الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم في سنة ثمانين، وصلبه بدمشق.
6 - باب النّهي عن الكلام والمخاصمة والخوض في القدر
• عن أبي هريرة، قال: جاء مشركوقريش يخاصمون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في القَدَر، فنزلتْ:{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [سورة القمر: 48 - 49].
صحيح: رواه مسلم في القدر (2656) من طرق عن وكيع، عن سفيان، عن زياد بن إسماعيل، عن محمد بن عبَّاد بن جعفر المخزوميّ، عن أبي هريرة، فذكره.
• عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، قال: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يختصمون في القدر، فكأنّما يُفقأ في وجهه حُب الرّمان من الغضب، فقال:"بهذا أُمرتم؟ ! أو لهذا خُلقتُم؟ ! تضربون القرآن بعضَه ببعض، بهذا هلكتِ الأممُ قبلكم".
قال: فقال عبد اللَّه بن عمرو: "ما غَبَطْتُ نفسي بمجلسٍ تخلفتُ فيه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما غَبَطْتُ نفسي بذلك المجلس، وتخلُّفي عنه".
حسن: رواه ابن ماجه (85) عن علي بن محمد، قال: حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا داود بن أبي هند، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، فذكره.
وإسناده حسن من أجل عمرو بن شعيب.
قال البوصيريّ في زوائد ابن ماجه: "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رواه الإمام أحمد في مسنده من هذا الوجه بزيادة في آخره".
قلت: وهو كما قال، فقد رواه الإمام أحمد (6668) عن أبي معاوية بإسناده، مثله، وقال فيه:"غبطت نفسي بمجلس فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم أشهده بما غبطت نفسي بذلك المجلس أنّي لم أشهده".
ورواه البيهقيّ في القضاء والقدر (2/ 608) من وجه آخر عن حميد الطّويل، عن مطر الورّاق وداود ابن أبي هند بإسناده نحوه، وزاد في آخره:"انظروا ما أمرتُم به فاتبعوه، وما نُهيتُم عنه فاجتنبوه".
وله أسانيد أخرى غير أنّ ما ذكرته هو أصحّها.
• عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أُخِّر الكلام في القدر لشرار هذه الأمّة".
حسن: رواه ابن أبي عاصم في "السنة"(350) عن الحسن بن علي، ثنا أبو عاصم، عن عنبة، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، فذكره.
وفي الإسناد عنبسة وهو ابن عمرو، وقيل هو ابن مهران الحداد ترجمه العقيليّ في "الضعفاء"(1403)، ونقل عن البخاريّ أنه لا يتابع على حديثه.
وعن العقيليّ نقل الحافظ ابن حجر في اللّسان (4/ 384).
ومن طريقه رواه البزار -كشف الأستار (2178) -، والطبرانيّ في الأوسط (5909)، والحاكم (2/ 473)، والبيهقيّ في القضاء والقدر (2/ 716).
قال الحاكم: "صحيح على شرط البخاريّ ولم يخرجاه".
وتعقبه الذهبي فقال: "عنبسة ثقة، ولكن لم يرويا له".
قلت: عنبسة ليس من رجال البخاريّ، كما أنّه ليس بثقة، بل قال فيه أبو حاتم: منكر الحديث، وقال العقيليّ: عن الزهريّ يهم في حديثه. وقال البزّار: "لا نعلم رواه عن الزّهريّ إلّا عنبسة وهو لين الحديث، وقد تفرّد به عن الزّهريّ".
ولكن له طريق آخر رواه البزّار -الكشف (2179) -، والعقيليّ في الضعفاء (1143)، والطبراني في الأوسط (6233) كلّهم من طريق عمر بن أبي خليفة، ثنا هشام -يعني ابن حسان-، عن محمد - يعني ابن سيرين، عن أبي هريرة، نحوه.
قال البزّار: "لا نعلم له طريقًا من جهة صحيحة غير هذا الطّريق، ولا رواه عن هشام إلّا عمرو".
وقال العقيليّ: "وهذا الحديث منكر"، وقال:"له رواية من غير هذا الوجه أيضًا ليّنة".
قلت: مداره على عمر بن أبي خليفة قال فيه أبو حاتم: صالح الحديث. "الجرح والتعديل"(6/ 106).
وقال عمرو بن علي: حدّثنا عمر بن أبي خليفة من الثقات، ذكره المزيّ في "تهذيبه".
وقول الحافظ في التقريب: "مقبول". بل الصّواب أن يقول "صدوق".
وقد قال الهيثمي في "المجمع"(7/ 202): "رجال البزّار في أحد الإسنادين رجال الصّحيح غير عمر بن أبي خليفة وهو ثقة".
وله طريق آخر: أخرجه العقيليّ في الضعفاء (1403) عن إبراهيم بن يوسف، قال: حدّثنا سويد ابن سعيد، قال: حدّثنا الأغلب بن تميم، عن أبي خالد الخزاعيّ، عن الزّهريّ، قال: قال لي عمر ابن عبد العزيز: ردَّ على حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم في القدر، فقال: سمعتُ فلانًا الأنصاريّ يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "أُخِّر الكلامُ في القدر لشرار هذه الأمّة في آخر الزّمان".
قال العقيليّ: "هذا أولى". وأورده الذّهبي في "الميزان"(3/ 302) من طريق سويد بن سعيد، به، مثله وقال:"فهذا أشبه".
قلت: إذا ضُمّ هذا إلى ما قبله كان للحديث قوة وأصل، وإن كان الأغلب بن تميم قد تكلَّم فيه غيرُ واحد من أهل العلم.
وأمّا ما رُوي عن أبي هريرة، قال: خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتّى احمرَّ وجهه حتّى كأنّما فُقئَ في وَجْنتيه الرّمانُ، فقال: "أبهذا أُمرتُم؟ ! أبهذا أُرسلتُ إليكم؟ ! ،
إنّما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمتُ عليكم ألّا تنازعوا فيه". فهو ضعيف.
رواه التّرمذيّ (2133) عن عبد اللَّه بن معاوية الجمحيّ البصريّ، حدّثنا صالح المرّي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، فذكر مثله.
قال الترمذيّ: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلّا من هذا الوجه من حديث صالح المريّ، وصالح المريّ له غرائب ينفرد بها، لا يتابع عليها".
قلت: وهو كما قال، فإنّ صالحًا المريّ هو ابن بشير بن وادع أبو بشر البصريّ القاضي الزّاهد، قال ابن معين: ضعيف، أو قال: ليس بشيء، وقال أحمد: صاحب قصص يقص على النّاس، ليس هو صاحب حديث ولا إسناد، ولا يعرف الحديث. وقال البخاريّ: منكر الحديث، وقال النسائيّ: متروك.
وقال ابن عدي في "الكامل": "صالح لا يقبل في هشام بن حسان؛ لأنّه يروي عنه بأحاديث بواطيل".
وأدخله ابن حبان في المجروحين (488)، وأخرج الحديث المذكور من طريقه. وقال:"كان من عُبّاد أهل البصرة وقرّائهم، وهو الذي يقال له: "صالح القاصّ، وكان من أحزن أهل البصرة صوتًا، وأرقهم قراءة، غلب عليه الخير والصلاح حتى غفل عن الإتقان في الحفظ، فكان يروي الشيء الذي سمعه من ثابت والحسن وهؤلاء على التوهم، فيجعله عن أنس، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فظهر في روايته الموضوعات التي يرويها عن الأثبات، واستحقّ التّرك عند الاحتجاج، وإن كان في الدّين مائلًا عن طريق الاعوجاج، وكان يحيى بن معين شديد الحمل عليه". انتهى.
قلت: فمثله لا يكون شاهدًا الحديث عمرو بن شعيب.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن أبي ذر قال: "خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتذاكرون شيئًا من القدر، فخرج مُغضبًا كأنّما فُقئ في وجهه حبّ الرمان، فقال: "أبهذا أُمرْتم؟ ، أو ما نُهيتُم عن هذا؟ ، إنّما هلكت الأمم قبلكم في هذا، إذا ذُكر القدر فأمْسكوا، وإذا ذُكر أصحابي فأمْسكوا، وإذا ذكرت النّجوم فأمْسكوا".
رواه ابن بطّة في الإبانة (1275) عن أبي عبيد المحامليّ، قال: حدّثنا أبو غسان مالك بن خالد ابن أسد الواسطيّ، حدّثنا عثمان بن سعيد الخياط الواسطيّ، قال: حدّثنا الحكيم بن سنان، عن داود بن أبي هند، عن الحسن، عن أبي ذر، فذكره.
والحسن هو البصريّ مدلّس وقد عنعن. وفيه رجال لا أعرفهم.
وقد رُوي مثل هذا من حديث ابن مسعود، وثوبان، وابن عمر، وطاوس مرسلًا، وكلّها ضعيفة الأسانيد، قال ابن رجب:"رُوي من وجوه في أسانيدها كلّها مقال".
وكذلك لا يصح ما رُوي عن عائشة قالت: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من تكلَّم في شيء من القدر سُئل عنه يوم القيامة، ومن لم يتكلّم فيه لم يُسأل عنه".