الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ قَوْلِهِ لِامْرأَتِهِ: قَدْ فَضَحْتِهِ، وَغَطَّيْتِ، أَوْ: نَكَسْتِ رَأْسَهُ، وَجَعَلْتِ لَهُ قُرُونًا، وَعَلَّقْتِ عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ، وَأَفْسَدْتِ فِرَاشَهُ. أَوْ يَقُولُ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ: يَا حَلَالُ ابنَ الْحَلَالِ، مَا يَعْرِفُكَ النَّاسُ بِالزِّنَى وَالفُجورِ يَا عَفيفُ، أَوْ: يَا فَاجِرَةُ، يَا قَحْبَةُ، يَا خَبِيثَةُ. أَوْ يَقَولُ لِعَرَبِىٍّ: يَا نَبَطِىُّ، يَا فَارِسِىُّ، يَا رُومِىُّ. أو يَسْمَعُ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا فَيَقُولُ: صَدَقْتَ. أَوْ: أَخْبَرَنِى فُلَان أنَّكَ زَنَيْتَ. وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ، فَهَذَا كِنَايَةٌ، إِنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ غَيْرُ الْقَذْفِ، قُبِلَ قَوْلُهُ في أحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وفى الْآخَرِ، جَمِيعُهُ صَرِيحٌ.
ــ
4448 - مسألة: (والكنَايَاتُ نحوُ قولِه لامْرأتِه: قد فَضَحْتِه، وغَطَّيْتِ، أو: نَكَسْتِ رَأسَه، وجَعَلْتِ له قُرُونًا، وعَلَّقْتِ عَليه أوْلادًا مِن غيرِه، وأفْسَدْتِ فرَاشَه. أو يَقُولُ لمَن يُخَاصِمُه: يا حَلَالُ ابنَ الحَلَالِ، ما يَعْرِفُكَ النَّاسُ بالزِّنى يا عفيفُ، أو: يَا فاجِرَةُ، يا قَحْبَةُ، يا خَبِيثَةُ. أو يَقُولُ لعَرَبِىٍّ: يَا نَبَطِىُّ، يَا فَارِسِىُّ، يَا رُومِىُّ. أو يَسْمَعُ رجلًا يَقْذِفُ رجلًا، فيَقُولُ: صَدَقْتَ، أو: أخْبَرَنِى فُلَانٌ أنَّكَ زَنَيْتَ. وكَذَّبَه الآخَرُ. فهذا كِنايَةٌ، إنْ فَسَّرَه بما يَحْتَمِلُه غيرُ القَذْفِ، قُبِلَ قَوْلُه في أحَدِ الوَجْهَيْن. وفى الآخَرِ، هذا كُلُّهُ صَرِيحٌ)
ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّ الحَدَّ لا يَجِبُ على القاذِفِ إلَّا باللَّفْظِ الصَّريحِ الذى لا يَحْتَمِلُ غيرَ القَذْفِ، وهو أن يقولَ: يا زَانى. أو يَنْطِقَ باللَّفْظِ الحَقِيقِىِّ في الجِماعِ، فأمَّا ما عَداه مِن الألْفاظِ، فيُرْجَعُ فيه إلى تَفْسِيرِه، كما ذَكَرَه في قولِه: يا لُوطِىُّ، يا مَعْقُوجُ. فلو قال لرجل: يا مُخَنَّثُ. أو لامرأةٍ: يا قَحْبَةُ. وفَسَّرَه بما ليس بقَذْفٍ، نحوَ أن يُرِيدَ بالمُخَنَّثِ أنَّ فيه طِباعَ التَّأْنيثِ والتَّشَبُّهَ بالنِّساءِ، وبالقَحْبَةِ أنَّها تَسْتَعِدُّ لذلك، فلا حَدَّ عليه، وكذلك إذا قال: يا فاجرَةُ، يا خَبِيثَةُ. وحَكَى أبو الخَطَّابِ في هذا [رِوايةً أُخْرَى](1)، أنَّه كَلَّه صريحٌ، يجِبُ به الحَدُّ. والصَّحِيحُ الأَوَّلُ. قال أحمدُ في رِوايةِ حَنْبَلٍ: لا أرَى الحَدَّ إلَّا على مَن صَرَّحَ بالقَذْفِ والشَّتِيمَةِ (2). وقال ابنُ المُنْذِرِ (3): الحَدُّ على مَن نَصَب الحَدَّ (4) نَصْبًا. ولأنَّه قولٌ يَحْتَمِلُ غيرَ الزِّنَى، فلم يَكُنْ صَرِيحًا في القَذْفِ، كقولِه: يا فاسِقُ. وكذلك [إن فَسَّر ذلك بما ليس بقَذْفٍ، مثلَ أن يقولَ](5) أرَدْتُ بالنَبّطَىِّ نَبَطِىَّ اللِّسانِ، أو فارِسِىَّ الطبعِ، أو رُومِىَّ الخِلْقَةِ، فإنَّه لا حَدَّ عليه.
(1) سقط من: الأصل، تش.
(2)
في الأصل: «التسمية» .
(3)
انظر الإشراف 3/ 54، من قول سعيد بن المسيب، وليس ابن المنذر.
والأثر أخرجه عن سعيد، عبد الرزاق، في: المصنف 7/ 422. وابن أبى شيبة، في: المصنف 9/ 536.
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
في م: «إذا قال» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعنه في مَن قال: يا فارِسِىُّ. أنَّه يُحَدُّ، لأنَّه جَعَلَه لغيرِ أبِيه. والأَوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ ما ذَكَرْناه، فلا يكونُ قَذْفًا. وكذلك إن قال: أفْسَدْتِ عليه فِراشَه. أى خرَقْتِ فِراشَه، أو أتْلَفْتِه. وفى قولِه: عَلَّقْتِ عليه أوْلادًا مِن غيرِه. أى الْتَقَطْتِ ولدًا، وذَكَرْتِ أنَّه وَلَدُه، فإن فَسَّرَ شيئًا مِن ذلك بالزِّنَى، فلا شَكَّ في كَوْنِه قَذْفًا. ومِن صُوَرِ التَّعْرِيضِ أن يقولَ لزَوْجَةِ الآخرِ: قد فَضَحْتِه، وغَطَّيْتِ، أو: نَكَسْتِ رَأسَه، وجَعَلْتِ له قُرُونًا، وعَلَّقْتِ عليه أوْلادًا مِن غيرِه، وأفْسَدْتِ فِراشَه. فذَكَرَ أبو الخَطَّابِ في جميعِ ذلك رِوايَتَيْن. وذَكَر أبو بكرٍ عبدُ العزيزِ، أنَّ أبا عبدِ اللَّهِ رَجَع عن القَوْلِ بوُجوب الحَدِّ في التَّعْريضِ.
فصل: واخْتَلَفتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في التَّعْريضِ بالقَذْفِ، مثلَ أن يقولَ لمَن يُخاصِمُه: ما أنتَ بزَانٍ، ما يَعْرِفُكَ النَّاسُ بالزِّنَى، يا حَلالُ ابنَ الحلالِ. أو يقولَ: ما أنا بزَانٍ، ولا أُمِّى بزَانِيَةٍ. فرَوَى عنه حَنْبَلٌ، أنَّه لا حَدَّ عليه. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، واخْتيارُ أبى بكرٍ. وبه قال عَطاءٌ، وعمرُو بنُ دِينارٍ، وقَتادَةُ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْى، وابنُ المُنْذِرِ، لِما رُوِى أنَّ [رجلًا مِن بنى فَزارَةَ أتَى] (1) النبىَّ صلى الله عليه وسلم فقال (2): إنَّ امرأتِى وَلَدَتْ غُلامًا
(1) سقط من: م.
(2)
بعده في م: «له رجل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أسْودَ. يُعَرِّضُ بنَفْيِه (1). فلم يَلْزَمْه بذلك حَدٌ ولا غيرُه. وقد فَرَّقَ اللَّهُ تعالى بينَ التَّعْريضِ بالخِطْبَةِ والتَّصْريحِ بها، فأباحَ التَّعْريضَ، وحَرَّمَ التَّصريحَ، وكذلك في القَذفِ، ولأَنَّ كلَّ كلامٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَييْن لم يَكُنْ قَذْفًا، كقولِه: يا فاسِقُ. وروَى الأَثْرَمُ وغيرُه، أنَّ عليه الحَدَّ. رُوِى ذلك عن عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وبه قال إسْحاقُ، لأَنَّ عمرَ حينَ شاوَرَهم في الذى قال لصاحِبِه: ما أبى بزَانٍ، ولا أُمِّى بزَانِيَةٍ. فقالوا: قد مَدَح أباه وأمَّه. فقال عمرُ: قد عَرَّضَ بصاحِبِه؛ فجَلَدَه الحَدَّ (2). وروَى الأَثْرَمُ (3)، أنَّ عثمانَ جَلَد رجلًا قال لآخَرَ: يا ابنَ شامَّةِ (4) الوَذْرِ. يُعَرِّضُ له بزِنَى أمِّه. والوَذْرُ: قِدْرُ اللَّحْمِ. يُعَرِّضُ بكَمَرِ (5) الرِّجالِ. ولأن الكِنايَةَ مع القَرِينَةِ الصَّارِفَةِ إلى أحَدِ مُحْتَمِلاِئها، كالصَّريحِ (6) الذى لا يَحْتَمِلُ إلَّا ذلك المَعْنَى، ولذلك وَقَع الطَّلاقُ بها، فأمّا إن لم يَكُنْ في حالِ
(1) تقدم تخريجه في 16/ 336.
(2)
أخرجه الإمام مالك، في: باب الحد في القذف والنفى والتعريض، من كتاب الحدود. الموطأ 2/ 829، 830. وعبد الرزاق، في: المصنف 7/ 425. وابن أبى شيبة، في: المصنف 9/ 538. والدارقطنى، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطنى 3/ 209. والبيهقى، في: باب الحد في التعريض، من كتاب الحدود. السنن الكبرى 8/ 252.
(3)
وأخرجه ابن أبى شيبة، في: باب من كان يرى في التعريض عقوبة، من كتاب الحدود. المصنف 9/ 538.
(4)
في م: «سافة» .
(5)
في الأصل: «بكم» . والكمر: جمع كمرة، وهى رأس الذكر.
(6)
في م: «كالتصريح» .