الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا بَأْسَ بِالْفُقَّاعَ.
ــ
لا يُتَوَهَّمُ الإسْكارُ فيها، لم يُكْرَهْ، ولو كان مَكْرُوهًا لَمَا فُعِلَ هذا في بيتِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم له. فعلى هذا، لا يُكْرَهُ ما كان في المُدَّةِ اليَسِيرَةِ، ويُكْرَهُ ما كان في مُدَّةٍ يَحْتَمِلُ إفْضاؤُه إلى الإِسْكارِ، ولا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ ما لم يَغْلِ، أو تَمْضِىَ عليه ثلاثةُ أَيَّامٍ.
4470 - مسألة: (ولا بأْسَ بالفُقَّاعِ)
(1) وبه قال إسحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. قال شيخُنا (2): ولا أعلمُ فيه خِلافًا؛ لأنَّه لا يُسْكِرُ، وإذا تُرِكَ يَفْسُدُ، بخلافِ الخمرِ، والأشْياءُ على الإِباحةِ ما لم يَرِدْ بتَحْرِيمِها حُجَّةٌ.
(1) الفقاع: شراب يتخذ من الشعير، يُخمر حتى تعلوه فقاعاته.
(2)
في: المغنى 12/ 514.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والخَمْرَةُ إذا أُفْسِدَتْ، فصُيِّرَتْ خَلًّا، لم تَحِلَّ، وإن قَلَب اللَّهُ عَيْنَها فصارَتْ خَلًّا، فهى حَلالٌ. رُوِى هذا عن عمرَ بنِ الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وبه قال الزُّهْرِىُّ. ونحوُ؛ قولُ مالكٍ. وقال الشافعىُّ: إن أُلقِىَ فيها شئٌ يُفْسِدُها كالمِلْحِ، فتخلَّلَتْ، فهى على تَحْرِيمِها، وإن نُقِلَتْ مِن شمسٍ إلى ظِلٍّ، أو مِن ظِلٍّ إلى شمسٍ، فتَخَلَّلَتْ، ففى إباحَتِها قَوْلان. وقال أبو حنيفةَ: تَطْهُرُ في الحالَيْن؛ لأَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِها زالَتْ بتَخْلِيلِها فطَهُرَتْ، كما لو تَخَلَّلَتْ بنَفْسِها، يُحَقِّقُه أنَّ التَّطهِيرَ لا فَرْقَ فيه بينَ ما حَصَل بفِعْلِ اللَّهِ تعالى، وفِعْلِ الآدَمِىِّ، كتَطْهيرِ الثَّوْبِ والبَدَنِ والأَرْضِ. ونحوُ هذا قولُ عَطاءٍ، وعمرو بنِ دِينارٍ، والحارِثِ العُكْلِىِّ. وذَكَرَه أبو الخَطَّابِ وَجْهًا في مذهَبِنا. ولَنا، ما روَى أبو سعيدٍ، قال: كان عندَنا خَمْرٌ ليَتِيمٍ، فلمَّا نَزَلَتِ المائدةُ، سألتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّه لَيَتِيمٌ؟ قال:«أَهْرِيقُوهُ» . رَواه التِّرْمِذِىُّ (1)، وقال: حديثٌ حَسَنٌ. وعن أنَس، قال: سُئِلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أتُتَّخَذُ الخمرُ خَلًّا؟ قال: «لَا» . رَواه مسلمٌ، والتِّرْمِذِىُّ (2)،
(1) في: باب ما جاء في النهى للمسلم أن يدفع الى الذمى الخمر. . .، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 267.
(2)
أخرجه مسلم، في: باب تحريم تخليل الخمر، من كتاب الأشربة. صحيح مسلم 3/ 1573. والترمذى، في: باب النهى أن يتخذ الخمر خلا، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 294. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 260.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال: حديثٌ حسنٌ صَحِيحٌ. وعن أبى طَلْحَةَ، أنَّه سألَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن أيْتامٍ وَرِثُوا خَمْرًا؟ فقال:«اهرِقْهَا» . قال: أفَلا أُحَلِّلُها؟ قال: «لَا» . رَواه أبو داودَ (1). وهذا نَهْىٌ يَقْتَضِى التَّحْرِيمَ، ولو كان إلى اسْتِصْلاحِها سَبِيلٌ، لم تَجُزْ إراقتُها، بل أرْشَدَهم إليه (2)، سِيّما وهى لأيْتامٍ يَحْرُمُ التَّفْرِيطُ في أمْوالِهم، ولأنَّه إجْماعُ الصَّحابةِ، فرُوِىَ أنَّ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، صَعِدَ المِنْبَرَ، فقال: لا يَحِلُّ خَلُّ خَمْرٍ أُفْسِدَت، حتَّى يكونَ اللَّهُ تعالى هو الَّذى تَوَلَّى إفْسادَها، ولا بَأْسَ على مسلمٍ ابْتاعَ مِن أَهْلِ الكتابِ خَلًّا، ما لم يَتَعَمَّدْ إفسادَها. رواه أبو عُبَيْدٍ في «الأَمْوالِ» بنَحْوٍ من هذا المعنى (3). وهذا قولٌ يَشْتَهِرُ؛ لأنَّه خَطَب به النَّاسَ على المِنْبَرِ، فلم يُنْكَرْ. فأمَّا إذا انْقَلَبَتْ بنَفْسِها، فإنَّها تَطْهُرُ وتَحِلُّ، في قولِ جميعِهم، فقد رُوِى عن جماعةٍ من الأوائِلِ، أنَّهمِ اصْطَبَغُوا بخَلِّ خمرٍ؛ منهم علىٌّ، وأبو الدَّرْدَاء. ورَخَّصَ فيه الحسنُ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ. وليس في شئٍ من أخْبارِهم أنَّهَم اتَّخَذُوه خَلًّا، [ولا أنَّه](4) انْقَلَبَ بنَفْسِه، لكنْ قد بَيَنّهَ عمرُ بقولِه: لا يَحِلُّ خَلُّ خمرٍ افْسِدَتْ، حتَّى يكونَ اللَّهُ تعالى هو الَّذى يَتَوَلَّى إفْسادَها. ولأنَّها إذا انْقَلَبَتْ بنَفْسِها، فقد زالَتْ عِلَّةُ
(1) في: باب ما جاء في الخمر تخلل، من كتاب الأشربة. سنن أبى داود 2/ 292، 293.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 119، 180، 260.
(2)
في الأصل: «. . . إلى إصلاحها» .
(3)
في: باب ما يجوز لأهل الذمة أن يحدثوا. . .، من كتاب فتوح الأرضين صلحا وسننها وأحكامها. الأموال 104.
(4)
في م: «ولأنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَحْرِيمِها، من غيرِ عِلَّةٍ خَلَفَتْها، فطَهُرَتْ، كالماءِ إذا زالَ تَغَيُّره بمُكْثِه. وإذا أُلْقِىَ فيها شئٌ يَنْجُسُ بها، ثم انْقَلَبَتْ، بَقِىَ ما أُلْقِىَ فيها نَجِسًا، فنَجَّسَها وحَرَّمَها. فأمَّا إن نَقَلَها مِن مَوْضِعٍ إلى آخَرَ، فتَخَلَّلَتْ مِن غيرِ أن يُلْقِىَ فيها شيئًا، فإن لم يَكُنْ قَصَد تَخْلِيلَها، حَلَّتْ بذلك؛ لأنَّها تخلَّلَتْ بفِعْلٍ اللَّهِ تعالى فيها، وإن قَصَد بذلك تخْلِيلَها، احْتَمَلَ أن تَطْهُرَ، لأنَّه لا فَرْقَ بينَهما إلَّا القَصْدُ، فلا يَقْتَضِى تحْريمَها. ويَحْتَمِلُ أن لا تَطْهُرَ، لأنَّها خلَّلَت، فلم تَطْهُرْ، كما لو أُلْقِىَ فيها شئٌ.