الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِى قَتْلِ الْعَمْدِ وَشِبْهِ العَمْدِ رِوَايَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا، لَا كَفَّارَةَ فِيهِ. اخْتَارَهَا أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِى. وَالأُخْرَى، فِيهِ الْكَفَّارَةُ.
ــ
عُمُومُ قولِه تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} . ولأنَّه آدَمِىٌّ مُؤْمِنٌ مقْتولٌ خَطأً، فوَجَبَتِ الكفَّارَةُ على قاتِله، كما لو قتَلَه غيرُه. قال شيْخُنا (1): وقولُ أبى حنيفةَ أقْرَبُ إلى الصَّوابِ، إن شاءَ اللَّهُ تعالى، فإنَّ عامِرَ بنَ الأكْوَعِ، قَتَلَ نفْسَه خَطأً، فلم يَأْمُرِ النبىُّ صلى الله عليه وسلم فيه بكَفَّارَةٍ (2). فأمَّا قولُه تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} . فإنَّما أُرِيدَ بها إذا قَتَلَ غيرَه، بدَليلِ قولِه:{وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} . وقاتلُ نفْسِه لا تجِبُ فيه دِيَةٌ، بدَليلِ قَتْلِ عامِر بنِ الأكْوَعِ.
4358 - مسألة: (وفى العَمْدِ وشِبْهِ العَمْدِ رِوايَتان؛ إحْداهما، لَا كَفَّارَةَ فيه. اخْتارَها أبو بَكْرٍ والقاضِى. والأُخْرَى، فيه الكَفَّارَةُ)
المشْهورُ في المذْهَبِ أنَّه لا كَفَّارَةَ في قَتْلِ العَمْدِ. وبه قال الثَّوْرِىُّ، ومالكٌ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وأصْحابُ الرَّأْى. وعن أحمدَ رِوايةٌ أُخْرَى،
(1) انظر: المغنى 12/ 225.
(2)
تقدم تخريجه في 25/ 338.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تجبُ فيه الكَفَّارَةُ. وحُكِىَ ذلك عن الزُّهْرِىِّ. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لِما روَى واثِلَةُ بنُ الأسْقَعِ قال: أتَيْنا النبىَّ صلى الله عليه وسلم بصاحِبٍ لنا قد أوْجَبَ بالقَتْلِ. فقال: «أُعتِقُوا عنه رَقَبَةً، يُعْتِقِ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا منه مِنَ النَّارِ» (1). ولأنَّها إذا وجَبَتْ في قَتْلِ الخَطَأ، ففى العَمْدِ أوْلَى؛ لأنَّه أعْظَمُ جُرْمًا، وحاجتَه إلى تَكْفِيرِ ذَنْبِه أعْظَمُ. ولَنا، مَفْهومُ قولِه تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} . ثم ذكرَ قَتْلَ العَمْدِ، فلم يُوجِبْ فيه (2) كَفَارَةً، وجَعَلَ جَزاءَه جَهَنَّمَ، فمَفْهومُه أنَّه لا كفَّارةَ فيه. ورُوِىَ أنَّ [الحارثَ بنَ](3) سُوَيْدِ بنِ الصَّامتِ قتلَ رَجُلًا، فأوْجَبَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم القَوَدَ، ولم يُوجبْ كفَّارَةً. وعمرُو بنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِىُّ قتلَ رَجُلَيْن كانا في عَهْد النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فوَداهما النبىُّ صلى الله عليه وسلم ولم يأْمُرْه بكَفَّارَةٍ (4). ولأنَّه
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في ثواب العتق، من كتاب العتق. سنن أبى داود 2/ 354. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 490، 491. وهو ضعيف. انظر: الإرواء 7/ 339.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
تكملة لازمة. وانظر القصة، في: الطبقات الكبرى لابن سعد 3/ 552، 553. والسيرة لابن هشام 3/ 89.
(4)
انظر: السيرة لابن هشام 3/ 186.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فِعْلٌ يُوجبُ القتلَ، فلا يُوجِبُ كَفَّارَةً، كزنَى المُحْصَنِ، وحديثُ واثِلَةَ يَحْتَمِلُ أَنَّه كان خَطأً، وسَمَّاه مُوجبًا، أى فوَّتَ النَّفْسَ بالقَتْلِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه كان شِبْهَ عَمْدٍ. ويَحْتَمِلُ أنَّه أمَرَهم بالإِعْتاقِ تَبَرُّعًا، ولذلك أمرَ غيرَ القاتلِ بالإِعْتاقِ. وما ذكَرُوه مِن المعنى لا يَصِحُّ، لأنَّها وجَبَتْ في الخَطَأ، لتَمْحُوَ (1) إثْمَه، لكَوْنِه لا يَخْلُو بن تَفْرِيطٍ، فلا يَلْزَمُ مِن ذلك إيجابُها في مَوْضِع عَظُمَ الإِثْمُ فيه، بحيثُ لا يَرْتَفِعُ بها. إذا ثَبَتَ هذا، فلا فَرْقَ بينَ العَمْدِ المُوجِبِ للقِصاصِ، وما لا قِصاصَ فيه، كقَتْلِ الوالدِ ولدَه، والسَّيِّدِ عبْدَه، والحُرِّ العَبْدَ، والمُسلمِ الكافِرَ؛ لأَنَّ هذا مِن أنْواعِ العمْدِ.
فصل: فأمَّا شِبْهُ العَمْدِ، فقال شَيْخُنا (2): تجبُ فيه الكفَّارةُ، ولم
(1) في الأصل: «لتحقق» .
(2)
في المغنى 12/ 227.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أعلمْ لأصْحابنا فيه قَوْلًا، لكنَّ مُقْتَضَى الدَّليلِ ما ذكَرْناه؛ لأنَّه أُجْرِىَ مُجْرَى الخَطأَ في نَفْىِ القِصاصِ، وحَمْلِ العاقلةِ دِيَتَه، وتأْجِيلِها في ثلاثِ سِنِينَ، فجَرَى مَجْراه في وُجُوب الكفَّارَةِ، ولأَنَّ القاتِلَ إنَّما لم يَحْمِلْ شيئًا مِن الدِّيَةِ لتَحَمُّلِه الكَفَّارَةَ، فلو لم تجِبْ عليه الكَفَّارَةُ، لَحَمَلَ مِن الدِّيَةِ؛ لئلَّا يَخْلُوَ القاتلُ عن وُجوبِ شئٍ أصْلًا، ولم يَرِدِ الشَّرْعُ بهذا. وقد ذَكَرَ في الكِتابِ المَشْرُوحِ رِوايةً أنَّه كالعَمْدِ؛ لأَنَّ دِيَتَه مُغَلَّظَةٌ. وهى اخْتيارُ أبى بكرٍ؛ لأَنَّ عندَه أنَّ الدِّيَةَ فيه يَحْمِلُهاْ القاتلُ، فقد أشْبَهَ العَمْدَ في ذلك، فكان حُكْمُه حُكْمَه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وكَفَّارَةُ القَتْلِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُومِنَةٍ بنَصِّ القُرآنِ، سَواءٌ كان القاتلُ أو المقْتولُ مُسْلِمًا أو كافِرًا، فإن لم يَجِدْها في مِلْكِه فاضِلةً عن حاجَتِه، أو يَجِدْ ثَمَنَها فاضِلًا عن كفايَتِه، فصيامُ شَهْرَيْن مُتَتابِعَيْن تَوْبَةً مِن اللَّهِ، وهذا ثابتٌ بالنَّصِّ أيضًا. فإن لم يَسْتَطِعْ، ففيه رِوايتان؛ إحداهما، يَثْبُتُ الصِّيامُ في ذِمَّتِه، ولا يجبُ شئٌ آخَرُ، لأَنَّ اللَّهَ تعالى لم يذْكُرْه، ولو وَجَبَ لذَكَرَه. والثانيةُ، يجبُ إطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا عندَ العَجْزِ عن (1) الصَّوْمِ، ككَفَّارَةِ الظِّهارِ والفِطْرِ في رمضانَ، وإن لم يَكُنْ مذْكُورًا في نَصِّ القُرآنِ، فقد ذُكِرَ ذلك في نَظِيرِه، فيُقاسُ عليه. فعلى هذه الرِّوايةِ، إن عجزَ عن الإِطْعامِ، ثبتَ في ذِمَّتِه حتى يَقْدِرَ عليه. وللشافعىِّ في هذا قَوْلان كالرِّوايتَيْن. واللَّهُ أعلمُ.
(1) سقط من: الأصل.