الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَذَكَرَ الْخِرَقِىُّ مِنْ شُرُوطِ الْقَسَامَةِ، أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَمدًا تُوجِبُ الْقِصَاصَ إِذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ، وَأَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ.
ــ
قَوْلَى الشافعىِّ، وعلى الثانى، يُقْسِمُ خمسين يَمِينًا. وإن قَدِمَ رابعٌ، فهل يَحلِفُ [ثلاثَ عَشْرةَ](1) يَمِينًا أو خمسين؟ فيه قَوْلان.
فصل: والخُنْثَى المُشْكِلُ يَحتَمِلُ أن يُقْسِمَ؛ لأَنَّ سبَبَ القَسامةِ وُجِدَ في حَقِّه، وهو الاسْتِحقاقُ مِن الدِّيَةِ، ولم يتَحَقَّقِ المانِعُ مِن يَمِينِه. ويَحتَمِلُ أَنْ لا يُقْسِمَ؛ لأنَّه لا يَحمِلُ مِن العَقْلِ، فلا يثْبُتُ القتلُ بيَمِينِه، كالمرأةِ.
4364 - مسألة: (وذَكَرَ الخِرَقِىُّ مِن شُروطِ القَسامَةِ أن تَكُونَ الدَّعْوَى عَمدًا، تُوجِبُ القِصاصَ إذا ثَبَت القَتْلُ، وأن تَكُونَ الدَّعْوَى على واحِدٍ)
لا يخْتلِف المذهبُ أنَّه لا يُسْتَحَقُّ بالقَسامةِ أكثرُ مِن قَتْلِ واحدٍ. وبهذا قال الزُّهْرِىُّ، ومالك، وبعضُ أصحابِ الشافعىِّ. وقال بعضُهم:
(1) في الأصل، تش، ق، م:«ثلاثة عشر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُسْتَحَقُّ بها قتلُ الجماعةِ؛ لأنَّها بَيِّنَةٌ مُوجِبَةٌ للقَوَدِ، فاسْتَوَى فيها الواحدُ والجماعةُ، كالبَينةِ. وقولُ أبى ثَوْرٍ نحوُ هذا. ولَنا، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُم على رجُل مِنْهُمْ، فَيُدفَعُ إلَيْكُمْ بِرُمَّتِه» (1). فخَصَّ بها الواحدَ. ولأنَّها بَيِّنَةٌ ضَعِيفَة، خُولِفَ بها الأصْلُ (2) في قَتْل الواحدِ، فيُقْتَصَرُ عليه، ويَبْقَى على الأصلِ فيما عَداه. وبَيانُ مُخالفةِ الأصلِ بها، أنَّها تَثْبُتُ باللَّوْثِ، واللَّوْثُ شُبْهةٌ مُغَلِّبَةٌ على الظَّنِّ صِدْقَ المُدَّعِى، والقَوَدُ يَسْقُطُ بالشُّبُهاتِ، فكيفَ يثْبُتُ بها! ولأَنَّ الأيْمانَ ثَبَتتِ ابْتِداءً في سائرِ الدَّعاوَى في جانبِ المُدَّعَى عليه، وهذه بخِلافِه (3). وبيانُ ضَعْفِها، أنَّها تَثْبُتُ بقولِ المُدَّعِى ويَمِينه، مع التُّهْمَةِ في حَقِّه، والشَّكِّ في صِدْقِه، وقيامِ العَداوَةِ المانِعَةِ مِن صِحَّةِ الشَّهادَةِ عليه في إثْباتِ حَقٍّ لغيرِه، فلأَنْ تَمْنَعَ مِن قَبُولِ قولِه وحدَه في إثْباتِ حَقٍّ له أوْلَى وأحْرَى. وفارقَ البَيِّنَةَ، فإنَّها قَوِيَتْ بالعَدَدِ، وعَدالةِ الشُّهُودِ، وانْتِفاءِ التُّهْمَةِ في حَقِّهم مِن الجِهَتَيْن، في كَوْنِهم لا يُثْبِتُونَ لأنْفُسِهِم حَقًّا ولا نَفْعًا، ولا يَدْفَعُونَ عنها ضُرًّا، ولا عَداوَةَ بينَهم وبينَ المَشْهُودِ عليه، ولهذا يَثْبُتُ بها سائِرُ الحُقُوقِ والحُدودِ التى تَنْتَفِى بالشُّبُهاتِ. إذا ثَبَتَ هذا، فلا قَسامةَ فيما لا قَوَدَ فيه، في قولِ الخِرَقِىِّ، فيَطَّردَ قولُه في أنَّ القَسامةَ لا تَسُوغُ
(1) تقدم تخريجه في 20/ 212، 25/ 378.
(2)
في م: «الأصول» .
(3)
في الأصل: «مخالفة» .
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ. لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى عَمْدًا مَحْضًا، لَمْ يُقْسِمُوا إِلَّا عَلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ وَيَسْتَحِقُّونَ دَمَهُ، وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، فَلَهُمُ الْقَسَامَةُ عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ.
ــ
إلَّا في حَقِّ واحدٍ. وعندَ غيرِه مِن أصْحابِنا أنَّ القَسامةَ تَجْرِى فيما لا قَوَدَ فيه، فيجوزُ أن يُقْسِمُوا على جَماعةٍ. وهذا قولُ مالكٍ، والشافعىِّ. فعلى هذا، إذا ادَّعَى على رَجُلَيْن، على أحَدِهما لَوْثٌ دُونَ الآخَرِ، حَلَفَ على مَن عليه اللَّوْثُ خمسين يَمِينًا، واسْتَحَقَّ الدِّيَةَ عليه، وحَلَفَ (1) الآخَرُ يَمِينًا واحدةً، وبَرِئَ. وإن نَكَلَ عن اليَمِينِ، فعليه نِصْفُ الدِّيَةِ. وإنِ ادَّعَى على (2) ثلاثةٍ عليهم لَوْثٌ، ولم يَحْضُرْ إلَّا أحَدُهم، حَلَفَ على الحاضِرِ منهم خَمْسين يَمِينًا، واسْتَحَقَّ ثُلُثَ الدِّيَةِ، فإذا حَضَرَ الثانى، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يَحْلِفُ عليه خمسين يَمِينًا أيضًا، ويَسْتَحِقُّ ثُلثَ
(1) بعده في م: «على» .
(2)
في الأصل، تش «عليه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الدِّيَةِ؛ لأَنَّ الحَقَّ لا يَثْبُتُ على أحدِ (1) الرَّجُلَيْن إلَّا بما يَثْبُتُ على صاحِبِه، كالبَيِّنَةِ، فإنَّه يَحْتاجُ إلى إقامةِ البَيِّنَةِ الكاملةِ على الثانى كإقامَتِها على الأَوَّلِ. والثانى، يَحْلِفُ عليه خَمْسًا وعشرين يَمِينًا؛ لأنَّهُما لو حَضَرا معًا، لحَلَفَ عليهما خَمْسِين يمينًا، حِصَّةُ كلِّ واحدٍ منهما خمسٌ وعشرون. وهذا الوَجْهُ ضَعِيفٌ؛ فإنَّ اليَمِينَ لا تُقْسَمُ عليهم إذا حَضَرُوا، ولو حَلَفَ على (1) كلِّ واحدٍ مُنْفَرِدًا (2) حِصَّتَه مِن الأيْمانِ لم يَصِحَّ، ولم يَثْبُتْ له حَقٌّ، وإنَّما الأيْمانُ عليهم جميعِهم، وتتَناولُهم تَناوُلًا واحدًا، ولأنَّها لو قُسِمَتْ عليهم بالحِصَصِ، لَوَجَبَ أن لا يُقْسَمَ على الأَوَّلِ أكثرُ مِن سبعَ عشْرَةَ يَمِينًا. وإن قِيلَ: إنَّما حَلَفَ بقَدْرِ حِصَّتِه وحِصَّةِ الثالثِ. فيَنْبَغِى أن يَحْلِفَ أربعًا وثلاثين يَمِينًا. وإذا قَدِمَ الثالثُ، ففيه وَجْهان؛ أصَحُّهما، يَحْلِفُ عليه
(1) سقط من: الأصل.
(2)
بعده في الأصل: «على» .