الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
السَّادِسُ، ثُبُوتُ السَّرِقَةِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، أَوْ إِقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ.
ــ
فدَرَأَ عنهم القَطْعَ (1) لَمَّا ظَنَّه يُجيعُهم. فأمَّا الواجِدُ لِما يَأْكُلُه، والواجدُ لِما يَشْتَرِى به [ما يَأْكُلُه](2) فعليه القَطْعُ، وإن كان بالثَّمَنِ الغالِى. ذَكَرَه القاضى. وهو مذهبُ الشافعىِّ.
فصل: ولا قَطْعَ على المرأةِ إذا مَنَعَها الزَّوْجُ قَدْرَ كِفايَتها، أو كِفايَةِ وَلَدِها، إذا أخَذَتْ من مالِه، سَواءٌ أخَذَتْ قَدْرَ ذلك أو أكثرَ منه، لأنَّها تَسْتَحِقُّ قَدْرَ ذلك، فالزّائِدُ يكونُ مُشْتَرَكًا بما تَسْتَحِقُّ أخْذَه [ولا على الضَّيْفِ إذا مُنِعَ قِراه، وأخَذَ من مالِ المُضِيفِ، لذلك](3).
فصل: قال رحمه الله: (السَّادسُ، ثُبوتُ السَّرِقَةِ بشَهادَةِ عَدْلَيْن، أو إقْرارٍ مَرَّتَيْن، ولا يَنْزِعُ عن إقْرارِه حتى يُقْطَعَ) وجملةُ ذلك، أنَّ القَطْعَ إنَّما يجبُ بأحَدِ شَيْئَيْن، بَيَنةٍ، أو إقْرارٍ، لا غيرُ، فأمَّا البَيِّنَةُ، فَيُشْتَرَطُ فيها أن يكونا (4) رجلَيْن مُسْلِمَيْن حُرَّيْن عَدْلَيْن، سَواءٌ كان السَّارِقُ مسلمًا
(1) في ق، م:«الحد» .
(2)
سقط من: تش، ق، م.
(3)
سقط من: ق، م.
(4)
في الأصل: «يكون» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو ذِمِّيًّا. وقد ذَكَرْنا ذلك في شُهُودِ الزِّنَى بما يُغْنِى عن إعادَتِه ههُنا، ويُشْتَرَطُ أن يَصِفَا السَّرِقَةَ والحِرْزَ، وجِنْسَ النِّصَابِ، وقَدْرَه؛ ليَزُولَ الاخْتِلافُ فيه، فيقولانِ: نشْهَدُ أنَّ هذا سَرَق كَذا، قِيمَتُه كذا، من حِرْزٍ. ويَصِفَا الحِرْزَ. فإن كان المسروقُ منه غائِبًا، فحَضَرَ وكيلُه، وطالَبَ بالسَّرِقَةِ، احْتاجَ الشَّاهِدانِ أَنْ يَرْفَعَا في نَسَبِه، فيقولان: من حِرْزِ فُلانِ ابنِ فلانِ [ابنِ فلانٍ](1). بحيثُ يَتَمَيَّزُ عن غيرِه، فإذا اجتَمَعَتْ هذه الشُّرُوطُ، وَجَب القَطْعُ في قولِ عامَّتِهم. وقال ابنُ المُنْذِرِ (2): أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه من أهلِ العلمِ، على أنَّ قَطْعَ السارِقِ يجبُ، إذا شَهِد بالسَّرِقَةِ شاهدان حُرَّان مُسْلِمان، ووَصَفا ما يُوجِبُ القَطْعَ. وإذا وَجَب القَطْعُ بشَهادَتِهما، لم يَسْقُطْ بغَيْبَتِهما، ولا مَوْتِهما، على ما مَضَى في الشَّهادَةِ بالزِّنَى. وإذا شَهِدا (3) بسَرِقَةِ مالِ غائبٍ، فإن كان له وكيلٌ حاضِرٌ، فطالَبَ به، قُطِعَ السَّارِقُ، وإلَّا قلا. وقال القاضى: يُحْبَسُ ولا يُقْطَعُ حتى يَحْضُرَ الغائِبُ.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الإشراف 2/ 304. والإجماع 68.
(3)
في الأصل: «قطع» . وفى تش، ق، م:«شهد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا اخْتَلَفَ الشاهدان في المكانِ (1) أو الزَّمانِ، أو المَسْروقِ، فشَهِدَ أحدُهما أنَّه سَرَق يومَ الخميسِ، وشَهِد (2) الآخَرُ أنَّه سَرَق يومَ الجُمُعة، أو (3) شهِد أحدُهما أنَّه سَرَق من هذا البيتِ، والآخَرُ أنَّه سَرَق من هذا البيتِ الآخَرِ، أو قال أحدُهما: سَرَق ثَوْرًا. وقال الآخَرُ: سَرَق بَقَرَةً. أو قال الآخَرُ: سَرَق حمارًا. لم يُقْطَعْ. في قولِهم جميعًا. وبه قال الثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وأصحابُ الرَّأْى. وإن قال أحدُهما: سَرَق ثَوْبًا أبْيَضَ. وقال الآخَرُ: أسودَ. أو قال أحدُهما: سَرَق هَرَوِيًّا. وقال الآخَرُ: سَرَقَ مَرْوِيًّا. لم يُقْطَعْ أيضًا. وبه قال الشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ؛ لأنَّهما لم يَتَّفِقَا على الشَّهادةِ بشئٍ واحدٍ، فأشْبَهَ ما لو اخْتَلَفَا في الذُّكُورِيَّةِ والأُنُوثِيَّةِ. وقال أبو الخَطَّابِ: يُقْطَعُ. وهو قولُ أصحابِ الرَّأْى؛ لأَنَّ الاخْتِلافَ لم يَرْجِعْ إلى نفسِ الشَّهادة، فيَحْتَمِلُ أنَّ أحدَهما غَلَب على ظَنِّه أنَّه هَرَوِىٌّ، والآخرَ أنَّه مَرْوِىٌّ، أوَ كان الثوبُ فيه سَوادٌ وبَياضٌ. قال ابنُ المُنْذِرِ (4): اللونُ أقربُ إلى الظُّهورِ من الذُّكُورِيَّةِ والأُنُوثِيَّة، فإذا كان اخْتِلافُهما (5) فيما يَخْفَى يُبْطِلُ شَهادَتَهما، ففيما
(1) في ق، م:«الوقت» .
(2)
سقط من: ق، م.
(3)
في الأصل: «و» .
(4)
في الإشراف 2/ 305.
(5)
في الأصل، ر 3، ق، م:«اختلافهم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَظْهَرُ أوْلَى. ويَحْتَمِلُ أنَّ أحدَهما ظَنَّ المسروقَ ذكَرًا، وظَنَّه الآخَرُ أُنْثَى، وقد أوْجَبَ هذا رَدَّ شهادَتِهما، فكذلك ههنا. الأمرُ الثانى، الاعْتِرافُ، ويُشْتَرَطُ فيه أن يَعْتَرِفَ مَرَّتَيْن. رُوِى ذلك عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وبه قال ابن أبى ليلى، وأبو يوسفَ، وزُفَرُ، وابنُ شُبْرُمَةَ. وقال عَطاءٌ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، والشافعىُّ، ومحمدُ بنُ الحسنِ: يُقْطَعُ باعْتِرافِ مَرَّةٍ؛ لأنَّه حَقٌّ يَثْبُتُ بالإِقْرارِ، فلم يُعْتَبَرْ فيه التَّكْرَارُ، كحَقِّ الآدَمِىِّ. ولَنا، ما روَى أبو داودَ (1)، بإسْنادِه، عن أبى أُمَيَّةَ المَخْزُومِىِّ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بلِصٍّ قد اعْتَرَفَ، فقال له:«ما إِحالُكَ سَرَقْتَ» . قال: بلى. فأعادَ عليه مَرَّتَيْن أو ثلاثًا، فأمَرَ به، فقُطِعَ. ولو وَجَبَ القَطْعُ بأوَّلِ مَرَّةٍ، لَمَا أخَّرَه. وروَى سعيدٌ، عن هُشَيْمٍ، وسُفْيانَ، وأبى الأحْوَصِ، وأبى مُعاويةَ، عن الأعْمَشِ، عن [القاسمِ بنِ عبدِ الرحمنِ](2)، عن أبِيه، قال: شَهِدْتُ عليًّا، وأتاه رجلٌ، فأقَرَّ بالسَّرِقَةِ، فرَدَّه. وفى لفظٍ: فانْتَهرَه. وفى لفظٍ: فسَكَتَ عنه. وقال غيرُ هؤلاءِ: فطَرَدَه. ثم عادَ بعدَ ذلك،
(1) في: باب في التلقين في الحد، من كتاب الحدود. سنن أبى داود 2/ 447.
كما أخرجه النسائى، في: باب تلقين السارق، من كتاب قطع السارق. المجتبى 8/ 60. وابن ماجه، في: باب تلقين السارق، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه 2/ 866. والدارمى، في: باب المعترف بالسرقة، من كتاب الحدود. سنن الدارمى 2/ 173. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 293. وهو حديث ضعيف. انظر الإرواء 8/ 78، 79.
(2)
في النسخ والمغنى: «عبد الرحمن بن القاسم» . والمثبت من مصادر التخريج. وانظر السير 5/ 195، 196. وقد أورده الشارح -في الصفحة التالية- من طريق الأعمش عن القاسم عن أبيه به.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأقَرَّ، فقال له علىٌّ: شَهِدْتَ على نفْسِكَ مَرَّتَيْن. فأمَرَ به فقُطِعَ. وفى لفظٍ: قد أقْرَرْتَ على نَفْسِكَ مَرَّتَيْن (1). ومثلُ هذا يَشْتَهِرُ، فلم يُنْكَرْ. ولأنَّه يَتَضَمَّنُ إتْلافًا في حَدٍّ، فكان مِن شَرْطِه التَّكْرارُ، كحَدِّ الزِّنى. ولأنَّه أحدُ حُجَّتَى القَطْعِ، فيُعْتَبرُ فيه التَّكْرَارُ، كالشَّهادةِ، وقياسُهم يَنْتَقِضُ بالزِّنى، عندَ مَن اعْتَبَرَ التَّكْرَارَ، ويُفارِقُ حَقَّ الآدَمِىِّ؛ لأَنَّ حَقَّه مَبْنِىٌّ على الشِّحِّ، والضِّيقِ، ولا يُقْبَلُ رُجُوعُه عنه، بخِلافِ مَسْألتِنا.
فصل: ويُعْتَبَرُ أن يَذْكُرَ في إقْرارِه شُروطَ السَّرِقَةِ، مِن النِّصابِ والحِرْزِ، وإخْراجِه منه. والحُرُّ والعبدُ في هذا سَواءٌ. نَصَّ عليه أحمدُ، لعُمومِ النَّصِّ فيهما، ولِما روَى الأعْمَشُ، عن القاسمِ، عن أبِيه، أنَّ عليًّا قَطع عبدًا أقَرَّ عندَه بالسَّرِقَةِ. وفى روايةٍ، قال: كان عبدًا. يعنى الذى قَطَعَه علىٌّ. ويُعْتَبَرُ أَنْ يُقِرَّ مَرَّتَيْن. وروَى مُهَنَّا، عن أحمدَ: إذا أقَرَّ العبدُ أنَّه سَرَق أرْبَعَ مَرَّاتٍ، قُطِعَ. فظاهِرُ هذا أنَّه اعْتَبَرَ إقْرارَه أربعَ مَرَّاتٍ؛ ليكونَ على النِّصْفِ مِن الحُرِّ. والأَوَّلُ أصَحُّ؛ لخبَرِ على، ولأنه إقْرارٌ بحَدٍّ، فاسْتَوَى فيه الحُرُّ والعبدُ، كسائرِ الحُدودِ.
(1) وأخرجه عبد الرزاق، في: باب اعتراف السارق، من كتاب اللقطة. المصنف 10/ 191. وابن أبى شيبة، في: باب في الرجل يقر بالسرقة كم يردد مرة، من كتاب الحدود. المصنف 9/ 494. والبيهقى، في: باب ما جاء في تعليق اليد. . .، من كتاب السرقة. السنن الكبرى 8/ 275. وهذا أثر صحيح. انظر الإرواء 8/ 78.