الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ زَادَ سَوْطًا أَوْ أَكْثَرَ، فَتَلِفَ بِهِ، ضَمِنَهُ. وَهَلْ يَضْمَنُ جَمِيعَهُ أَوْ نِصْفَ الدِّيَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
فلم يَجِبْ ضَمانُ مَن ماتَ به، كسائِرِ الحدودِ، وما زادَ على الأرْبَعين فهو مِن الحَدِّ على ما نَذْكُرُه، وإن كان تَعْزِيرًا، فالتَّعْزِيرُ يجبُ، فهو بمَنْزِلَةِ الحدِّ. وأمَّا حديثُ علىٍّ، فقد صَحَّ عنه أنَّه قال: جَلَد رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أرْبَعين، وأبو بكرٍ أرْبَعِين (1). وثَبَت الحَدُّ بالإِجْماعِ، فلم يَبْقَ فيه شُبْهَةٌ.
فصل: ولا نعلمُ بينَ أهلِ العلمِ خِلافًا في سائرِ الحُدودِ، أنَّه إذا أتَى بها على الوَجْهِ المَشْرُوعِ، مِن غيرِ زِيادةٍ، أنَّه لا يَضْمَنُ مَن تَلِف بها؛ لأنَّه فَعَلها بأمْرِ اللَّهِ وأمْرِ رسولِه، فلا يُؤَاخَذُ به، ولأنَّه نائِبٌ عن اللَّهِ تعالى، فكان التَّلَفُ مَنْسوبًا إلى اللَّهِ سُبحانَه.
4388 - مسألة: (وإن زادَ)
على الحَدِّ (سَوْطًا أو أكثرَ، فتَلِفَ به ضَمِنَهُ. وهل يَضْمَنُ جَمِيعَ الدِّيَةِ أو نِصْفَها؟ على وَجْهَيْن) إذا زاد
= والحديث أخرجه البخارى، في: باب الضرب بالجريد والنعال، من كتاب الحدود. صحيح البخارى 8/ 197. ومسلم، في: باب حد الخمر، من كتاب الحدود. صحيح مسلم 3/ 1332. وأبو داود، في: باب إذا تتابع في شرب الخمر، من كتاب الحدود. سنن أبى داود 2/ 474. وابن ماجه، في: باب حد السكران، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه 2/ 858. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 130.
(1)
تقدم تخريجه في صفحة 186.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على الحَدِّ فتَلِفَ المحْدُودُ، وَجَب الضَّمانُ، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه؛ لأنَّه تَلِفَ بعُدْوانِه، فأشْبَهَ ما لو ضَرَبَه في غيرِ الحَدِّ. قال أبو بكرٍ: وفى قَدْرِ الضَّمانِ وَجْهانِ؛ أحدُهما، كَمالُ الدِّيَةِ؛ لأنَّه قَتْلٌ حَصَل مِن جِهَةِ اللَّهِ تعالى وعُدْوانِ الضَّاربِ، فكان الضَّمانُ على العادِى، كما لو ضَرَب مَرِيضًا سَوْطًا فماتَ به، ولأنَّه تَلِف بعُدْوانٍ وغيرِه، فأشْبَهَ ما لو ألْقَى على سَفِينةٍ مُوقَرَةٍ حَجرًا فغَرَّقَها. والثانى، عليه نصف الضَّمانِ؛ لأنَّه تَلِف بفِعْل مَضْمُونٍ وغيرِ مَضْمونٍ، فوَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ حَسْبُ، كما لو جَرَح نَفْسَه وجَرَحَه غيرُه فماتَ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشافعىُّ في أحَدِ قَوْلَيْه. وقال في الآخَرِ: يَجِبُ مِن الدِّيَةِ بقَدْرِ ما تَعَدَّى به، تُقَسَّطُ الدِّيَةُ على الأسْواطِ كلِّها، وسَواءٌ زاد خَطأً أو عَمْدًا؛ لأَنَّ الضَّمانَ يجبُ في الخَطأِ والعَمْدِ، ثم يُنْظَرُ؛ فإن كان الجَلَّادُ زادَه مِن عندِ نَفْسِه بغيرِ أمْرٍ، فالضَّمانُ على عاقِلَتِه؛ لأَنَّ العُدْوانَ منه، وكذلك إن قال له الإِمامُ: اضْربْ ما شِئْتَ. وإن كان له مَن يَعُدُّ عليه، فزادَ في العَدَدِ، ولم يُخْبِرْه، فالضَّمانُ على مَن يَعُدُّ، سَواءٌ تَعَمَّدَ ذلك أو أخْطأَ في العَدَدِ؛ لأَنَّ الخَطَأ منه. وإن أمَرَه الإِمامُ بالزِّيادَةِ على الحَدِّ فزادَ، فقال القاضى: الضَّمانُ على الإِمامِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقِياسُ المذهبِ أنَّه إنِ اعْتَقَدَ وُجوبَ طاعةِ الإِمامِ، وجَهِل تَحْرِيمَ الزِّيادَةِ، فالضَّمانُ على الإِمامِ، وإن كان عالِمًا بذلك، فالضَّمانُ عليه، كما لو أمَرَه الإِمامُ بقَتْلِ رجلٍ ظُلْمًا فقتَلَه. وكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنا: يَضْمَنُ الإِمامُ. فهل يَلْزَمُ عاقِلَتَه أو بيتَ المالِ؟ فيه رِوايَتان؛ إحداهما، هو في بيتِ المالِ؛ لأن خَطأَه يَكْثُرُ، فلو وَجَب ضَمانُه على عاقِلتِه، أجْحَفَ بهم. قال القاضى: هذا أصَحُّ. والثانى، هو على عاقِلَتِه؛ لأنَّها وَجَبَتْ بخَطئِه، فكانت على عاقِلَتِه، كما لو رَمَى صَيْدًا فقَتَلَ آدَمِيًا. ويَحْتَمِلُ أن تكونَ الرِّوايَتان فيما