الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَخَمْسٌ فِيهَا مُقَدَّرٌ؛ أَوَّلُهَا، الْمُوضِحَةُ الَّتِى تُوضِحُ الْعَظْمَ، أَىْ تُبْرِزُهُ، وَفِيهَا خَمْسَةُ أبْعِرَةٍ.
ــ
فهو ما كان في مَعْناه، ومَقِيسًا عليه، كالأَلْيَتَيْنِ (1)، والثَّدْيَيْنِ، والحاجِبَيْنِ، وقد ذكَرْناه أيْضًا (2)، فما لم يَكُنْ مِن المُوَقَّتِ، ولا ممَّا يُمْكِنُ قِياسُه عليه (2)، كالشِّجاجِ التى دُونَ المُوضِحَةِ، وجِراحِ البَدَنِ سِوَى الجائِفَةِ، وقَطْعِ الأعْضاءِ، وكَسْرِ العِظامِ، فليس فيه إلَّا الحُكُومَةُ.
فصل: قال الشَّيْخُ، رحمه الله:(وخَمْسٌ فيها مُقَدَّرٌ، أوَّلُها، المُوضِحَةُ) وهى (التى تُوضِحُ العَظْمَ، أى تُبْرِزُه) والوَضَحُ البَيَاضُ، يَعْنِى أنَّها أبدَتْ وَضَحَ العَظْمِ، أىْ بَياضَه. وأجْمَعَ أهلُ العلمِ على أنَّ أرشَها مُقَدَّرٌ. قالَه ابنُ المُنْذِرِ (3). وفى كتابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لعَمْرِو بنِ حَزْمٍ:«وَفِى المُوضِحَةِ خَمْسٌ مِن الإِبِلِ» (4). ورَوَى
(1) في الأصل: «كالأنثيين» .
(2)
سقط من: م.
(3)
انظر: الإشراف 3/ 96، والإجماع 72.
(4)
تقدم تخريجه في 25/ 309. وهذا اللفظ عند الدارمى في 2/ 195.
وَعَنْهُ، في مُوضِحَةِ الْوَجْهِ عَشَرَةٌ. وَالأَوَّلُ الْمَذْهَبُ.
ــ
عمرُو بنُ شُعَيْبٍ عن أبِيه عن جَدِّه، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«في المَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ» . رواه أبو داودَ، والنَّسَائِىُّ، والتِّرْمِذِىُّ (1)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وإنَّما يجِبُ ذلك في مُوضِحَةِ الحُرِّ، فأمَّا مُوضِحَةُ العَبْدِ فقد ذكَرْنا الخِلافَ فيها. ومُوضِحَةُ المَرْأةِ كمُوضِحَةِ الرَّجُلِ، فيما يَجِبُ فيها عندَ أحمدَ، رحمه الله؛ لأن المرأةَ تُساوِى (2) جِراحُها جِراحَ الرَّجُلِ إلى ثُلُثِ الدِّيَةِ. وعندَ الشَّافعىِّ أنَّ مُوضِحَةَ المرأةِ إنَّما يَجِبُ فيها نِصْفُ ما وجَبَ في مُوضِحَةِ الرَّجلِ، بِناءً على مذْهَبِه في أنَّ جِراحَ المَرْأةِ على النِّصْفِ مِن جِراحِ الرَّجُلِ في القَلِيلِ والكَثِيرِ. والحديثُ الذى ذكرْناه حُجَّةٌ عليه، وفيه كِفايَة. وأكثرُ أهلِ العلمِ على أنَّ المُوضِحَةَ في الرَّأْسِ والوَجْهِ سَواءٌ. وهو ظاهِرُ المَذْهَبِ. رُوِى ذلك عن أبى بكْرٍ، وعمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما. وبه قال شُرَيْحٌ، ومَكْحُولٌ، [والشَّعْبِىُّ](3)، والنَّخَعِىُّ، والزُّهْرِىُّ، ورَبِيعَةُ، وأبو حَنِيفةَ، والشَّافعىُّ، وإسْحاقُ. (وعن أحمدَ أنَّ في مُوضِحَةِ الوَجْهِ عَشَرَةَ أبعِرَةٍ) رُوِى ذلك عن سعيدِ بنِ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب ديات الأعضاء، من كتاب الديات. سنن أبى داود 2/ 496. والترمذى، في: باب ما جاء في الموضحة، من أبواب الديات. عارضة الأحوذى 6/ 164. والنسائى، في: باب المواضح، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 51.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب الموضحة، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 886. والدارمى، في: باب في الموضحة، من كتاب الديات. سنن الدارمى 2/ 194. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 189، 207، 215.
(2)
في الأصل: «يتساوى» .
(3)
سقط من: الأصل، تش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُسَيَّبِ؛ لأَنَّ شَيْنَها أكْثَرُ، ومُوضِحَةُ الرَّأْسِ يسْتُرُها الشَّعَرُ والعِمامَةُ. وقال مالكٌ: إذا كانت في أنْفٍ أو في اللَّحْىِ الأسْفَلِ، ففيها حُكومةٌ؛ لأنَّها تَبْعُدُ عن الدِّماغِ، فأَشْبَهَتْ مُوضِحَةَ (1) سائرِ البَدَنِ. ولَنا، عُمُومُ الأحاديثِ، وقولُ أبى بكرٍ وعمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما: المُوضِحَةُ في الرَّأْسِ والوَجْهِ سَوَاءٌ (2). ولأنَّها مُوضِحَةٌ، فكانَ أرْشُها خَمْسًا من الإِبلِ، كغَيرِها ممَّا سَلَّمُوه، ولا عِبْرَةَ بكَثْرَةِ الشَّيْنِ، بدليلِ التَّسْوِيَةِ بينَ الكَبيرَةِ والصَّغِيرَةِ. [وما ذَكَرَه مالِكٌ](3) لا يَصِحُّ، فإنَّ المُوضِحَةَ في الصَّدْرِ أكثرُ ضَرَرًا، وأقْرَبُ إلى القَلْبِ، ولا مُقَدَّرَ فيها، ولأَنَّ ما قالَه مُخالِفٌ لظاهِرِ النَّصِّ. وقد رُوِى عن أحمدَ أنَّه قال: مُوضِحَةُ الوَجْهِ أحْرَى أَنْ يُزادَ في دِيَتها. وليس مَعْنَى هذا أنَّه يَجبُ فيها أكْثَرُ، إنَّما مَعْناه، واللَّهُ أعلمُ، أنَّها أوْلَى بإِيجابِ الدِّيَةِ، فإنَّها إذا وجَبَتْ في مُوضحَةِ الرَّأْسِ، مع قِلَّةِ شَيْنها واسْتِتَارِها بالشَّعَرِ وغِطاءِ الرَّأْسِ، خَمْسٌ مِن الإِبِلِ، فلَأنْ يَجِبَ ذلك في الوَجْهِ الظاهِرِ الذى هو مَجْمَعُ المَحاسِنِ وعُنوانُ الجَمالِ أوْلى. وحَمْلُ كلام أحمدَ على (4) هذا أوْلَى مِن حَمْلِه على ما يُخالِفُ الخَبَرَ والأَثَرَ وقَوْلَ أكْثَرِ أَهْلِ العلمِ، بغيرِ تَوْقِيفٍ ولا قِياسٍ صَحِيحٍ.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
أخرجه ابن أبى شيبة، في: المصنف 9/ 150. والبيهقى، في: السنن الكبرى 8/ 82.
(3)
في الأصل: «وما ذكروه لمالك» ، وفى تش:«وما ذكروه» .
(4)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويَجِبُ أَرْشُ المُوضِحَةِ في الصَّغيرةِ والكبيرةِ، والبارِزَةِ والمسْتُورةِ بالشَّعَرِ؛ لأَنَّ اسْمَ المُوضِحَةِ يَشْمَلُ الجَمِيعَ. وحَدُّ المُوضِحَةِ ما أفْضَى إلى العَظْمِ ولو بقدرِ إبْرةٍ. ذكَره ابنُ القاسِمِ، والقاضى.
فصل: وليس في مُوضِحَةِ غيرِ الرَّأْسِ والوَجْهِ مُقَدَّرٌ، في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم إمامُنا، ومالِكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ (1): ولا تَكُونُ في البَدَنِ مُوضِحَةٌ. يَعْنِى ليس فها مُقَدَّرٌ. [وقال](2): على ذلك جَماعةُ العُلَماءِ إلَّا اللَّيْثَ بنَ سَعْدٍ، قال: المُوضِحَةُ تَكُونُ في الجَسَدِ أيضًا. وقال الأوْزاعِىُّ في جِراحَةِ الجَسَدِ: على النِّصْفِ من جِراحةِ الرَّأْسِ. وحُكِىَ نحوُ ذلك عن عَطاءٍ الخُرَاسانِىِّ، قال: في (3) المُوضِحَةِ في سائرِ الجَسَدِ خَمْسَةٌ وعِشْرون دِينارًا. ولَنا، أنَّ اسْمَ المُوضِحَةِ إنَّما يُطْلَقُ على الجِراحَةِ المَخْصُوصَةِ في الوَجْهِ والرَّأسِ، وقَوْلُ الخَلِيفَتَيْن الرَّاشِدَيْن: المُوضِحَةُ
(1) في: التمهيد 17/ 366، 367.
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: الأصل.