الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَلْ يَجِبُ الْحَدُّ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
فصل: ولا يجبُ الحَدُّ حتى يَثْبُتَ شُرْبُه بأحَدِ شَيْئَيْن؛ الإقْرارِ أو البَيِّنَةِ. ويَكفِى في (1) الإقْرارِ مَرَّةٌ واحِدَةٌ، في قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ؛ لأنَّه لا يَتَضَمَّنُ إتْلافًا، فأشْبَهَ حَدَّ القَذْفِ. ومتى رَجَع عن إقْرارِه قُبِلَ رُجُوعُه؛ لأنَّه حَدٌّ للَّهِ سبحانَه، فقُبِلَ رُجُوعُه عنه (2)، كسائرِ الحُدُودِ. ولا يُعْتَبَرُ مع الإِقْرارِ وُجودُ الرَّائحةِ. وحُكِىَ عن أبى حنيفةَ، لا حَدَّ عليه، إلَّا أن توجَدَ رائحة. ولنا، أنَّه أحَدُ بَيِّنتَىِ الشُّرْبِ، فلم يُعْتَبَرْ معه وجُودُ الرّائحةِ، كالشَّهادَةِ، ولأنَّه قد يُقِرُّ بعدَ زَوالِ الرائحةِ عنه، ولأنَّه إقْرارٌ بحَدٍّ، فاكْتُفِىَ به، كسائرِ الحُدودِ.
4464 - مسألة: (وهل يَجِبُ الحَدُّ بوُجُودِ الرّائحَةِ؟ على
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رِوايَتَيْن) لا يَجِبُ الحَدُّ [بوجودِ رائحةِ الخمرِ](1) مِن فِيه، في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، والشافعىُّ. وعن أحمدَ، أنَّه يُحَدُّ بذلك. روَاها عنه أبو طالبٍ. وهو قولُ مالكٍ؛ لأَنَّ ابنَ مسعودٍ جَلَد رجلًا وَجَد منه رائحةَ الخمرِ (2). ورُوِىَ عن عمرَ، أنَّه قال: إنى وَجَدْتُ من عُبَيْدِ اللَّهِ رِيحَ شَرابٍ، فأقَرَّ أنَّه شَرِبَ الطِّلاءَ (3). فقال عمرُ: إنِّى سائِلٌ عنه، فإن كان يُسْكِرُ جَلَدْتُه (4). ولأَنَّ الرّائحةَ تَدُلُّ على شُرْبِه، فَجَرَى مَجْرَى الإِقْرارِ. والأَوَّلُ أوْلَى؛ لأَنَّ الرَّائحةَ يَحْتَمِلُ أنَّه تَمَضْمَضَ بها، أو ظَنَّها ماءً، فلَمَّا صارتْ في فِيه مَجَّهَا، أو ظَنَّها لا تُسْكِرُ، أو كان مُكْرَهًا، أو أكَلَ نَبْقًا بالِغًا، أو شَرِب مِن (5) شَرابِ التُّفَّاحِ، فإنَّه يكونُ منه كرائحةِ الخمرِ، وإذا احْتَمَلَ ذلك، لم يجبِ الحَدُّ الذى يُدْرَأُ بالشُّبُهات. وحديثُ عمرَ حُجَّةٌ لنا، فإنَّه لم يَكْتَفِ بوُجودِ الرائحةِ، ولو وَجَب ذلك، لبادَرَ إليه عمرُ.
(1) في الأصل: «بوجود الرائحة» ، وفى م:«برائحة الخمر» .
(2)
أخرجه البخارى، في: باب القراء من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، من كتاب فضائل القرآن. صحيح البخارى 6/ 230. ومسلم، في: باب فضل استماع القرآن، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 551، 552. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 378، 425.
(3)
الطلاء، بالكسر والمد: الشراب المطبوخ من عصير العنب. الآية 3/ 137.
(4)
أخرجه البخارى تعليقًا، في: باب الباذق ومن نهى عن كل مسكر من الأشربة، من كتاب الأشربة. صحيح البخارى 7/ 139. ووصله الإمام مالك، في: باب الحد في الخمر، من كتاب الأشربة. الموطأ 2/ 842. وعزاه للنسائى ولسعيد بن منصور، في: تغليق التعليق 5/ 26.
(5)
زيادة من: الأصل، تش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن وَجَدَه سَكْرانَ، أو تَقَيَّأَ الخمرَ، فعن أحمدَ، لا حَدَّ عليه؛ لاحْتِمالِ أن يكونَ مُكْرَهًا، أو لم يَعْلَمْ أنَّها تُسْكِرُ. وهذا مذهبُ الشافعىِّ. ورِوايةُ أبى طالبٍ عنه في الحَدِّ بالرَّائحةِ تَدُلُ على وُجوبِ الحَدِّ ههُنا بطرِيقِ الأُوْلَى؛ لأَنَّ ذلك لا يكونُ إلَّا بعدَ شُرْبِها، فأَشْبَهَ ما لو قامَتِ البَيِّنةُ عليه (1) بشُرْبِها. وقد روَى سعيدٌ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنا المُغيرةُ، عن الشَّعْبِىِّ، قال: لمَّا كان من أمْرِ قُدامةَ ما كانَ، جاءَ عَلْقَمَةُ الخَصِىُّ،
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: أشهدُ أنِّى رأيْتُه يَتَقَيَّؤُهَا. فقالَ عمرُ: من قاءَها فقد شَرِبَها. فضَرَبَه الحَدَّ (1). وروَى حُضَيْنُ بنُ المُنْذِرِ الرَّقاشِىُّ، قال: شَهِدْت عثمانَ، وأُتِىَ بالوليدِ بنِ عُقبَةَ، فشَهِدَ عليه حُمْرانُ ورجل آخَرُ، فشَهِدَ أحدُهما أنَّه رآه شَرِبَها، وشَهِدَ الآخَرُ أنَّه رآه يَتَقَيَّؤُها. فقال عثمانُ: إَّنه لم يَتَقَيَّأْها حتى شَرِبَها. فقال لعلىٍّ: أقِمْ عليه الحَدَّ. فأمَرَ على عبدَ اللَّهِ بنَ جَعْفَرٍ، فضَرَبَه. رَواه مسلمٌ (2). وفى رِوايةٍ، قال له عثمانُ: لقد تَنَطَّعْتَ في الشَّهادَةِ. وهذا بمَحْضَرٍ مِن عُلَماءِ الصحايةِ وسادَتِهم، فلم يُنْكَرْ، فكان إجْماعًا. ولأنَّه يُكْتَفَى بالشَّهادَةِ عليه أنَّه شَرِبَها، ولا يَتَقَيَّؤُها أو لا يَسْكَرُ منها حتى يَشرَبَها.
فصل: وأمَّا البَيِّنَةُ، فلا تكونُ إلَّا رجلَيْن عَدْلَيْن مسلمَين، يَشْهَدانِ أنَّه شَرِب مُسْكِرًا، ولا يَحْتاجان إلى بَيانِ نوْعِه؛ لأنَّه لا يَنْقَسِمُ إلى ما يُوجِبُ الحَدَّ وإلى ما لا يُوجِبُه، بخِلافِ الزِّنى، فإنَّه يُطْلَقُ على الصَّرِيحِ وعلى
(1) تقدم تخريج حديث قدامة في صفحة 186.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 186، في حديث: جلد النبى صلى الله عليه وسلم أربعين. . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دَواعِيه، ولهذا قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» (1). فلهذا احْتاجَ الشَّاهِدُ إلى تَفْسِيرِه، وفى مسْألَتِنا لا يُسَمَّى غيرُ المُسْكِرِ مُسْكِرًا، فلم يَفْتَقِرْ إلى ذِكْرِ نَوْعِه، ولا يَفْتَقِرُ في الشَّهادَةِ إلى ذِكْرِ عَدَمِ الإِكْراهِ، ولا ذِكْرِ عِلْمِه أنَّه مُسْكِرٌ؛ لأَنَّ الظَّاهِرَ الاخْتِيارُ والعلمُ، وما عَداهما نادِرٌ، فلم يَحْتَجْ إلى إثْباتِه، ولذلك لم يُعْتَبَرْ في شئٍ مِن الشَّهاداتِ، ولم يَعْتَبِرْه عثمانُ في الشَّهادَةِ على الوليدِ بنِ عُقْبَةَ، ولا عمرُ في الشَّهادَةِ على قُدامَةَ بنِ مَظْعُونٍ، ولا في الشَّهادَةِ على المُغِيرةِ بنِ شُعْبَةَ، ولو شَهِدا (2) بعِتْقٍ أو طَلاقٍ، لم يَفْتَقِرْ إلى ذِكْرِ الاخْتِيارِ، كذا ههُنا.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 383.
(2)
في م: «شهد» .