الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجْتَمِعُ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ، فَتُرَدُّ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ إِلَى مَالِكِهَا،
ــ
وللشافعىِّ فيما إذا لم يَعلَم القاطِعُ كَوْنَها يَسارًا، وظَنَّ أنَّ قَطْعَها يُجْزِئُ قَوْلان؛ أحدُهما، لا تُقْطَعُ يَمِينُ السارِقِ؛ كيْلا تُقْطَعَ يَدَاه بسَرِقَةٍ واحدةٍ. والثانى، تُقْطَعُ، كما لو قُطِعَت يُسْرَاه قِصَاصًا. فأمَّا القاطِعُ، فاتَّفَقَ أصحابُنا، وأصحابُ الشافعىِّ على أنَّه إن قَطَعَها مِن غيرِ اخْتِيار مِن السارِقِ، أو كان السارِقُ أخْرَجَها دَهْشَةً أو ظَنًّا منه أنَّها تُجْزِئُ، وقَطَعَها القاطِعُ عالِمًا بأنَّها يُسْرَاه، وأنَّها لا تُجْزِئُ، فعليه القِصَاصُ، وإن لم يَعْلَمْ أنَّها يُسْرَاهُ، أو ظَنَّ أنَّها مُجْزِئَةٌ، فعليه دِيَتُها. وإن كان السارِق أخْرَجَها مُخْتارًا عالمًا بالأمْرَيْن، فلا شئَ على القاطِعِ؛ لأنَّه أذِنَ في قَطْعِها، فأشْبَهَ غيرَ السارِقِ. والذى اخْتارَه شيخُنا ما ذَكرْناه في أوَّلِ الفَصْلِ. واللَّهُ أعلمُ.
4532 - مسألة: (ويَجْتَمِعُ القَطْعُ والضَّمَانُ، فَتُرَدُّ العَيْنُ
وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً، غَرِمَ قِيمَتَهَا وَقُطِعَ.
ــ
المَسْرُوقَةُ إلى مالِكِهَا، وإن كانت تالِفَةً، غَرِمَ قِيمَتَها وقُطِعَ) لا يخْتلِفُ أهلُ العلمِ في وُجوبِ رَدِّ العَيْنِ المَسْرُوقَةِ على مالِكِهَا إذا كانت بَاقِيةً، وإن كانت تالِفَةً، فعلى السارِقِ رَدُّ قِيمَتِها، أو مِثْلِها إن كانتْ مِثْلِيَّةً، قُطِعَ أو لم يُقْطَعْ، مُوسِرًا كان أو مُعْسِرًا. وهذا قولُ الحسنِ، والنَّخَعِىِّ، وحَمَّادٍ، والبتِّىِّ، واللَّيْثِ، والشافعىِّ، وإسْحاقَ، وأبى ثَوْرٍ. وقال الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ: لا يَجْتَمِعُ الغُرْمُ والقَطْعُ، إن غَرِمَها قبلَ القَطْعِ سَقَط القَطْعُ، وإن قُطِعَ قبلَ الغُرْمِ سَقَط الغُرْمُ. وقال عَطاءٌ، وابنُ سِيرِينَ، والشَّعْبِىُّ، ومَكْحُولٌ: لا غُرْمَ على السَّارِقِ إذا قُطِعَ. ووافَقَهم مالكٌ في المُعْسِرِ، ووَافَقَنا في المُوسِرِ. قال أبو حنيفةَ، في رِجلٍ سَرَق مَرَّاتٍ، ثم قُطِعَ: يَغْرَمُ الكلَّ، إلَّا الأخِيرَةَ. وقال أبو يوسف: لا يَغْرَمُ شيئًا، لأنَّه قُطِعَ بالكُلِّ، فلا يَغْرَمُ شيئًا منه، كالسَّرِقَةِ الأخيرَةِ. واحْتَجَّا بما رُوِى عن عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ، عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«إِذَا أَقَمْتُمُ الحَدَّ عَلَى السَّارِقِ، فَلا غُرْمَ عَلَيْهِ» (1). ولأَنَّ التَّضْمِينَ يَقْتَضِى التَّمْلِيكَ، والمِلْكَ يَمْنَعُ القَطْعَ، فلا يُجْمَعُ بينَهما. ولَنا، أنَّها عَيْنٌ يجبُ ضَمانُها بالرَّدِّ لو كانت باقِيَةً، فيجبُ ضَمانُها إذا كانت
(1) أخرجه النسائى، في: باب تعليق يد السارق في عنقه، من كتاب قطع السارق. المجتبى 8/ 85. والدارقطنى، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطنى 3/ 182. والبيهقى، في: باب غرم السارق، من كتاب السرقة. السنن الكبرى 8/ 277.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تالِفَةً، كما لو لم يُقْطَعْ، ولأَنَّ القَطْعَ والغُرْمَ حَقَّان يَجِبانِ لمُسْتَحِقَّيْن، فجازَ اجْتِماعُهما، كالجَزاءِ والقِيمَةِ في الصَّيْدِ الحَرَمِىِّ المَمْلوكِ. وحديثُهم يَرْوِيه سعدُ بنُ إبراهيمَ، عن منصورٍ (1)، وسعدُ بنُ إبراهيمَ مجهولٌ. قاله ابنُ المُنْذِرِ (2). وقال ابنُ عبدِ البَرِّ (3): الحديثُ ليس بالقَوِىِّ. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ، ليس عليه أُجْرَةُ القاطِعِ. وما ذَكَرُوه فهو بِناءٌ على أُصُولِهم، ولا نُسَلِّمُها لهم.
فصل: إذا فَعَل في العينِ فِعْلًا نَقَصَها به، كقَطْعِ الثَّوْبِ ونحوِه، وَجَب رَدُّه ورَدُّ نَقْصِه، ووَجَب القَطْعُ. وقال أبو حنيفةَ: إن كانَ نَقْصًا لا يَقْطَعُ حَقَّ المَغْصوبِ منه إذا فَعَلَه الغِاصِبُ، رَدَّ العَيْنَ ولا ضَمانَ عليه، وإن كان يَقْطَعُ حَقَّ المالكِ، كقَطْعِ الثَّوبِ وخِياطَتِه، فلا ضَمانَ عليه، ويَسْقُطُ حَقُّ المَسْرُوقِ منه مِن العَيْنِ، وإن كان زيادةً في العَيْنِ، كصَبْغِه أَحْمَرَ أو أصفرَ، فلا يَرُدُّ العَيْنَ (4)، ولا يَحِلُّ له التَّصَرُّفُ فيها. وقال أبو يوسفَ، ومحمدٌ: يَرُدُّ العَيْنَ. وبَنَى هذا على أصْلِه في أنَّ الغُرْمَ يُسقِطُ عنه القَطْعَ. وأمَّا إذا صَبَغَه (5)، فقال: لا يَرُدُّه؛ لأنَّه لو رَدَّه لكان شريكًا فيه بصَبْغِه، ولا يجوزُ أن يُقْطَعَ فيما هو شَرِيكٌ فيه. وهذا ليس بصَحِيحٍ؛ لأَنَّ صَبْغَه كان قبلَ القَطْعِ، فلو كان شَرِيكًا بالصَّبْغِ لسَقَطَ القَطْعُ، وإن
(1) في م: «ابن منصور» .
(2)
في الإشراف 2/ 312.
(3)
في التمهيد 14/ 383.
(4)
في الأصل: «عليه» .
(5)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كان يَصِيرُ شريكًا بالرَّدِّ، فالشَّرِكَةُ الطارِئَةُ بعدَ القَطْعِ لا تُؤَثِّرُ، كما لو اشْتَرَى نِصْفَه من مالِكِه بعدَ القَطْعِ. وقد سَلَّمَ أبو حنيفةَ، أنَّه لو سَرَق فِضَّةً، فضَرَبَها دَرَاهِمَ، قُطِعَ، ولَزِمَه رَدُّها. وقال صاحِباه: لا يُقْطَعُ (1)، ويَسْقُط حَقُّ صاحِبِها منها بضَرْبِها. وهذا شئٌ بَنَيَاهُ (2) على أصُولِهما في أنَّ تَغْييرَ اسْمِها يُزِيلُ مِلْكَ صاحِبِها، وأنَّ مِلْكَ السَّارِقِ لها يُسْقِطُ القَطْعَ عنه، وهوْ غيرُ مُسَلَّمٍ لهما.
فصل: ويَسْتَوِى في وُجوبِ الحَدِّ على السَّارِقِ الحُرُّ والحُرَّةُ، والعَبْدُ والأمَةُ، ولا خِلافَ في وُجُوُبِ الحَدِّ على الحُرِّ (3) والحُرَّةِ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (4). ولأنَّهما اسْتَويَا في سائرِ الحُدُودِ، فكذلك في هذا، وقد قَطَع النبىُّ صلى الله عليه وسلم سارِقَ رِدَاءِ صَفْوانَ (5)، وقَطَعَ المُخْزُومِيَّةَ التى سَرَقَتِ القَطِيفَةَ (6). فأمَّا العَبْدُ والأمَةُ، فإنَّ جُمْهورَ الفُقَهاءِ وأهلَ الفَتوَى على وُجوبِ القَطْعِ عليهما (7) بالسَّرِقَةِ، إلَّا ما حكِىَ عن ابنِ عباسٍ، أنَّه قال: لا قَطْعَ عليهما (8)؛
(1) في الأصل: «يسقط» .
(2)
في تش، ق، م:«بنيناه» .
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
سورة المائدة 38.
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 499.
(6)
تقدم تخريجه في صفحة 467.
(7)
في الأصل: «عليها» .
(8)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب سرقة الآبق، من كتاب اللقطة. المصنف 10/ 242. والدارقطنى، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطنى 3/ 87.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّه حَدٌّ لا يُمْكِنُ تَنْصِيفُه، فلم يجبْ في حَقِّهِما، كالرَّجْمِ، ولأنَّه حَدٌّ فلا يُساوِى العَبْدُ فيه الحُرَّ كسائِرِ الحدُودِ. ولَنا، عمُومُ الآيةِ، ورَوَى الأَثْرَمُ، أنَّ رَقِيقًا لحاطِبِ بنِ أبى بَلْتَعَةَ سَرَقُوا نَاقَةً لرجلٍ من مُزَيْنَةَ، فانتَحَرُوها، فأمَرَ كَثِيرُ بنُ الصَّلْتِ أن تُقْطَعَ أيدِيهم، ثم قال عمرُ: واللَّهِ إنِّى لأراك (1) تُجِيعُهم، ولكنْ لأغْرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عليك. ثم قال للمُزَنِىِّ: كم ثمنُ ناقَتِكَ؟ قال: أربعُمائَةِ دِرْهَم. قال عمرُ (2): أعْطِه ثمانَمائةِ دِرْهمٍ (3). وروَى القاسِمُ، عن أبيه، أنَّ عبدًا أقَرَّ بالسَّرِقَةِ عندَ علىٍّ، فقَطَعَه (4). وفى رِوايةٍ قال: كان عبدًا. يعنى الذى قَطَعَه علىٌّ. رَواه الإِمامُ أحمدُ بإسْنادِه (5). وهذه قِصَصٌ تَنْتَشِرُ (6) ولم تُنْكَرْ، فتكونُ إجْماعًا. وقولُهم: لا يُمْكِنُ تَنْصِيفُه. قُلْنا: ولا يُمْكِنُ تَعْطِيلُه، فيَجِبُ تَكْمِيلُه، وقِياسُهم نَقْلِبُه عليهم، فنقولُ: حَدٌّ (7) فلا يُتَعَطَّلُ في حَقِّ العبْدِ والأمَةِ، كسائرِ الحدودِ. وفارَقَ الرَّجْمَ، فإنَّ حَدَّ الزِّنَى لا يَتَعَطَّلُ بِتَعْطِيلِه، بخِلافِ القَطْعِ، فإنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ يَتَعَطَّلُ بتَعْطِيلِه.
فصل: ويُقْطَعُ الآبِقُ بسَرِقَتِه. رُوِى ذلك عن ابنِ عمرَ، وعمرَ بنِ
(1) في م: «لا أراك» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
تقدم تخريجه في 25/ 397.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 559.
(5)
في ق، م:«في مسنده» .
(6)
بعده في م: «وتشهر» .
(7)
في تش، ق، م:«حق» .