الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (218).
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدًّا، ستأتي في مواضعها إن شاء اللَّه تعالى.
14 - باب ما جاء في إثبات العلم للَّه تعالى
قال اللَّه تعالى فيما يقوله حملة العرش: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [سورة غافر: 7].
وقال اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [سورة لقمان: 34].
وقال تعالى: {إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ} [سورة الملك: 26].
وقال تعالى: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [سورة الجاثية: 23].
قال ابن عباس: "أضلّه اللَّه في سابق علمه".
وقال في قوله تعالى: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [سورة طه: 7]: "يعلم ما أسرّ ابن آدم في نفسه، وما خفي على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعمله، فاللَّه تعالى يعلم ذلك كلّه، وعلمه فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد".
وقال أيضًا: "فإنّه يعلم السّر في نفسك، ويعلم ما تعمل غدًا".
وحكى المزنيّ عن الشّافعيّ في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} [سورة البقرة: 143]: يقول: "إلّا لنعلم أن قد علمتم من يتبع الرّسول، وعلم اللَّه تعالى كان قبل اتباعهم وبعده سواء. وقال غيره: إلا لنعلم من يتبع الرسول بوقوع الاتباع منه كما علمناه قبل ذلك أنه يتبعه". انظر: الأسماء والصفات" (1/ 310 - 311).
وقال مالك رحمه اللَّه تعالى: "اللَّه في السّماء، وعلمه في كلّ مكان لا يخلو منه شيءٌ". "السنة لعبد اللَّه بن أحمد"(532).
• عن أبي بن كعب، قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكر قصة موسى والخضر عليهما السلام وجاء فيه: "فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، ليس لهما سفينة، فمرّت بهما سفينة فكلّموهم أن يحملوهما، فعُرف الخضر فحملوهما بغير نَولٍ، فجاء عصفور فوقع على حرف السّفينة، فنقر نقرَةٌ أو نقرتين في البحر، فقال الخضر: يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم اللَّه إلا كنقرة هذا العصفور في البحر".
متفق عليه: رواه البخاريّ في العلم (122)، ومسلم في الفضائل (2380) كلاهما من حديث سفيان بن عينة، قال: حدثنا عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: إنّ نوفًا البكالي يزعم أنّ موسى ليس بموسى بني إسرائيل، إنما هو موسى آخر؟ فقال: كذب عدوُّ اللَّه!
حدّثنا أُبي بن كعب، قال (فذكر الحديث بطوله).
ونوف هو ابن فضالة الحميريّ البكاليّ -بفتح الموحدة وكسرها وتخفيف الكاف، منسوب إلى بكال بطن من حمير- وهو ابن امرأة كعب الأحبار. ذكره خليفة في الطبقة الأولى من الشاميين، وعن أبي عمران الجوني: كان نوفٌ ابن امرأة كعب أحد العلماء، وعن يحيى بن أبي عمرو الشّيبانيّ: كان نوف إمامًا لأهل دمشق.
ووقع ذكره في الصحيحين في هذا الحديث، وإنّما كذّبه ابن عباس لأنه رواه عن أهل الكتاب وهم كذبوا على موسى عليه السلام، وإلّا فهو تابعيّ فاضل.
وقوله: "ما نقص علمي وعلمك من علم اللَّه" لفظ النّقص ليس على ظاهره، لأنّ علم اللَّه لا يدخله النّقص.
قال أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: هذا له وجهان:
أحدهما: أنّ نقر العصفور ليس بناقص للبحر فكذلك علمنا لا ينقص من علمه شيئًا، وهذا كما قيل:
ولا عيب فينا غير أنّ سيوفنا
…
بهنٌ فلول من قراع الكتائب
أي ليس فينا عيب. وعلى هذا قول اللَّه عز وجل: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا} [مريم: 62] أي لا يسمعون فيها لغوًا البتّة.
والآخر: أنّ قدر ما أخذناه جميعًا من العلم إذا اعتبر بعلم اللَّه عز وجل الذي أحاط بكلّ شيء، لا يبلغ من علم معلوماته في المقدار إلّا كما يبلغ أخذ هذا العصفور من البحر، فهو جزء يسير فيما لا يدرك قدره، فكذلك القدر الذي علّمناه اللَّه تعالى في النسبة إلى ما بعلمه عز وجل كهذا القدر اليسير من هذا البحر، واللَّه ولي التوفيق. انظر: الأسماء والصفات للبيهقيّ (1/ 297).
ثم قال البيهقي: "وقد رواه حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير مبيّنًا إلّا أنّه وقفه على ابن عباس رضي الله عنهما".
ثم قال: أخبرناه أبو عبد اللَّه الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا إسماعيل بن الخليل، أنا علي بن مسهر، أنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما موسى يخاطب الخضر، والخضر يقول: ألستَ نبي بني إسرائيل؟ فقد أوتيتَ من العلم ما تكتفي به. وموسى يقول له: إنّي قد أُمرتُ باتباعك، والخضر يقول: إنك لن تستطيع معي صبرًا. قال: فبينا هو يخاطبه إذ جاء عصفورٌ فوقع على شاطئ البحر فنقر منه نقرة ثم طار فذهب، فقال الخضر لموسى: يا موسى هل رأيتَ الطير أصاب من البحر؟ قال: نعم، قال: ما أصبت أنا وأنت من العلم في علم اللَّه عز وجل إلّا بمنزلة ما أصاب هذا الطّير من هذا البحر. انتهى.
• عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلّمنا الاستخارةَ في الأمور كلّها
كما يعلّمنا السورة من القرآن يقول: "إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللَّهمَّ إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرُك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلمُ ولا أعلمُ وأنت علّام الغيوب، اللهم إن كنتَ تعلمُ أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: عاجل أمري وآجله- فاقدُره لي، ويسِّرهُ لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنتَ تعلمُ أنّ هذا الأمرَ شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عنّي واصرفني عنه، واقدُرْ لي الخيرَ حيث كان ثم أرضني، قال: ويسمِّي حاجته".
صحيح: رواه البخاريّ في التهجد (1162) عن قتيبة، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالِي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه، فذكر مثله.
وفي الاستخارة أحاديث أخرى ستأتي في موضعها.
• عن عمّار بن ياسر قال: لقد دعوتُ بدعوات سمعتهنّ من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "اللَّهمّ بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمتَ الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي، اللهمّ أسألك خشيتَك في الغيب والشّهادة، وأسألك كلمة الحقّ في الغضب والرِّضا، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيمًا لا يبيد وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرّضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذّة النظر إلى وجهك، والشّوق إلى لقائك في غير ضرّاء مضرّة، ولا فتنة مضلّة، اللهم زيَّنا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين".
صحيح: رواه النسائيّ (1305)، وصحّحه ابن خزيمة في التوحيد (14) وعنه ابن حبان في صحيحه (1971)، والحاكم (1/ 524)، والبيهقي في الأسماء والصفات (227)، والدّارميّ في الرّد على الجهمية (188) كلّهم من حديث حماد بن زيد، عن عطاء بن السّائب، عن أبيه، قال: "صلّى بنا عمّار بن ياسر يومًا صلاة فأوجز فيها، فقال بعض القوم: لقد خفّفت -أو كلمة نحوها- فقال: لقد دعوتُ بدعوات سمعتهنّ من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال: فلما انطلق عمار أتبعه رجل -وهو أبي- فسأله عن الدّعاء، ثم جاء فأخبر به، فذكر الحديث.
وإسناده صحيح عطاء بن السائب ثقة وثّقه الأئمة إلا أنه اختلط في آخره ولكن رواية حماد بن زيد عنه قبل اختلاطه.
انظر تخريجه مفضلًا في باب إثبات الوجه اللَّه تعالى.
• عن عبد اللَّه بن عمرو قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ اللَّه تعالى خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النّور اهتدى، ومن
أخطأه ضلّ".
فلذلك أقول: جفّ القلم على علم اللَّه عز وجل.
حسن: رواه الترمذيّ (2642) عن الحسن بن عرفة، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن أبي عمرو الشّيبانيّ، عن عبد اللَّه بن الدّيلميّ، قال: سمعت عبد اللَّه بن عمرو، فذكره. قال الترمذي:"حديث حسن".
وإسناده حسن، من أجل إسماعيل بن عباس فإنّه صدوق في روايته عن أهل بلده، وهذه منها.
طرق أخرى بمجموعها تصل إلى درجة الصّحيح. انظر تخريجه المفصّل في القضاء والقدر.
وقوله: "جف القلم على علم اللَّه" هو من قول عبد اللَّه بن عمرو.
وأمّا ما روي عن أبي الدّرداء يقول: سمعتُ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ اللَّه عز وجل يقول: يا عيسى، إنّي باعث من بعدك أمّةٌ إن أصابهم ما يحبّون حمدوا اللَّه وشكروا، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا، ولا حِلم ولا علم. قال: يا ربّ كيف هذا لهم، ولا حلم ولا علم؟ قال: أعطيهم من حِلْمي وعلْمي". فيه رجل مجهول.
رواه الإمام أحمد (27545)، والطبرانيّ في الأوسط (3276)، والبزّار -كشف الأستار (2848) -، وصحّحه الحاكم (1/ 348)، والبيهقي في الأسماء والصفات (230)، وحسّنه الحافظ في "الأمالي المطلقة"(ص 48).
كلّهم من طريق معاوية بن صالح، عن أبي حلبس يزيد بن ميسرة أنه قال: سمعتُ أمّ الدّرداء تقول: سمعتُ أبا الدّرداء يقول: سمعتُ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ما سمعته يكنيه قبلها ولا بعدها- يقول (فذكر الحديث).
قال البزّار: "لا نعلم رواه من الصّحابة إلّا أبو الدّرداء، ومعاوية ويونس شاميّان عابدان ثقتان، وإسناده حسن".
قلت: هذا وهم من البزّار، فإنّ أبا حلبس هذا هو يزيد بن ميسرة، كما في جميع المصادر الحديثية، ولم يرو عنه سوى اثنين ولم يوثقه غير ابن حبان على قاعدته في توثيق المجاهيل، وعليه اعتمده الحافظ الهيثمي في "المجمع"(10/ 67، 68) فقال: "رواه أحمد، والبزار، والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحسن بن سوار، وأبي حلبس يزيد بن ميسرة وهما ثقتان".
ولكن أخطأ الحافظ البزّار فظن أنّ أبا حلبس هو يونس بن ميسرة، ويزيد ويونس أخوان، كلاهما يكنى بأبي حلبس، ويزيد مجهول، ويونس ثقة، يزيد بن ميسرة من رجال "التعجيل"، ويونس بن ميسرة من رجال التهذيب روى عنه أبو داود والترمذي، وابن ماجه، وهو ثقة عابد كما في "التقريب".