًا ونحن نطأ عقبيه. فقال رجل من الأنصار -ولم أر رجلًا قط أكثر سؤالا منه-: يا رسول اللَّه، هل وعدك ربُّك فيها أو فيهما؟ قال: فظن أنه من شيء قد سمعه، فقال:"ما سألتُه ربّي وما أطمعني فيه، وإنّي لأقومُ المقام المحمود يوم القيامة". فقال الأنصاريّ: وما ذاك المقام المحمودُ؟ قال: "ذاك إذا جيء بكم عراة حفاة غُرْلًا، فيكون أول من يُكسى إبراهيم، يقول: أُكْسُوا خليلي، فيؤتى بريطتين بيضاوين، فيلبسهما ثم يقعد فيستقبل العرش؟ ثم أوتَى بكسوتي فألبسها فأقوم عن يمينه مقامًا لا يقومه أحدٌ غيري يغبطني به الأولون والآخرون". قال: "ويفتح نهر من الكوثر إلى الحوض". فقال المنافقون: فإنّه ما جرى ماء قطّ إلّا على حال أو رَضْراض. قال: يا رسول اللَّه، على حال أو رضراض؟ قال:"حالُه المسك، ورَضْراضُه التُّوم". قال المنافق: لم أسمع كاليوم قلما جرى ماء قط على حال أو رضراض إلا كان له نَبْت. فقال الأنصاريّ: يا رسول اللَّه، هل له نبت؟ قال:"نعم قضبان الذّهب". قال المنافق: لم أسمع كاليوم فإنه قلّما نبت قضيب إلّا أوْرَقَ وإلا كان له ثَمر. قال الأنصاريّ: يا رسول اللَّه هل من ثمر؟ قال: "نعم ألوانُ الجوهر، وماؤُه أشدُّ بياضًا من اللّبن وأحلى من العسل، إنّ من شرب منه مَشْربًا لم يظمأ بعده، وإنْ حُرِمَهُ لم يَرْوَ بعده".
رواه الإمام أحمد (3787)، والبزار -كشف الأستار (3478) - والطبراني في الكبير (10/ 98) كلهم من طريق عارم بن الفضل، حدثنا سعيد بن زيد، حدّثنا علي بن الحكم البنانيّ، عن عثمان، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود، فذكره.
وإسناده ضعيف من أجل عثمان وهو ابن عُمير -بالتصغير- البجليّ أبو اليقظان الكوفي الأعمى اختلط، وكان يدلس ويغلو في التشيع، جمهور أهل العلم مطبقون على تضعيفه.
قال البزار: لا نعلمه يُروي بهذا اللفظ من حديث علقمة عن عبد اللَّه إلا في هذا الوجه، وقد روى الصعق بن حزن عن علي بن الحكم، عن عثمان بن عمير، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه، وأحسب أن الصعق غلط في هذا الإسناد".
ومن طريق الصعق بن حزن. أخرجه الآجري في الشريعة (1096)، والحاكم (2/ 364)، وقال الحاكم:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعثمان بن عمير هو ابن اليقظان". كذا قال والصواب: أبو اليقظان.
وتعقبه الذهبي فقال: "لا واللَّه فعثمان ضعفه الدارقطني والباقون ثقات".
وأورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 362) وقال بعد أن عزاه لأحمد والبزار والطبراني: "وفي أسانيدهم كلهم عثمان بن عمير وهو ضعيف".